العدد 5063 - الأحد 17 يوليو 2016م الموافق 12 شوال 1437هـ

ماذا بعد فشل الانقلاب في تركيا؟

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من المؤكد أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سيطوي صفحة الانقلاب بسرعة، وسيجعلها وراء ظهره، لكن العاصفة التي ضربت تركيا، ستكون لها آثارها الكبيرة على سياساته في الداخل والخارج.

في أول تصريحٍ له، بعد ساعةٍ من إعلان فشل الانقلاب، توعّد أردوغان بمحاسبة «الخونة»، والتلويح بإعادة العمل بعقوبة الإعدام. وفي أول خطاب جماهيري له، بعد 24 ساعة، صرّح بأن الانقلاب «هديةٌ من الله لتطهير الجيش». وقد شرع سريعاً في تنفيذ إجراءاته الانتقامية ضد معارضيه، وطالب بإعادة غريمه فتح الله غولن من الأراضي الأميركية، والذي نفى تماماً صلته بالانقلاب.

لقد تصرّف أردوغان كأيّ حاكمٍ، تعرّض لتهديدٍ جدي لحكمه. ولو نجح الانقلاب العسكري لتغيّر مسار تركيا السياسي، بما قد يغيّر وجه المنطقة، وخصوصاً في سورية والعراق. والقول بأن ما جرى مجرد مسرحية، إنّما هو نوع من الاستهانة بالعقل، فالرجل كان قاب قوسين أو أدنى من السقوط وتصفية وجوده السياسي. وإذا كان الانقلاب قد فاجأ الكثيرين، فإنَّ أردوغان لم يمثّل له الانقلاب مفاجأةً إطلاقاً، فقد عاش على هاجس المؤامرة منذ سنوات، وخصوصاً بعد إسقاط حكم الإخوان المسلمين في مصر.

لقد عاش وهو يترقب وقوع المؤامرة، إن لم يكن من قبل جماعة عدوه اللدود فتح الله غولن، المتغلغلة في الجيش والقضاء ومؤسسات الدولة، فمما ستأتي به تقلبات الأيام. لقد عاش في منطقةٍ تموج بالاضطرابات، وساهم في تأجيج الكثير منها، ورأى عدّة حكام كانوا على صلةٍ حسنةٍ به، اختفوا خلال أسابيع عن الساحة، كما حدث مع حسني مبارك في مصر، وزين العابدين بن علي في تونس، فضلاً عن معمر القذافي، الذي كانت تربطه به علاقات اقتصادية ممتازة، لكنه ساهم في إسقاطه حين دارت عليه الدوائر. أما سورية، فقد أقام علاقاتٍ وثيقةً مع بشّار الأسد، وتبادل معه الزيارات، وكان يعتبره أخاه الأصغر. والسؤال الذي يطرح اليوم: هل سيلجأ إلى المصالحة؟ أم سيجنح للتصلب والإصرار على سياساته؟

عند الحديث عن السيد أردوغان، يجب ألا نلبسه عباءة الخليفة، ونضفي عليه قداسةً لا يستحقها، فهو رجلٌ سياسيٌّ، يتصرّف كأيّ حاكم، ويجب إخضاع سياساته الداخلية والخارجية، للمساءلة والتقييم، بعيداً عن هذا الاصطفاف الطائفي الأعمى. فهو حين وقف مع القذافي، إنّما كان يراعي مصالح بلاده بضمان الاتفاقات الاقتصادية، وحين أرسل طائراته لإسقاطه، كان يهدف إلى ضمان الحصول على حصته من الكعكة النفطية. وحتى علاقاته مع «إسرائيل»، كانت عرضةً لتقلبات السوق وحسابات الاستثمار، بدرجةٍ يحسده عليها ميكافيللي نفسه.

اليوم، ومع محاولة طيّ صفحة الانقلاب بسرعة، تطرح العديد من الأسئلة: ماذا بعد؟ ماذا سيفعل أردوغان في اليوم الثاني؟ وإلى أين سيقود تركيا؟ وماذا سيفعل بخصوص بؤر الصراع التي افتعلها مع دول الجوار؟ وماذا سيفعل مع الأكراد؟ وماذا سيصنع مع شيء اسمه «داعش» على وجه الخصوص؟

سيقضي أردوغان بسرعةٍ على ما تبقى من أنصار الانقلاب، ويحاول تصفية آثاره، باعتباره كابوساً مرعباً، وسيلجأ إلى مزيدٍ من القمع، وسيلاحق أنصار غولن وبقية معارضيه على أمل إنهاء وجودهم السياسي نهائيّاً، حتى يبقى متفرداً في الساحة، لكن ماذا بعد؟

ستبقى أمام أردوغان مواجهة مشاكله الأخرى، وهي أزماتٌ حقيقيةٌ عميقةٌ، فهناك مجتمعٌ منقسمٌ على نفسه؛ وهناك جيشٌ يحمل عقيدةً أخرى، شارك جزءٌ مهمٌّ منه في الانقلاب وتعرّض لإذلالٍ وجلدٍ في الشوارع؛ وهناك الأكراد الذين أعلن الحرب عليهم؛ وهناك «داعش» التي تقاتل في سورية والعراق، وتملك جيشاً من الخلايا النائمة قوامه 8 آلاف مقاتل تركي، منتشرين في المدن والأرياف التركية، وقد نفّذت أول عملياتها الانتقامية داخل تركيا قبل أسابيع.

السيناريو الأقرب الذي ينتظر تركيا، مزيد من القمع في الداخل، ومزيد من التراجعات، الاقتصادية والسياسية والسياحية، واستمرار التورط في تأجيج النزاعات في دول الجوار. والخشية كل الخشية، أن يتحوّل النموذج التركي الذي كان يبشر به الرئيس الأميركي «المعتدل» باراك أوباما، قبل ثمانية أعوام، كنموذج لـ«الإسلام المعتدل»، إلى نسخةٍ «معدّلةٍ» من حكومة «طالبان».

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 5063 - الأحد 17 يوليو 2016م الموافق 12 شوال 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 40 | 8:16 ص

      نذير شر للجميع ! التعامل المشين مع الانقلابيين ذبحهم على الجسور خلعهم ثيابهم ضربهم بشيئ مشين , يدل بشيئ أكيد أن اردغان ............

    • زائر 41 زائر 40 | 9:44 ص

      صدق متأثر حضرتك
      أزيد من جدي سويتون في الشرطه ولي يشتغل في الشرطه
      الله يرحم

      تتكلم عن التشفي وانتون أكثر ناس تشمتون وتتشفون

    • زائر 42 زائر 41 | 4:28 م

      حطينا عليهم دوائر.. وشينا عليهم. وحاكمناهم على التلفزيون.. ........... هذا ما أثبته تقرير بسيوني

    • زائر 30 | 3:34 ص

      صباح الخير

      احين صار أردوغان للبعض عمر المختار صار يحبه الله ويحب الله الرسول وخاتم الرسل بعد المصطفى للهدايه البشر وإسرائيل تهلل ليل نهار بعدم سقوط أردوغان المنقذ

    • زائر 28 | 3:03 ص

      الداعم الأكبر والأب الروحي لداعش هذا اللقيط غير الشرعي
      ماذا سيفعل معها الآن
      هل سيواصل دعمها ام سيتوقف؟

    • زائر 25 | 2:14 ص

      اقول كل من يدخل فيما لايعنيه يلاقيي ما لايرضيه

    • زائر 24 | 2:11 ص

      ان تتقوا الله يجعل لكم فرجا ومخرجا بصراح ما كان يعرف للاتراك هل هم متدينين او ملحدين او مستاسلمين في اي خانه انخليهم وااردوغان يعني راح يعدم نص شعب التركي !

    • زائر 23 | 2:08 ص

      ستضل تركيا والسعوديه شوك في طريق أعداء الدين
      فليضرب بيد من حديد

    • زائر 21 | 1:59 ص

      تركيا الآن تمرّ بمرحلة ستكون سيئة جدا وتتمثل في اطلاق يد اردوغان في اجتثاث كل معارضيه مما سيوغر في نفوس الكثير من الشعب التركي ويزيد الحقد عليه في صفوف الكثيرين، والشعب التركي معروف بأنه اذا ضاق به الخناق فلن يتوانى عن القيام بانقلاب فعلي يسقط اردوغان سقوطا مدوّيا وان كنّا احياء سنذكركم وان متنا اذكروا هذا الكلام

    • زائر 20 | 1:37 ص

      اردوغان رئيس منتخب فهو الحاكم الشرعي البلاد بغض النظر عن انتمائه الفكري او الحزبي والنقطه الاخرى والاهم بان الشعب التركي من مؤيدين ومعارضين رفضو الانقلاب العسكري لانها معارضه شريف

    • زائر 16 | 12:58 ص

      10

      هههههههه تركيا دشت في الليسته (القائمه ) لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ،، لا ويقول لك في البحرين خلاص ما فيها أميه ! على أساس وزارة التربية والتعليم محت الأميه محو ! عيل رقم 10 في أي خانه نسجل اسمه ؟

    • زائر 10 | 12:10 ص

      المكر السيء لايحيق إلا بأهله حفظ الله تركيا والسعوديه والبحرين من كل متامر وعلي نياتكم ترزقون

    • زائر 19 زائر 10 | 1:15 ص

      أبرز مثال للمكر السيء سياسة أردوغان مع الصهاينة

    • زائر 9 | 11:53 م

      الي ما استطاع مرسي عمله في الجيش قام به اردوغان في الجيش التركي

      الي ما استطاع مرسي عمله في الجيش المصري قام به اردوغان في الجيش التركي هذا الهاجس المخيف من الجيش . كما حل الجيش العراقي والليبي و......

    • زائر 8 | 11:22 م

      الاخير قوية

    • زائر 7 | 11:16 م

      لا خوف على تركيا والشعب التركى الشريف موجود

    • زائر 5 | 11:02 م

      نقول لوردغان لا تحزن ان الله معنا الله يوفقك يارب وينصرك على اعداء تركيا

    • زائر 22 زائر 5 | 2:00 ص

      اللي صار عقب الانقلاب
      أن اوادم جاها وش بعقلها
      ضربوا العاب ناريه واستانسووو وطلعو نكت وتشمتوا وعقب الانقلاب طاحوا على بوزهم
      مشكلتكم
      أنكم تتشمتوووون
      يفترض حتى العدو ما تشمتون فيه

    • زائر 27 زائر 5 | 3:01 ص

      ان إسرائيل مع اردغوان
      اعتبرت عودته الى احضانها كنز.
      عودةللتحالف الاستراتيجي مع الصهاينة بعدما قتلوا المتطوعين الاتراك في سفينة مرمرة
      لكن التعصب الطائفي الاعمى

    • زائر 4 | 10:59 م

      .. الحمد لله الله ستر

    • زائر 2 | 10:33 م

      السلطان الجبار

      أصبح الآن أردوغان السلطان الجبار بل يملك عصابه بإسم الدين ،، كيف نصدق هذا المتعجرف بأن ثلاثة آلاف قاضي متورطين بالذي حصل !!!! تارة يتهم أمريكا وتارة يتهم الداعيه غولن بل حتى ضله ! أردد وأقول إن شاء الله الثالثه ستكون ثابته ويذهب إلى مزبلة التاريخ كصدام والقذافي ووو

    • زائر 3 زائر 2 | 10:57 م

      ..مزبلة التاريخ..

    • زائر 1 | 9:45 م

      رب ضارة نافعة فتكون هذه الحادثة موقظة للاتراك لما يحاك ضدهم
      الحمد لله على سلامة تركيا وسلامة اوردغان

    • زائر 14 زائر 1 | 12:51 ص

      لا عجب فالاخوان المفلسون يدعمون قادتهم في كل مكان.
      اهم شئ الولاء و الطاعة لمرشد الجماعة.

    • زائر 17 زائر 1 | 1:11 ص

      الله حفض تركيا لان الشعب كان مع الله وحبهم للوطن قبل كل شىء ، وايماننهم بالديمقراطيه الحقيقيه وليس الزائفه .

اقرأ ايضاً