العدد 5169 - الإثنين 31 أكتوبر 2016م الموافق 30 محرم 1438هـ

بين الرق وسياسات الاسترقاق

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

نفى الرئيس التنفيذي لهيئة سوق العمل أسامة العبسي، وجود ممارسات يُستغل فيها الأشخاص وتكون شبيهة بالاتجار بالبشر حسب تعريف القانون.

العبسي هو رئيس «اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر»، وهي ليست نادياً رياضياً أو جمعية خيرية، وإنّما هي مؤسسة رسمية يفترض أنها أنشئت لمكافحة ظاهرة موجودة، حتى لو لم نعترف بوجودها. وكان قد صدر قرارٌ عن وزير الخارجية في مارس/ آذار 2015 بإعادة تشكيل اللجنة برئاسة العبسي وعضوية عشر شخصيات يمثلون مختلف الجهات الرسمية والأهلية المعنية بالملف.

الصحف المحلية تنشر بين فترةٍ وأخرى صدور أحكام ضد أشخاص، مواطنين وأجانب، في قضايا تتعلق بـ «الاتجار بالبشر»، وخصوصاً ما يتعلق بالاستغلال الجنسي واحتجاز الحرية والإجبار على الدعارة، في القطاعات التي يجري فيها استغلال «الرقيق الأبيض». وبعض هذه القضايا تصل إلى القضاء بعد أن تنجح الضحية في الإفلات من حالة الحصار المفروض والوصول إلى الجهات الشرطية أو اللجوء إلى سفارة بلادها.

لاشك أن البحرين خاليةٌ من حالات الرق، بمعناه التقليدي، وهو أمرٌ مفروغٌ منه منذ قرن تقريباً، وحتى دول الجوار الأخرى تخلّصت من هذه الظاهرة البشعة منذ الخمسينات، فلم يعد العالم المعاصر يتقبل استمرار هذا الاستعباد المباشر، ولكن لاتزال هناك حالات رق غير مباشر، أو محاولات استرقاق، تتعرّض لها فئاتٌ من المواطنين أو المقيمين، وخصوصاً تلك الفئات الضعيفة طبقياً. وهذه الفئات يزداد وضعها سوءاً مع الوقت، وتتسع دائرتها، وتكثر معاناتها بصورة متوازية مع سوء الأوضاع الاقتصادية وزيادة صعوبات المعيشة.

في السنوات الأخيرة، تعرّضت العمالة الوطنية إلى محاولات إخراج قسري من السوق، فانخفض معدل مساهمتها في سوق العمل إلى أقل من عشرين في المئة. وفي المقابل، توجد في السوق ظاهرة العمالة السائبة، تؤكد الجهات الرسمية أن عددها 60 ألفاً، بينما تذهب إحصائيات أخرى إلى أنها تتجاوز 80 ألفاً. وهؤلاء بشرٌ يعملون خارج القانون ومنظومة حقوق الإنسان، وعجزت الدولة عن حلّ مشكلتهم لسنوات، حتى لجأت إلى سلوك طرقٍ ملتويةٍ لاحتوائهم وتحويلهم لعمالة شرعية مقابل استيفاء رسوم.

من قبل، كان لدينا أكثر من عشرة آلاف أسرة تتلقّى دعماً شهرياً من وزارة التنمية الاجتماعية، إلى جانب ما تقدّمه الجمعيات والصناديق الخيرية، من مساعدات مادية، شهرية وموسمية، لأكثر من ذلك العدد. ويتوقع أن تزداد هذه الأعداد مع رفع الدعم، وزيادة أسعار المواد الغذائية والسلع والخدمات، بما فيها اللحوم والكهرباء والبترول. والمقلق أن وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، سواءً في عهد الوزيرة فائقة الصالح أو الوزير جميل حميدان، لم تبدِ أي استعدادٍ، رغم كثرة ما كُتب عن ذلك، لمراجعة قراراتها وإجراءاتها التي فرضتها الوزيرة السابقة فاطمة البلوشي، في السنوات الأخيرة، وأدّت إلى زيادة التضييق على المؤسسات الخيرية، وخفض مواردها المالية التي تعتمد أساساً على ما يقدّمه أبناء المجتمع حباً للخير والثواب.

كانت تلك الاجراءات والقرارات استجابةً لضغوط خارجية لفرض أجندة تتعلق بمحاربة الإرهاب، والجميع يعرف أن الصناديق والجمعيات الخيرية في البحرين، في الأعم الأغلب، لم تتورط بتقديم أي دعم لجهات إرهابية مشبوهة. ولم يكن صحيحاً اتباع سياسة أخذ البريء بالظنة، ومحاصرته بالتهمة، مراضاةً لأطراف خارجية. وقد آن الأوان لتصحيح هذه الوضعية غير السليمة، من أجل ضمان أداء أفضل لهذه المؤسسات الأهلية التي تعمل رديفاً للمؤسسات الرسمية، وستحتاجها الدولة أكثر في السنوات المقبلة، مع استمرار انخفاض أسعار النفط والتوسع في سياسات التقشف وفرض المزيد من الرسوم، وبالتالي اتساع رقعة الطبقات المحتاجة.

الحمد لله أننا لا نعاني من حالات «رقّ»، لكن هناك سياسات تؤدي إلى رقّ مقنّن؛ وأخرى تؤدي إلى زيادة إفقار المواطن، الذي يجد نفسه خاضعاً لقوانين وإجراءات وقرارات، صدرت دون أن يُؤخذ رأيه فيها، أو تُراعى مصلحته، أو يُحسب لمستقبله أي حساب.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 5169 - الإثنين 31 أكتوبر 2016م الموافق 30 محرم 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 8:16 ص

      اللهم فرج عنا

    • زائر 8 | 8:14 ص

      شكرا سيدنه هنا فى البحرين ترى العجائب الاجنبي مدلل والمواطن قابع فى السجون ..لا يوجد مراعاة للاسلام وتطبيقه على البشريه
      المشتكى لله

    • زائر 7 | 5:39 ص

      يا سبحان الله ..ان تمارس الطائفية والعنصرية ضد طائفة هي الاكبر في البحرين في معظم الدوائر الحكومية مع المراجعين فتلك مهنية ، ولكن اذا اشار احد الى ما يمارس من عنصرية وطائفية تقولون عنه بانه طائفي !! .

    • زائر 6 | 1:58 ص

      عملت لثلاثة عقود في القطاع الخاص ورأيت كم ان المواطن البحريني مستهتر به وبمكانته انا لا أتكلم عن اشخاص لا يملكون المؤهلات والقدرات بل أتكلم عن اشخاص اعرفهم كانوا يملكون المؤهل والمقدرة والابداع لكن للأسف يعاملون
      كالعبيد اذ يأتي الأجنبي وهو أقل شأنا علميا ومؤهلا منهم ليرأسوه عليهم ويكون هو صاحب القرار في حين ان الموظفين البحرين هم من يعمل وينتج ويبدع الى درجة ان بعض المؤسسات تضايقهم لكي يهربوا بكرامتهم من بعض الممارسات
      المشينة والمحطّة لقدرهم في اعمالهم

    • زائر 4 | 1:46 ص

      حين يصبح المواطن في وطنه غير آمن وفي قريته غير آمن وفي بيته غير آمن فإن ذلك هو اعتى انواع الاضطهاد

    • زائر 3 | 1:28 ص

      العاطلين الجامعيين هم حالة من الرق
      الرواتب المتدنية التي لا تتناسب مع المؤهلات هي حالة من الرق
      التوظيف بعقود مؤقتة هي حالة من الرق
      عدم تأمين الموظفين هي حالة من الرق

    • زائر 2 | 1:26 ص

      سياسة الاسترقاق الآن تمارس على المواطنين في اعمالهم بسبب مواقفهم السياسية فهناك من يضطهد ويمتهن الانسان البحراني من الطائفة الشيعية بسبب مواقف الطائفة من المطالبة بحقوقها، لذلك ترى ان الموظف الاجنبي يمارس دور السيد على الموظف البحريني ويحاول الاستقواء عليه لأن الإدارات لا تجعل أي قيمة او اعتبار للموظف البحراني

    • زائر 5 زائر 2 | 1:54 ص

      لماذا هذه اللغة العنصرية ؟

اقرأ ايضاً