العدد 5068 - الجمعة 22 يوليو 2016م الموافق 17 شوال 1437هـ

لا عنوان لمرحلة الضياع الحالية

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

هناك عناوين كثيرة، يمكن أن تختزل المرحلة الحالية التي يمرُّ بها العرب، كالانحطاط والاستبداد والتخلف، وهناك من يختزلها بكلمة الاستباحة. ولعل التسمية الأخيرة تستعرض بعض مظاهر الاستباحة في حياة العرب المعاصرة، دولاً وشعوباً وبلداناً، جماعات وأفراداً تتبدى الاستباحة في انتهاك كل ما هو مخالف للغريزة الإنسانية والطبيعة البشرية السوية، وما استقر في مسيرة البشرية المتحضرة من قيم وسلوكيات، وما جرى التعارف عليه من قواعد أخلاقية، وما أضحى مقبولا من قوانين وأعراف، لم تعد محلية أو وطنية فقط بل أضحت قيما وقواعد وقوانين عالمية.

وإذا كنا سننظر الى الاستباحة عند العرب في أوقات السلم، فلربما نرى سلماً قلقاً في استباحة الدولة للمجتمع، على الضد من إرادته، وبدلا من أن تكون الدولة نتاجا لإرادة الشعب، أضحت الدولة تقسر الشعب على ما تريد.

الشعب لا زال ينظر اليه كمجموعة من الرعايا الخاضعين وليس المواطنين الأحرار، ولذلك فالدولة هي التي تفرض القوانين وتفسرها، وتقيم الأجهزة التي تفرض هذه القوانين قسراً، وبالطبع فالقانون يطبق انتقائيًّا، فنادرًا ما يساءل الكبار أو تطبق عقوبات على أبناء النخبة.

لهذا فالتاريخ فد يشهد تغيير الدساتير بسرعة البرق، لكي تصمم على مقاسات متطلبات الدولة، وقد يصدر قانون الطوارئ لضبط الشعب حالما تلوح احتجاجات واسعة، ولذلك نرى ان المواد الدستورية والقانون المنظم يجرى تغييره، وتناط صلاحيات مطلقة أو استنسابية، بحيث تصبح المجالس التشريعية مجرد مجالس للدردشة، والاجهزة التنفيذة تسير كما لو انها خارج إطار المحاسبة المعنوية أو الفعلية، وتصبح الدائرة الضيقة مصدراً للقرار، وتتحول الهيئات إلى البصّم حسب الطلب.

الوجه الآخر هو استباحة حقوق المجموعات السكانية القومية والعرقية والدينية والجهوية، وطمس هوياتها، ولذلك يحرَّم على هذه المجموعات أحياناً التعبير عن ذاتها باعتماد لغتها مثلاً، أو استبعاد دين أو مذهب معين كمصدر يؤخذ بعين الاعتبار في التشريع واصدار الإجراءات، ويتم استبعاد أبناء هذه المجموعات من المناصب المهمة.

والحقيقة أن العرب من أكثر الأمم تمييزاً، مثلاً ضد السود والأقليات القومية، مثل الأكراد، الأمازيغ، وأتباع الديانات، والمذاهب، فالتكفير والإستئصال، والاستبعاد والتهميش سمات ملازمة عند الكثير من العرب تجاه الآخرين. وهذا لا يقتصر على الحقوق المذكورة فقط، بل تتعداها إلى استباحة مناطقهم، وتهجيرهم كما جرى للأكراد في العراق وسورية مثلاً، وكان طبيعيّاً لهذا المنطق، أن يذهب الى أقصاه في ظل سيطرة التنظيمات التكفيرية المتعصّبة وعنوانها «داعش»، إلى استباحة الأعراض والأموال والأراضي للأكراد والتركمان والايزيديين والمسيحيين أولا، ثم يتوسع ليشمل المسلمين المختلفين مع تفسير «داعش» وأخواتها للإسلام.

تتجلى الاستباحة في أن الدولة تعطي لنفسها الحق في مصادرة الأموال والعقارات والأراضي لمن ينازعها في سلطتها، أو حتى من يطالب بالتغيير السلمي، ويجرى ذلك أحيانا تحت شعار بسط سلطة الدولة، لكن الأغرب هو اعتباره أحياناً جزءا من الأحكام القضائية بحق المختلفين مع الدولة «وتصادر أملاكهم المنقولة وغير المنقولة» وتضم أحيانا أموال اقربائهم أو شركائهم. ويشمل ذلك المؤسسات والأحزاب والجمعيات والأفراد.

تعتبر الجنسية تجليا أساسيا لحق المواطنة، وإذا كان هناك من دور للدولة فهو تقنينها وضبطها بما لا يخل بمبدأ الحق بالنسبة إلى المواطنين الأصليين، لكن الدولة العربية عكست الموضوع فأضحت الجنسية حقا للدولة تحجبها وتمنحها، في سابقة لا مثيل لها في العالم. هذا على الرغم ان القانون الدولي لحقوق الإنسان يمنع حرمان الإنسان من جنسية بلاده التي ولد فيها أهله وأجداده، وحتى من اكتسب الجنسية لا يمكن اسقاط جنسيته لانه انتقد الحكومة أو أزعحها. فالحق في الجنسية هو حق أساسي تحميه المادة الخامسة عشر من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتي تنص على أنه لا يجوز حرمان أحد تعسفاً من جنسيته، كما أن أي حرمان من الجنسية يجب أن تتوافق مع المعايير الإجرائية والموضوعية بما في ذلك مبدأ التناسب. إضافة الى كل ذلك، فان اتفاقية الامم المتحدة بشأن خفض حالات انعدام الجنسية الصادرة في 1961 تحظر تحويل أي شخص الى «عديم الجنسية»، أو فقدان الجنسية المؤدي إلى انعدام الجنسية. وقد تحول العرف القاضي بعدم حرمان أي شخص من الجنسية، او تحويله الى فئة عديمي الجنسية، الى قاعدة من قواعد القانون الدولي. كما أن القانون الدولي والمعايير الدولية لحقوق الإنسان تحظر الترحيل التعسفي ونفي الأشخاص من بلدهم. ولكن كل هذه الأعراف والقوانين الدولية أصبحت لا قيمة لها في العديد من البلدان التي ترى من حقها أن تفعل ما تشاء.

اننا نشهد فترة مضطربة منذ العام 2011، وما يجري في المنطقة يختلف كثيراً عن ما جرى في حقب سابقة. ففي حقبة سابقة ، كالطفرة النفطية في 1973، تدفقت عوائد النفط الهائلة، وتوسعت النهضة العمرانية، ولكن توسع النهج الاقتصادي الطفيلي وخصوصاً العقاري، والدخول في شراكات مع البنوك الاستثمارية لإقامة مشاريع ومدن عقارية عملاقة. ومع تراجع الرقابة الأهلية والبرلمانية اتسعت تلك الدائرة لتشمل العديد من أصحاب الجاه وشركائهم من الشركات الكبرى وخصوصا شركات الاستيراد والتصدير والمقاولات وغيرها.

وتجلى ذلك في ظاهرة بروز طبقة المليونيرية؛ بل المليارديرية، مقابل تراجع الأداء الاقتصادي لمعظم الدول العربية (باستثناء دول الخليج) واتساع الفقر وانخفاض معدل دخل الفرد الحقيقي، وازدياد الديون السيادية والعجوزات في الميزان التجاري لغالبية الدول العربية، ومع انخفاض أسعار النفط القياسية وتوقع عدم ارتفاعها إلى ما كانت عليه لعقود، فإن النَّهب سيتفاقم بما يترتب على ذلك من تدهور اقتصادي ومعيشي واجتماعي.

هذه بعض أوجه مرحلة الضياع الحالية، وما يحدث لنُخبها لشعوبها وبلدانها وثرواتها وحرياتها وحقوقها. كل ذلك ساهم في خلق أرضية للعنف والخروج على الدولة (باسم الدين في كثير من الأحيان)، وولَّد ما نعانيه من حروب أهلية واضطرابات وتصدعات تنهك المنطقة وتدفعها نحو الانحدار الحضاري.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 5068 - الجمعة 22 يوليو 2016م الموافق 17 شوال 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 4:14 ص

      الكرسى والفلوس انساهم الله ويه المعامله ويه شعوبهم واستولو على خيرات البلدان وسلموها الى الكفار لتدمرنا والحين نحن عايشين هاده الدمار والسبب الكرسى الظالم المشتكى لله

    • زائر 3 | 3:06 ص

      من نشر الطائفية في وطننا العربي ..!

    • زائر 2 | 2:19 ص

      هل تدرج إيران ضمن العرب ؟

      وكذلك بشار وحكمه ؟ والحوثيين وزعامتهم ؟
      وماذا عن حزب الله وحكمه .... لسبادة الدولة/ الدول ؟
      وهل يدخل ضمن نفس التوصيف حكام بغداد أم أنَّ التوصيف إختياري و إنتقائي بما يخدم مصلحة فئه معينه في المجتمعات العربيه التي قصدتها ؟

    • زائر 1 | 1:50 ص

      عدم استقرار ... من الطعنات الزائده من هم يقول انا ...ويتباها ويخون مع اليهود والنصارا.

اقرأ ايضاً