العدد 5114 - الثلثاء 06 سبتمبر 2016م الموافق 04 ذي الحجة 1437هـ

«ديلما روسيف»... غلطة الشاطر

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

بعد معركة متدحرجة أدّت إلى شل أقوى قوة اقتصادية وسياسية في أميركا اللاتينية وثامن أضخم اقتصاد في العالم، جاءت نتائج تصويت مجلس الشيوخ نهاية الشهر الماضي لصالح إقالة أول رئيسة للجمهورية البرازيلية،ديلما روسيف، من منصبها بأغلبية قانونية (61) من أصل (81) صوتاً، ولتضع حداً لولايتها الرئاسية المفترض استكمالها بداية 2019. وصوّت المجلس بالمقابل على عدم حرمانها من حقوقها المدنية، بمعنى السماح لها بتولي مناصب حكومية.

يتوقع المراقبون ارتفاع حدة الاضطراب خصوصاً والبلاد تشهد خلافات سياسية عميقة بين أحزاب اليمين واليسار، وتدهور في العلاقات العرقية، كما تطفو على سطحه أزمة اقتصادية يتصدرها عجز بـ46.8 مليار دولار، وبطالة 11.8 مليون برازيلي، وتراجع في معدلات النمو وتضاؤل قيمة الريال البرازيلي، وارتفاع معدل الإنفاق الاجتماعي وأكلاف الاستثمار في البنية التحتية لاستضافة دورة كأس العالم 2014 والدورة الأولمبية 2016.

لا شك أن ما جرى يثير تساؤلات إشكالية كثيرة حول مدى قانونية إجراء الإقالة، لاسيما وثمة آراء متباينة تتعلق بأداء الرئيسة التي أثبتت مدى قوتها وجدارتها كما تفيد سيرتها الذاتية؛ فمن هي ديلما؟ ولماذا وكيف اتهمت بالفساد وهي التي خاطبت الجماهير قائلة: «لا يمكننا الاستراحة بينما هناك برازيليون جوعى، وعائلات تعيش في الشوارع وأطفال فقراء تُركوا لمصائرهم»، ماذا عن تداعيات إقالتها في الداخل والخارج؟

روسيف الحديدية

ديلما روسيف (68 عاماً)، مناضلة من الطبقة الوسطى، مارست نشاطها السياسي منذ الستينيات وهي طالبة في صفوف أقصى اليسار المسلح، ضد قمع واستبداد الحكم الدكتاتوري العسكري (1964 – 1985)، وعلى رغم نفيها التورط بأعمال العنف والنشاطات المسلحة، إلا إنها اعتقلت عام 1970 لثلاث سنوات، تعرّضت خلالها للتعذيب قبل إطلاق سراحها عام 1972. بعدها درست الاقتصاد وساهمت بإعادة تأسيس الحزب الديمقراطي العمالي «اليساري الشعبوي» 1980، والتحقت عام 1986 بحزب العمال اليساري الذي رشحها في 2010 لتمثله في السلطة التي تولاها مدة 13 عاماً، وقبلها عينت وزيرةً للمناجم والطاقة، وكلفت بتشكيل الحكومة بعد فضيحة فساد كبرى في 2005.

المرأة الحديدية اكتسبت شعبية كبيرة بلغت 77 في المئة من أصوات الناخبين في ولايتها الأولى التي خاضتها لأول مرة، كما ترأست مجلس إدارة شركة النفط العملاقة «بتروبراس»، بيد أنها واجهت تحديات احتجاج الشارع على رفع أسعار تذاكر النقل العام وعلى الفساد وسوء الخدمات في 2013؛ فقد تظاهر نحو 800 ألف في الشوارع على الرغم من تعهدها بإجراء إصلاح سياسي واقتصادي ومكافحة الفساد والاستثمار في التنمية الاجتماعية.

مساءلة وإقالة

على مدى 14 ساعة، وجّه البرلمان لروسيف سيلاً من الأسئلة والاتهامات التي صوّت على إثرها 367 نائباً لصالح إقالتها، فيما صوت 137 نائباً ضد الإقالة، معتبرين قرار الأغلبية «انقلاباً غير دستوري على الرئيسة المنتخبة شرعياً وقانونياً». وجاءت الاتهامات تحت مسمى «جريمة مسئولية»، أما أبرز أسباب الإقالة، تبعاً لـ»الجارديان» البريطانية و»لونوفيل أوبسيرفاتور» الفرنسية، فتشير إلى تضاءل شعبيتها منذ انتخابات الإعادة 2014 التي أفرزت فارقاً ضئيلاً بينها وبين منافسها (56 مقابل 44 في المئة). والأهم من هذا وذاك، ما عُرف بفضيحة «بتروبراس» أو «لافا جاتو»، حيث كشفت تحقيقات 2014 عن وجود شبكة اختلاس واسعة تتمثل في وجود نظامٍ سارٍ من الرشاوى المدفوعة من شركات رئيسية في قطاع البناء والتشييد لمسئولين في «بتروبراس»، مقابل عقود مربحة، بعضها دفع لمسئولين في حزب «العمال» الذي تتزعمه ديلما، كما دفع لحلفائها من نواب وأحزاب وبعض المعارضين. وكذا أثبتت تحقيقات 2015 مع خمسين سياسياً عن تورط الكثير من السياسيين المقربين منها، على رأسهم الرئيس السابق لولا دا سيلفا وزوجته المتهمة بتلقى 750 ألف دولار، من إحدى شركات الإنشاء. وعلى رغم عدم ذكر ديلما مباشرةً، إلا أن الرأي العام يحملها المسؤولية كونها رئيسة شركة «بتروبراس».

في هذا الصدد يفيد برلماني بـ«أنها على اطلاع مباشر واستفادت من الأموال لتمويل حملتها»، وكل الفضائح التي أمرت النيابة إثرها بتجميد تعاقدات الشركة والمورّدين؛ قد أسفرت عن فقدان 276 ألف موظف في «بتروبراس» لأعمالهم، فيما أعلنت شركات صغيرة تعتمد عليها عن إفلاسها، وماذا أيضاً؟

أيضاً اتهمت ديلما بخرق قوانين الموازنة والتلاعب فيها بصورة غير مشروعة لإخفاء العجز الفعلي في ميزانية الدولة، بنقل الأموال بين موازنتين مما يعد إجراءً غير قانوني، ويجعل الاقتصاد يبدو أكثر قوةً، فضلاً عن إصدارها مراسيم اقتراض لسد عجز النفقات العامة كـ»برنامج الرعاية الاجتماعية» التي لم يقرها البرلمان، ورفع ميزانية المصروفات إلى 16 مليار دولار أميركي، بواقع 78 في المئة زيادة في مرتبات أعضاء الهيئات القضائية والمتقاعدين، وزيادة الضرائب حسب نصيحة «ستاندرد أند بورز»، ما أدى إلى تراجع الاقتصاد وعدم استقراره، فضلاً عن انسحاب نائبها ميشال تامر وحزبه من الحكومة أواخر مارس/ آذار الماضي، الأمر الذي ساعد على إقالتها وجعلها تصفه «بالخائن، والمتآمر، والإنقلابي».

صمود وتحدٍ

بالطبع الرئيسة لم تلتزم الصمت، وقالت بأن «الاتهامات مفبركة»، وإنها «لم ترتكب أي جريمة تبرر اختزال مدة حكمها»، وعزت الاتهامات إلى دوافع سياسية، واصفةً الحدث بالانقلاب ضد الدستور وعلى الحكم الديمقراطي والحكومة المنتخبة، ورأت أن قرار مجلس الشيوخ جاء ممنهجاً، وبسبب سماحها إجراء تحقيق موسع للفساد الذي يضطلع به مسئولون بارزون.

وأكدت ديلما عدم استدانتها من المصارف، وإن ما حدث مجرد تحويل الأموال من بنوك الدولة إلى خزانة الدولة، وأنه ليس لديها حسابات مصرفية بالخارج، في إشارةٍ لرئيس مجلس الشيوخ المتهم بالفساد. وشدّدت على أن ما يجري هو لتفكيك قوانين العمل الحالية وتقليل حقوق العمال وإضعاف برامج الرعاية الاجتماعية وخفض معونات الفقراء، إلا أنها وعدت بمعارضة شرسة للحكومة الانقلابية الجديدة، وطعنت في قرار عزلها أمام المحكمة العليا. وماذا عن تداعيات الأزمة؟

التداعيات تنذر بأزمة إقليمية عكسها توتر العلاقات مع دول الجوار التي تحكمها أحزاب يسارية كفنزويلا والإكوادور وبوليفيا، حيث استدعت هذه الدول سفراءها من البرازيل احتجاجاً على ما وصفوه بالإنقلاب الناعم على الشرعية، الأمر الذي يثير السؤال لما تتجه إليه البرازيل؟

البعض يبدي تفاؤلاً بأن استمرار التحقيق في الفساد قد يقود إلى تطهير البلاد منه والتوجه للعدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة والتكامل الاقتصادي، بيد أن تجارب الدول من أسفٍ أثبتت النقيض، حيث التدخلات الأجنبية عبر العولمة ومأسسة الفساد وتخريب المجتمعات بإثارة الحروب الإثنية والعرقية والمذهبية، واختراقها عبر الفاسدين والمتنفذين ممن لا شاغل لهم سوى نهب المال العام ومضاعفة أرباحهم وتكديسها على حساب الفقراء والذمم. الوضع لا يبشر بالخير، لاسيما بعد تولي اليميني المحافظ ميشال تامر الرئاسة مؤقتاً، وهو الذي لم تتجاوز شعبيته 31%، وشرعيته محط تساؤلات دستورية بسبب اتهامه في قضايا فساد، إضافةً إلى مواجهة قرابة نصف نواب البرلمان لتهم وتحقيقات في الفساد.

خلاصة القول إنها غلطة الشاطر؛ فالمعطيات بيّنت أن لا دليل على تورط ديلما روسيف في تهم الفساد، لاسيما وأن أعداءها أقرّوا بأنها من السياسيين القلة الذين لا يقبلون الرشى، بيد أن الرأي العام كان يتوقع منها الدراية بكل صغيرة وكبيرة، فقد كانت وزيرة طاقة ورئيسة لشركة «بتروبراس» في ذروة الفساد، وسواءً استفادت أم لا، فقد كانت تديرها ولم تمنع الفساد حسب أحدهم. أما المتحمسون إليها فقالوا: «ذنبها لأنها انحازت للفقراء وناصرت قضايا الشعوب واحتجت على جرائم الحرب الاسرائيلية في فلسطين، ورفضت الرضوخ للهيمنة والمحافظة على استقلال اقتصادها عن سيطرة الشركات الأميركية». ونقول: نعم ذلك سليم، لكن البطانة الفاسدة حولها كانت تتكاثر، ومن الشجاعة نقد الذات على إفساح المجال أمامهم بقصدٍ أو دونه، للتكاثر والانتشار كالوباء.

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 5114 - الثلثاء 06 سبتمبر 2016م الموافق 04 ذي الحجة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 1:40 ص

      يتبع: واعتقد ان اكثر من صوت ضدها تم حصوله علي مبلغ كبير من امريكا او من تابيعيها

    • زائر 1 | 1:38 ص

      الاستاذة الفاضلة مني تحية لكي ومقالك. الا تعتقدين انة له علاقة بعدم رضا الولايات المتحدة الامريكية عنها بسبب مواقفها الصريحة والواضحة والشفافة وخاصة باتجاه قضية الامة الاولي فلسطين خاصة حين القت خطابها الجريء ضد الكيان الصهيوني ؟

اقرأ ايضاً