العدد 5107 - الثلثاء 30 أغسطس 2016م الموافق 27 ذي القعدة 1437هـ

المعنويات والمزاج

نبيل حسن تمام comments [at] alwasatnews.com

طبيب بحريني

تعرف موسوعة «ويكيبيديا» المزاج بجميع الجوانب من شخصية الفرد، مثل الإنطواء أو الإنفتاح، الذي يوجد لدى الإنسان بالفطرة ولا يتعلمها. ويتم تحديد المزاج من خلال ملامح سلوكية محددة في الإنسان، ويمكن قياسها بسهولة في مرحلة الطفولة حيث تتضمن الانفعال والنشاط والتبسم والاقتراب والإنطوائية.

إن الحالة المزاجية للطفل تقوم على أسس وراثية وبيولوجية، حيث تشير الحالة المزاجية إما نحو السلوك السعيد أو السلوك الحزين، وجميع الأطفال لديهم مجموعة متنوعة وخليط من العواطف وردود الفعل، مثل البهجة والإضطراب والسعادة والحزن، وكل طفل يختلف عن الآخر في نظرته التي قد تكون إيجابية أو سلبية.

تعني كلمة «المزاج» في معجم الكامل الجامع، بالرجل مزاج أي مخلط كذاب لا يثبت على خلق، أي ذو أخلاق متقلبة. وفي معنى آخر هو ما جبلت عليه النفس من أحوال وطبائع، أي هذا لا يوافق مزاجه، أو لطيف المزاج، أو عصبي المزاج، أو كان ذَا مزاج حاد. والمزاج الدوري هو الإضطراب العاطفي المتميّز بفترات متعاقبة من الإبتهاج والإكتئاب.

هناك مصطلحٌ جرى التعارف عليه وهو «تعكًر المزاج»، وهو عبارة عن انفعالٍ أو إحساس، والذي هو جزء من العواطف والأحاسيس لدى الإنسان حيث يشعر به غالبية البشر في فترات من حياتهم، وهو يعتبر في حد ذاته جزءًا من الحياة الروتينية يترافق مع بعض الأزمات أو التجارب الحياتية الصعبة، كفقد أحد أفراد العائلة، أو اضطراب النوم، أو وجود بعض الأمراض المزمنة أو الخطيرة أو النفسانية، أو وجود الألم العضوي أو النفسي، أو التغيرات الهرمونية التي عادةً ما تحدث مع الدورة الشهرية أو في سن اليأس.

إن تعكّر المزاج أو انخفاض المعنويات يأتي بعدة طرق تختلف من شخص لآخر، منها الحزن، القلق، الخوف، الهلع، التعب غير المبرر، التقليل من حب الذات، الإحباط أو الغضب. وقد يكون المزاج والمعنويات متأرجحاً في ما بين الشعور بالسعادة والمرح في لحظة ما، حيث تنقلب إلى بؤس وتعاسة وحزن وغضب في لحظة أخرى، وهذا يحدث غالباً مع توافر الضغوط الحياتية اليومية التي لا تستطيع طاقة بعض البشر تحمّلها. وفي الأعم الأغلب يتغيّر تعكّر المزاج وترتفع المعنويات بعد عدة ساعات أو أيام معدودات، وذلك مع حدوث تغيّر ولو بسيط في روتين الحياة اليومي، أو مع وجود حل للمعضلة الأساسية، أو مع توفر قليل من الراحة والنوم المريح، أو مع سماع أخبار مفرحة سارة.

كل ما سبق هو في حدود المنطقي والروتيني، الذي قد يحدث لأغلب البشر، ولكن وجب الحذر والتفرقة بين تعكّر المزاج أو انخفاض المعنويات وما بين الاضطرابات النفسية والسيكولوجية الحادة التي تتطلب الاستشارة لدى الطبيب المختص، أو التحدث مع بعض الأصدقاء المقرّبين، أو أحد أفراد العائلة من أجل طلب المساعدة والمساندة. ومن الضروري التعرف على ذلك بوجود بعض الإشارات مثل وجود تعكّر المزاج أو انخفاض المعنويات لفترة تطول على أسبوعين، أو عدم المقدرة على العيش بالحالة الطبيعية الروتينية، أو الشعور باليأس، أو عدم التركيز، أو فقد الشهية، أو اضطراب النوم، أو التفكير بالإنتحار. وكل تلك الأفكار السلبية هي للإنتباه ولرفع الوعي بها والتنبّه لها من أجل التفرقة بين تعكّر المزاج الروتيني وبين أعراض ومقدمات لأمراض الذهان النفسي العديدة التي تحتاج حتماً إلى التشخيص المبكر والتدخل العلاجي الطبي والتعليمي والسلوكي المبكر.

يهدف هذا المقال البسيط إلى الإنتباه لمثل تلك الأمور التي تحدث يومياً ولمزيد من الوعي بها، ولذا ننصح بإجراء بعض التغيرات الطفيفة عملياً ولكنها مهمة جداً في تأثيراتها، أهمها على الإطلاق هو تغيير نمط الحياة الروتيني. ومثالاً على ذلك محاولة طرد الأفكار السلبية التي تبث الضيق والسأم بالنفس، ومحاولة إقناع نفسك بأنها أفكارٌ سلبيةٌ يجب التخلص منها، والعمل على ترديد الأفكار الإيجابية والتكلم مع العقل بشكل إيجابي، وممارسة الرياضة بشكل منتظم لأنها تساعد على إفراز مادة الإندورفين التي تساعد على تحسين تعكّر المزاج، وتنظيم أخذ الإجازات القصيرة من العمل من أجل الاستجمام والإسترخاء والإبتعاد عن توتر العمل. ومحاولة الاختلاط بالناس وخاصة الأهل والأصدقاء المقربين والإيجابيين منهم بالخصوص، وعدم اللجوء للعزلة، والإبتعاد عن أصدقاء السوء السلبيين، وعدم اللجوء لبعض العادات السيئة والمحرّمة كالإفراط في التدخين أو شرب الكحول، واستخدام تقنية التنفيس بالكلام سواءً للموثوق بهم أو للمعالج النفساني الخاص بك الذي قد يكون على عدة جلسات. وتمنياتنا للجميع بصحة نفسية أولاً وصحة بدنية ثانياً.

إقرأ أيضا لـ "نبيل حسن تمام"

العدد 5107 - الثلثاء 30 أغسطس 2016م الموافق 27 ذي القعدة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 6:12 ص

      بارك الله دكتور ، الله يعطيك الصحة والعافية
      مع تحياتي الحارة ، ابو فاطمة .

    • زائر 1 | 2:55 ص

      نبيل أنت يا نبيل

      من وجهة نظري أن الأمراض النفسية أو بشكل أدق الاضطرابات النفسية سببها طبيعة الحياة المادية والسريعة والمشوشة.. والعلاج يكون فيه شق ثقافي مثل ما عمل طبيب النفس المشهور إيرش فروم من خلال التأمل وتنقية الذهن والسيطرة على الذات والإرتباط بمتلازمة الحياة ...

اقرأ ايضاً