العدد 5125 - السبت 17 سبتمبر 2016م الموافق 15 ذي الحجة 1437هـ

ما بين سياسة «كسر الأبواب» ومصيبة «ندري اش تبي»

أحمد صباح السلوم

رئيس جمعية البحرين لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة

بمنتهى المصداقية مع النفس، أنا مضطر اضطرارا للمقارنة، لا أستطيع حتى أن أمنع نفسي من التفكير في الأمر، وخيالات وذكريات ما يفعله بنا موظفو الحكومة في البحرين ماثل أمامي لا يتحرك قيد أنملة، وللأسف الذكريات كلها مؤلمة وتنصب في اتجاه واحد؛ «التضييق ثم التعقيد ثم التطفيش».

بداية اقرأوا معي هذه الفقرة «مررت بدائرة حكومية بشكل مفاجئ، فتعجبت من كثرة المديرين خلف الأبواب المغلقة، فأمرت بنجار في اليوم نفسه لخلعها جميعها»... هذه كانت تدوينة سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي عندما زار إحدى الدوائر الحكومية والتي قلبت مواقع التواصل الاجتماعي في الخليج كله رأسا على عقب، وبحسب فيديو انتشر عبر مواقع التواصل يقول محمد بن راشد أنه أمر بإزالة العوازل الزجاجية بين المواطنين والمسئولين، وأكثر من ذلك أنه وجد خلال زياراته أن بعض المديرين والقيادات يقفلون الأبواب الخشبية ويتربعون خلف مكاتبهم ولهذه الغاية أمر بخلعها!

لم ينته الجدل بعد بشأن زيارة حاكم دبي المفاجئة للدوائر الحكومية، فهي ليست خطوة يتيمة، لا، بل تأتي في سياق خطة إصلاحات طويلة ستشهدها دبي... كانت بدايتها طلب هذا الرجل الفطن صاحب الرؤية البعيدة من جميع الوزراء والمسئولين كل في اختصاصه إزالة أبواب المديرين؛ كي لا تكون مغلقة بوجه المواطنين طالبي تخليص المعاملات.

سياسة محمد بن راشد التي تجمع بين الحزم والحسم والحرص على مصلحة بلده تنعكس بشكل تلقائي على الجميع، ومن لا يتبع الأسلوب نفسه حبا وتأثرا بالرجل، يتبعه خوفا من عقابه الحاسم الذي لا يتهاود ولا يتهاون مع مخطئ أو مقصر.

أما في البحرين فسأضرب لكم مثلين فقط لبيان حجم الفجوة بين السلوك هنا وهناك، وحجم المرارة التي نشعر بها نحن كمواطنين من أداء بعض دوائر الحكومة لدينا للأسف، بالطبع الحديث عن الأبواب المغلقة وأنك لا تعرف أن تكلم موظفا صغيرا ناهيك عن مسئول كبير أو وزير، هذا ليس بجديد على الإطلاق ومعروف للجميع، وربما يعلم الجميع أن الباب الوحيد المفتوح هو باب القيادة الرشيدة الذين ربما الوصول إليهم أسهل من الوزراء ووكلاء الوزارات وأحيانا بعض رؤساء الأقسام!

كما أن الحديث عن عشرات الأبواب المغلقة فهذا أيضا ليس بجديد، لكن الجديد والذي يؤكد المزيد في الإمعان في هذا الاتجاه هو ما أقدمت عليه إحدى الجهات الحكومية حديثا، فالطبيعي أنك تدخل البناية ثم تصعد لمقابلة الموظفين كل بحسب الطابق والإدارة التي يعمل بها، لكن هذه الوزارات والهيئات التي من المفترض أنها تخدم المواطن والمقيم والتاجر والمستثمر جعلت استخدام المصاعد ببصمة اليد!

من لديه موعد مسبق ومحدد يستطيع الصعود من خلال إرسال أحد موظفي الأمن أو الاستقبال لمرافقته، أما غير ذلك فلا يستطيع الصعود للموظفين من الأساس!

والرسالة هنا في قمة الوضوح رجل يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي وكافة أساليب التكنولوجيا المتاحة للتواصل مع الناس وكسر القيود وفتح الأبواب، ومسئولون وموظفون يبتكرون ابتكارا للتضييق ويتفننون في استخدام التكنولوجيا أيضا ولكن في الاتجاه العكسي تماما، لوضع المزيد من القيود والمنع والانغلاق والتضييق والتعقيد وقل ما شئت أن تقول، وبدل الباب يكون هناك باب ومصعد وموظفو أمن! وهؤلاء قد زاد عددهم بشكل واضح داخل أروقة الجهاز الإداري، فهم على كل باب طابق وفي كل مدخل وفي كل مخرج، وهو أمر ملاحظ أيضا بشدة.

المشهد الثاني هو سياسة «ندري اش تبي» وهي سياسة عبقرية لا يوجد أي مثيل لها في العالم، وهذه الجملة تقال دائما عندما تطلب لقاء مسئول في البحرين -من أمثال الذين كسر محمد بن راشد أبوابهم في دبي- فيقول لك المسئول أو مدير مكتبه أو سكرتيرته أو أي شخص من أتباعه وحاشيته الكثر مبتسما ابتسامة عجيبة «ندري اش تبي»، وهي مقولة معناها الضمني أنك لن تقابل هذا المسئول أبدا ولو وقفت على أذنيك، لأنه عارف ماذا تريد ولماذا أتيت من قبل أن تأتي؟!

فالطبيعي أنه لن يقابلك لأن هذا سيكون تكرارا لما هو معلوم! الرجل وحاشيته ضربوا الودع وقرأوا كف المتعامل قبل أن يقابلوه وعلموا ماذا يريد بالضبط قبل أن يبوح به! ألم أقل لكم إنها سياسة لا يوجد لها مثيل في العالم!

ولو آمنا جدلا أن هذا المسئول يدري، وأن حاشيته جميعا يدرون، وما يدور في عقل المواطن أو المستثمر ينتقل إليهم عبر طرق خاصة لا يعلمها إلا الله، فهل يقومون بعمل أي شيء مفيد تجاه هذا الشخص؟ لا بالطبع تمر أسابيع وشهور والذين «يدرون اش تبي» لا يدرون أصلا رأسهم من رجلهم، ولا يتحركون في قضاء مصالح الناس قيد أنملة.

سمو رئيس الوزراء الأمير خليفة بن سلمان -حفظه الله- له باع طويل وتاريخ لا ينكره إلا جاحد في العمل السياسي والاقتصادي والإداري والتنظيمي، وهو رجل صاحب رؤية سبّاقة، وكانت في سبعينات القرن الماضي، ومثلما ذكر أحد المصرفيين البارزين في البحرين في حديث نشر مؤخرا بإحدى الصحف، أن البحرين لو سارت على رؤى «خليفة بن سلمان» منذ ذلك الزمن لأصبح لها شأن آخر، ولكانت العاصمة المالية الأولى وربما الوحيدة في الخليج، وقال إن السبب يكمن في أن مستوى التنفيذيين من تحت هذا الرجل لا يرقون لمستواه ولا لنشاطه إلا القليل منهم.

وفي الواقع ان الجهاز الإداري للدولة يحتاج إلى «فورة تصحيحية كبيرة»، هناك فجوة كبيرة بالفعل بين سمو رئيس الوزراء فكرا وتطبيقا وما دونه من مسئولين، فالرجل بكل تاريخه ينزل ويتابع المشروعات ويفتتح المعارض والمؤتمرات ويحاضر ويشارك ويطمئن على الناس بنفسه ويسأل عن أحوالهم أيضا، لكن هل من المطلوب أن يكون خليفة بن سلمان أمام كل باب وعلى رأس كل موظف حتى ينصلح حال البلد؟! لماذا لا تنفذ تعليماته بدقة ومهنية واحتراف؟ هل لأنه صاحب قلب طيب لا يفصل ولا يوقع العقوبات؟ هل لأن الوزراء غير مبالين وقلة منهم فقط هي التي تركز في متاعب الناس ومتطلباتها؟

نحن نريد دراسة أو بحثا يبين لنا أسباب المعاناة التي يلقاها الناس مع صغار موظفي الحكومة على وجه الخصوص.

إقرأ أيضا لـ "أحمد صباح السلوم"

العدد 5125 - السبت 17 سبتمبر 2016م الموافق 15 ذي الحجة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 3:58 ص

      صح لسانك.. يقولون ما لا يفعلون.. في الجرايد ووسائل الاعلام يصرحون انهم ينتهجون سياسة الباب المفتوح وفي الحقيقة كما ذكرت بالضبط

    • زائر 1 | 10:32 م

      صباح الخير استاذ احمد لكن خلاص طاح الفأس في الراس خلاص يعني

اقرأ ايضاً