العدد 5073 - الأربعاء 27 يوليو 2016م الموافق 22 شوال 1437هـ

وجوهنا... في مرآةٍ يابانية

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من المهم جداً أن تشاهد وجهك في المرآة، وخصوصاً إذا كانت مرآةً صافيةً ومحايدةً، لا تضيف إلى محاسنك رتوشاً مزيفة ولا تزيد من مساوئك.

في كتاب «العرب... وجهةُ نظرٍ يابانية»، للياباني نوبوأكي نوتوهارا، تشاهد وجهك ووجوه مجتمعك العربي، الممتد من المحيط إلى الخليج. وقد وُلد هذا الباحث العام 1940، وبدأ طالباً في قسم الدراسات العربية بجامعة طوكيو للدراسات الأجنبية، ثم عمل بها مدرساً للأدب العربي، لينتقل بعدها إلى القاهرة، ليكمل دراسته العربية، ويعيش وسط المجتمع المصري، في الدلتا والصعيد، لينخرط في قراءة الأدب العربي الحديث، ويترجم العديد من القصص والروايات إلى اليابانية.

الرجل القادم من إحدى الدول الصناعية المتقدمة جداً، يتكلّم بتواضع وإنصاف، فلا يشعرك أنه من شعب أعلى منك كما يحدث مع الغربيين، فهو يؤكد أنه مثلك من الشرق، ولشعبه سلبيات كما للعرب سلبيات، ولكنه يجري مقارناتٍ دقيقةً، تكتشف من خلالها الفارق الحضاري بين شعبٍ نهض من تحت أنقاض القنابل النووية، فقيراً، جائعاً، مذهولاً، لينطلق في أكبر ورشة بناءٍ للذات والبلد، وبين شعوبٍ عربية تعيش في الماضي، وتعود مجدّداً إلى مرحلة الجاهلية الأولى.

عاش صديقنا نوتوهارا في العواصم العربية والبوادي والأرياف أربعين عاماً، يتأمل ويكتب انطباعاته، ويقابل الكتاب والمثقفين العرب. وعاش مع الفلاحين في مصر، ومع البدو في بادية الشام، وهذه الرحلة الطويلة، وعلاقته الحميمة مع العرب، هي التي دفعته لكتابة «بعض الأفكار والانطباعات عن الشخصية العربية المعاصرة».

في أول زيارةٍ له العام 1974، حين خرج من الفندق إلى الشارع صاح: «إنها القاهرة! شعورٌ مركبٌ من المفاجأة والدهشة والاكتشاف والفرح». هل سيكتب عربيٌّ أجملَ من هذه الجملة الجميلة؟ لكنه، بعد عشر سنوات، ذبُلت رغبته في الخروج إلى الشارع، وحاول أن يقلّل مرات خروجه من الفندق، ليس بسبب الغبار والضجة وحرارة الشمس، بل لما كان يراه من توتر شديد يغطي المدينة كلها: «كأن شيئاً يطارد الناس. وجوهٌ جامدةٌ صامتة، حافلات مكتظةٌ تجري، وركّابٌ يتعلقون بالأبواب والشبابيك، كلٌّ يريد أن يركب بأي ثمن، وينسى الرجال والنساء السلوك المحتشم الذي يفرضه عليهم الإسلام. توترٌ شديدٌ يجعل الناس يتبادلون نظرات عدوانية ويزيد توتر المدينة أكثر». كان ذلك ما لاحظه قبل أربعين عاماً، فماذا سيكتب صديقنا الياباني لو اطلع اليوم على ما يطفح في مواقع التواصل الاجتماعي، من سباب وبذاءات وتكفير وطائفية تتقاذفها الشعوب العربية، بما هو أكثر عفونةً من مياه المجاري والمستنقعات؟

يقول نوتوهارا: كنت دائماً أسمع في التلفزيون والراديو وأقرأ في الصحف كلمات مثل: الديمقراطية، حقوق الإنسان، حرية المواطن، سيادة الشعب، وكنت أشعر وأنا أتابع استعمال تلك العبارات، أن الحكومة لا تعامل الناس بجديةٍ، بل تسخر منهم، وتضحك عليهم، فهل يستطيع المرء أن يتجاهل الصلة بين هذا الأسلوب الذي يستغبي الشعب والتوتر الذي يسيطر على جموع الناس في العاديين؟ ويفسر ذلك بقوله: «عندما يُعامل الشعبُ على نحوٍ سيئ، فإن الشعور بالاختناق والتوتر يصبحان سمةً عامةً للمجتمع بأكمله».

ويعترف صديقنا الياباني، بأن أول ما اكتشف في المجتمع العربي، هو «غياب العدالة الاجتماعية»، وهذا يعني غياب المبدأ الأساسي الذي يعتمد عليه الناس، مما يؤدي على الفوضى. ففي غياب العدالة الاجتماعية وسيادة القانون على الجميع بالتساوي، يكرّر المواطنون أن «كل شيء ممكن هنا»، وذلك لأن القانون لا يحمي الناس من الظلم. وفي لفتةٍ بارعةٍ يقول: «تحت ظروف غياب العدالة الاجتماعية، تتعرّض حقوق الإنسان للخطر، ويُعامَلُ الإنسان بلا تقديرٍ لقيمته كإنسان». ويستغرب لماذا يستعملون كلمة الديمقراطية كثيراً في المجتمع العربي! فظروف الواقع لا تسمح باستعمالها، لأن ما يجري عكسها تماماً: ظلمٌ وتمييزٌ ونفاقٌ وتلاعبٌ بالقانون.

هذه شذراتٌ من مقدمة هذا الكتاب القيم الثمين، أمّا في نهايته فأنقل الفقرة التالية لتكون مسك الختام: «أتمنى أن أمشي في الشوارع العربية فلا أرى التوتر الشديد الذي جرّبته وشاهدته. أتمنّى أن يختفي من الشارع العربي، وأن تصبح وجوه الناس سعيدةً. عندئذٍ أقدر أن أتحدّث عن مصر حقيقية، وسورية حقيقية، وغيرهما من البلدان العربية».

نشر صاحبُنا كتابه في نسخته الأولى في العام 2003، وكتب ما كتب، وباح بما باح، فماذا كان سيكتب عمّا جرى في بلداننا العربية، بعد العام 2011، وما تلاه من سحقٍ لآمال الشعوب العربية في استعادة الكرامة والحرية واحترام حقوق الإنسان؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 5073 - الأربعاء 27 يوليو 2016م الموافق 22 شوال 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 2:50 م

      ملاحظاته دقيقة وذكية. هذا هو واقع المجمعات العربيةفعلا. مجتمعات مسحوقة مهضومة الحقوق ويشغلونها بالصراعات الطائفية لاستمرار السيطرة عليها.

    • زائر 5 | 2:05 ص

      لأن ما يجري عكسها تماماً: ظلمٌ وتمييزٌ ونفاقٌ وتلاعبٌ بالقانون.

      ، بأن أول ما اكتشف في المجتمع العربي، هو «غياب العدالة الاجتماعية»، وهذا يعني غياب المبدأ الأساسي الذي يعتمد عليه الناس، مما يؤدي على الفوضى. ففي غياب العدالة الاجتماعية وسيادة القانون على الجميع بالتساوي ، وذلك لأن القانون لا يحمي الناس من الظلم. وفي لفتةٍ بارعةٍ يقول: «تحت ظروف غياب العدالة الاجتماعية، تتعرّض حقوق الإنسان للخطر، ويُعامَلُ الإنسان بلا تقديرٍ لقيمته كإنسان». ويستغرب لماذا يستعملون كلمة الديمقراطية كثيراً في المجتمع العربي! فظروف الواقع لا تسمح باستعمالها،

    • زائر 1 | 10:18 م

      الكاسر
      ويش في ايدنا سيدنا ما سويناة لكي تصبح قلوبنا واحدة ولكي ننظر لاخونا نظرة تسامح وعدم تكبر والله سيدنا عندما ادهب لأي وزارة واجد الموظف يتعالي على في الأسلوب يتعالي علي حتي في الابتسامة احزن كثيرا

اقرأ ايضاً