العدد 5160 - السبت 22 أكتوبر 2016م الموافق 21 محرم 1438هـ

العمر الضائع الذي لا يُحتسب... ولا يُعطى حق قدره!

سهيلة آل صفر suhyla.alsafar [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

أرى أثناء تجوالي في الأسواق هنا وهناك وأثناء سفري للخارج، كبار السن يتجولون لتمضية الوقت وللشراء في الأسواق، وفي أوقاتٍ من المفروض أن يكون هؤلاء في أعمالهم، وهم يجرجرون عرباتهم مع وجوهٍ حزينة ملؤها الاكتئاب، كما أراهم جلوساً في المقاهي بالوجوم نفسه، ومع النقال الذي غالباً يكون هو المُسلي الوحيد في وحدتهم.

هؤلاء... أود تسميتهم بـ «الشباب الكبار» المتقاعدين، لأنهم مازالت علامات الشيخوخة بعيدةً عن تقاسيمهم، ويبدون بصحةٍ متعافية، وقد فُرضت كلمة المتقاعدين عنوةً لسنوات العمر.

إن كلمة التقاعد لم تظهر للوجود إلا بعد انتهاء الحروب العالمية، ومن أجل تشغيل الشباب العائدين، فقاموا بسَن هذا النظام لفسح المجال للعمل لهم، فأُحيل الكبار للتقاعد من أجل حل مشكلة البطالة عند الشباب، ومن هنا طُردوا من وظائفهم وهم في عز عطائهم، وقد أصبحت التقاليع أيامنا بأن يَنضم الشباب للتقاعد وقبل سن الخمسين، وقد يفرحون بها بدايةً لزيادة ساعات النوم صباحاً والسهر والنزهات؛ ولكنهم يملونها مع الوقت، ويسحبهم الفراغ إلى القاع بسبب العُزلة عن إقران العمل والملل من المحاولة للهروب، ومن الوقت الثقيل، وتخيلوا وجود «أربعين أو خمسين ساعة» في الأسبوع دونما عمل شيء؟!

يعني إذا ما احتسبنا التقدم الطبي، والسيطرة على الأمراض بات الفرد يعيش ما يزيد على 85 عاماً وبصحةٍ جيدة، وأعود للمقدمة لأزيد بأنه تشير الدراسات إلى أن الذين كانوا يُحبون أعمالهم التي مارسوها قبل التقاعد، ثم استمروا في أدائها لاحقاً أو بـ «part time» أو تمكنوا من تنظيم ساعاتهم بالأعمال المتنوعة من تطوعية أو الالتحاق بدوراتٍ لتعلم أشياء جديدة هم الأكثر سعادة وفرحاً، وقِلة ممن يعانون أمراض الشيخوخة! أما الذين لم يستمتعوا بأعمالهم سابقاً أو يكَّونوا اهتماماتٍ كأقرانهم تبدأ حالتهم بالتدهور بعد عامين من التقاعد وربما الموت الفجائي!

ويبدأ العقل بالشكوى من خموله وعزلته ويشتكي، والجسد مما يؤدي إلى تخبط الخلايا الحية مع بعضها بعضاً، وتُمرض الأعضاء وتكتئب النفس، فإذا ما احتسبنا أن الإنسان يعيش ما بين ثمانين أو خمسة وثمانين عاماً، ولنخصم منها سنوات الطفولة والمراهقة اللازمة للنمو وتكون بـ 18 عاماً، وليتقاعد بدايةً من الخمسين أو الستين أحياناً، فما الذي يتبقى، وبعمليه افتراضيه بسيطة بدايةً بسن الستين 60 – 18 = 42، وإذا خصمنا 80 من العمر لتبقى لدينا 80 – 42 = 38 عاماً، تُرينا تلك المعادلة أننا نعيش نصف أعمارنا ونحن كبار، ومع ذلك يبدو أن دولنا مازالت غافية وغافلة عن هذه الفئة التي قد تطالنا جميعاً بآلامها وأمراضها يوماً، ما إذا لم نستعد لها ونعمل اللازم من الحركة، وتشغيل العقل والجسد كي يسلمان من تلك الأمراض التي تأتي مع الخمول والكسل، وعلى الدولة إعادة حساباتها، وإعادة استقطاب أبنائها المتقاعدين وإعطائهم حقهم في العودة لأعمالهم حتى إلى إنزال ساعات العمل أو خلق أماكن جديدة للاستفادة القصوى منهم، والأكثر خبرةً لتدريب الأجيال الجديدة، وإبعادهم عن شبح التقاعد المخيف والذي يرمينا بالتهلكة، يا مُجير.

إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"

العدد 5160 - السبت 22 أكتوبر 2016م الموافق 21 محرم 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 4:09 م

      هناك شيء محبط في قانون التقاعد يحتاج إلى تعديل و هو أن المتقاعد يستطيع العمل" مادام راتب التقاعد و الدخل الجديد" لا يتجاوز آخر راتب . و هذا من المثبطات عن العمل. بينما كل التجارة مفتوحة للأجنبي و وقوانين العمل الجديدةالتي ستحرر سوق العمل و تجعل البحريني كالأجنبي في أفضلية التوظيف، ترى هذه الأمور على المواطن، و كأنها وصفة للإحباط أو الموت.

    • زائر 4 | 2:21 م

      اتفق قليلا واختلف كثيرا مع طرح الدكتوره في هذا المقال انا من المتقاعدين من العمل الرسمي بعد ٣٠ سنه خدمه وعمري الان ٥٣ عاما لايوجد لدي اي وقت للفراغ والملل فالعمل والنشاط ليس حكرا على العاملين في المهن الرسميه فقط بإمكان الانسان ملء الفراغ ان وجد بالقراءه والكتابه وممارسة الهوايات المختلفة وتلبية طلبات وإنجاز اعمال الأسره وما أكثرها عندما كنت موظفا اجد لي متسع من الوقت الان لا يوجد لي متسع بسبب انشغالاتي الكثيرة فالمسألة نسبية من شخص لآخر ولا ارى ان يدفن الفرد نفسه في الوظيفة حتى يسقط ميتا

    • زائر 3 | 7:23 ص

      تعليق مفيد

      يبدو انه مقال جميل وهادف تنبه فيه الدكتوره الى ضرورة تشغيل العقل باستمرار كي لا يصاب بالملل والمرض حيث يصعب ذلك دون العمل المتواصل

    • زائر 2 | 4:33 ص

      شكرا للاقتراح
      ولا بأس به لمن يشعر بالملل والفراغ الطويل
      بالنسبة لي لا اريد العمل مكلقا
      اريد الحرية في ساعات النوم والاستيقاظ والإجازات والسفر والانزواء في البيت وقتنا أريد
      وكأنني كنت في سجن طويل واصبحت حرة بعد التقاعد
      يا له من شعور جمييبيبيل

    • زائر 1 | 3:49 ص

      يبدو أن اللذين هم في الستين أو تم التمديد لهم في سنوات الخدمة تراهم أكثر سعادة من الذين تقاعدوا مبكرا قبل سن ال 50 حيث يبدون فرحين في بداية التقاعد ثم يتغلغل الملل شيئا فشيئا فودوا لو يعودوا الى مقار أعمالهم .

اقرأ ايضاً