العدد 5083 - السبت 06 أغسطس 2016م الموافق 03 ذي القعدة 1437هـ

بين التناول الجدي لقضايانا الاقتصادية... والمؤتمرات «الشكلية»

أحمد صباح السلوم

رئيس جمعية البحرين لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة

أعتقد أن التناول الجدي مع قضايا الاقتصاد الوطني، وأخذ الأمور على مآخذ الجد والعمل الفعال الهادف، هو أسلم الطرق وأقصرها نحو تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية المستدامة في البحرين ورؤية 2030 الطموحة برعاية سمو ولي العهد والتي وضعتها جمعية البحرين لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة هدفا أساسيا لها وبرنامجا معتمدا لها منذ نشأتها قبل أعوام... ونحن عندما نتحدث عن تنمية قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في أي بلد في العالم فأنت تتحدث عن القاعدة الرئيسية للاقتصاد وعمود خيمته، ومبعث آماله، وسبب نهضته.

أما مناسبة الحديث وهذا المدخل، فإنه قد لفت انتباهي في الفترة الأخيرة كثرة الحديث عن تنظيم معارض ومؤتمرات تحت مسميات عدة وعناوين براقة وجاذبة كبيرة -وممكن أن تقولها كاذبة أيضا- لأن للأسف الشديد بعض الشركات في البحرين وخارج البحرين اتخذت من هذه المسألة «مهنة» في حد ذاتها ليس «أهدافها الحقيقية» ما هو معلن من تحقيق التطور أو تحسين القطاع، بقدر ما أصبح الأمر «بزنس» تقتات عليه بعض هذه الشركات من خلال الرعاة الذين تجذبهم اللافتات البراقة إياها، ويبدو أن الأمر آخذ في التطور، حتى بات هذا البعض يحترف هذا الأمر، ويزيد ويعيد دون أن يستفيد شخص أو تاجر أو رائد عمل واحد بأي ميزة واضحة أو لافتة... وهنا لابد من وقفة.

وبات السؤال الأهم من يحاسب هؤلاء المنظمين، ومن يراجع وراءهم ويقارن بين ما ادّعوا أنهم سينفذونه وبين ما يتحقق على أرض الواقع فعليا، وخاصة أن بعضهم بات يتستر وراء رعاية بعض الشخصيات والمسئولين الكبار في البلد؛ لمزيد من تسهيلات الحصول على الرعاية!

من الملاحظ أيضا أن القيادة الرشيدة تنبهوا لمثل هذا الأمر، فباتوا يستيقنون كثيرا قبل أن توضع أسماؤهم الكريمة فوق رعاية أي مؤتمر، إلا إذا كان مؤتمرا جديا له أهداف محددة وأجندة عمل قوية تساهم بالفعل في تحقيق الأهداف، وهذا الالتفات من جانب القيادة لمثل هذه الأمور هو أمر محمود بجميع المقاييس؛ لأن رعاية الكبار لا ينبغي أن تكون إلا لمن يستحقها.

نوعية المحاولات الرخيصة الهادفة لأرباح مادية في المقام الأول، والتي لا يستفيد منها أي تاجر صغير أو كبير، ربما أقل وأصغر مساوئها أنها تحبط همم المجدين والجادين والفاعلين والحريصين على خدمة القطاع، ليس لأنهم يريدون أرباحه ولكن لأنهم جزء منه ومكون من مكوناته الرئيسية.

قطاع المؤسسات الصغيرة يحتاج فعليا في البحرين إلى عمل كبير بعيد كل البعد عن كلمات الإنشاء التي تقال في مثل هذا المؤتمرات والخطب والأحاديث المكررة والمملة، يحتاج فعليا إلى خطوات جذرية لحل المشكلات التي تواجه تمويل القطاع وتنشيطه وتحريكه.

وليعلم المجتمع الاقتصادي البحريني كيف تتحرك الدول -وهنا ليس المقصود الحكومة فقط ولكن القطاع الخاص أيضا- لمساعدة مثل هذه المؤسسات ودفعها بقوة للأمام، أسرد إليه قصة المصرف الأميركي العريق Eastern Bank الذي يتخذ من بوسطن مقراً له، ففي سعي هذا البنك لتقليص مدة الإجراءات الخاصة بطلبات القروض، استثمر ملايين الدولارات خلال السنوات الأخيرة من أجل إنشاء نظام يمكن البنك من «أتمتة» معاملاته، وأصبح منذ أسابيع قلائل بإمكان عملاء البنك الذي يعود تاريخ إنشائه إلى 198 سنة، الحصول على قروض في مدة لا تتعدى 5 دقائق، بعد أن كان الأمر يتطلب في السابق من 3 إلى 4 أسابيع، يتم خلالها جمع معلومات كافية عن صاحب الطلب وتعبئة «درزن» من الاستمارات الورقية بالمعلومات المطلوبة عن العملاء.

وتهدف الخدمة الجديدة إلى استقطاب الكثير من المستثمرين الصغار الراغبين في الحصول على تمويل لمشاريعهم الصغيرة وترجمة أحلامهم الاستثمارية على أرض الواقع بعيداً عن كابوس الإجراءات واحتمالات الرفض... ولا شك في أن الدهاء التكنولوجي الذي ينبض بالمنافسة داخل «سيليكون فالي» قد لعب دوراً محورياً في دفع البنوك نحو نزع آليات نظام القروض البالية لديها، والتحول إلى أساليب مبتكرة تزيد من نسبة الرضا لدى العملاء، وخاصة أصحاب المشاريع منهم الذين تشكل الإجراءات المعقدة وطول المدة التي تستغرقها عائقاً في سعيهم لإيجاد التمويل المطلوب.

تقول صحيفة «وول ستريت» التي نقلت الخبر إن هذه الميزة المغرية بالطبع ليست متاحة للجميع في الفترة الراهنة، لكنها تقتصر على مجموعة من العملاء من أصحاب السجلات المتوفرة في أرشيف البنك نتيجة تعاملات سابقة مصرفية سابقة، مما يعزز عامل الأمان ويقلل مخاطر وصول أموال البنك إلى الأيادي غير المؤتمنة.

وهذا بالطبع مطلوب حرصا على أموال البنوك، ومنعا لعشاق تحصيل الأموال وإنفاقها في غير مقاصدها وما أكثرهم لدينا!

وقد يحتمل الأمر من وجهة نظري بعض المبالغة في القول بأن العميل سيتحصل على قرض خلال 5 دقائق، غير أن خطوة Eastern Bank تبث في ذاتها رسالة تنافسية «مهمة جدا»، مفادها أن البنك يولي قيمة لوقت عملائه، وأنه لن يتوانى عن دعمهم بأي سبيل، وأنه ينفق ويتكلف المليارات في سبيل ذلك، حتى إن الأمر بات يقلق بنوكاً أميركية كبرى، مخافة خسارة عملائهم لصالح «المقرضين خارقي السرعة»، الذين قد يبتلعون حصة كبيرة من سوق الإقراض الأميركية، أمام أنظار بقية منافسيهم السائرين على وقع الإيقاع التقليدي.

وسارع بنك «J.P. Morgan Chase & Co» أخيراً إلى اتفاق مع موقع متخصص في الإقراض عبر الإنترنت يتم بموجبه تزويد طالبي القروض الصغيرة بالموافقات خلال دقائق، بل وصرف قيمة التمويل المطلوب في اليوم نفسه أو اليوم الذي يليه... كما دخل Bank of America المنافسة وإن كانت الوتيرة أبطأ بكثير، حيث شرع في تقليص مدة إجراءاته عبر خط ائتماني أكثر انسيابية، يتيح منح قروض خلال أسبوعين فقط بدلاً من 3.

وخلاصة القول ان هذه البنوك باتت لا تقرض فقط، ولكنهم يتنافسون على السرعة والتسهيلات التي يقدمها كل بنك لجذب المزيد من العملاء... والعبرة هنا بالجدية في التعامل مع الوضع دون تعقيدات أو «فلسفة زائدة»، لننظر كيف يتم تحديد المشكلات وتشخيصها بعمق، ووضع حلول جدية لها في أسرع وقت ممكن.

فمتى نكف عن تنظيم المؤتمرات والمعارض الوهمية الفائدة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ونلتفت إلى وضع حلول جذرية لمشكلات الشركات في البحرين؟

إقرأ أيضا لـ "أحمد صباح السلوم"

العدد 5083 - السبت 06 أغسطس 2016م الموافق 03 ذي القعدة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً