العدد 517 - الأربعاء 04 فبراير 2004م الموافق 12 ذي الحجة 1424هـ

الفنان السوري كركوتلي... وردة نرسمها لغياب أثيري!

بغياب الفنان السوري برهان كركوتلي الذي انتقل الى الرفيق الاعلى الاحد الماضي في مدينة بون في المانيا فتح الجروح امام وردة رسمها النقاد والرسامون ليستذكروا مساهمات الفنان الراحل في الحركتين التشكيليتين العربية والسورية والانجازات التي حققها في الدفاع عن الموروث والفكر والقضايا العربية.

وكان شيع جثمان الفنان كركوتلي الى مثواه الاخير في مدينة بادكودس بيرغ قرب بون امس وشارك في تشييعه اتحاد الفنانين في الاتحاد الاوروبي... وعدد من الفنانين من الاتحاد الاوروبي... وعدد من الفنانين العرب والالمان... وسيقام معرض شامل لاعماله في التصوير والحفر والاعلان في قاعة المتحف الوطني في بون بمناسبة مرور اربعين يوما على رحيله.

يذكر ان الفنان كرس فنه وحياته منذ اواخر الستينات من اجل فلسطين، قضية وانسانا، وهو من امهر واشهر فناني قضية فلسطين في مجال الرسم والحفر. وانتج خلال مسيرته الفنية مئات الرسوم التي عبر فيها عن مختلف الجوانب المتعلقة بفلسطين ذكرياتها الحلوة، فتياتها واطفالها ونساؤها، نضالات شعبها بشتى اشكالها، كما رسم العدو بأبشع صور يمكن ان يتصورها انسان.

وبحسب صحيفة «تشرين» السورية، فنان وجد بالابيض والاسود امكانات لا حدود لها للتعبير عن كل ما يتفاعل في نفسه من مشاعر، وما يسكنها من وجدان واحاسيس. وهو بقدر رقته المطلقة في الحنان والحب عند تناوله الخير والحياة الحلوة، عنيف الى درجة هائلة في تناوله الموضوع الدرامي. يلون احيانا بعض رسومه المنفذة بالابيض والاسود بألوان مائية شفافة، او بالاحبار الملونة.

اسلوبه مميز للغاية، وهو يدمج اسلوب السذاجة الواعية الناضجة بأسلوب التعبيرية الزخرفية، مزخرف بارع، يملأ كل فراغات لوحته بشتى الوحدات التي يستمدها من الازهار والنباتات والبيوت والطيور والاسماك، ومن وحدات التطريز الفلسطيني، كما يستخدم الكتابات العربية ذات المغزى الاجتماعي والسياسي بطريقته الخاصة.

طبعت اعمال برهان على مئات آلاف النسخ المختلفة الاحجام، وانتشرت في شتى انحاء العالم. كما صدر عنه في المانيا الغربية كتاب كبير بالالمانية، عن حياته وعن فنه، بعنوان «غرافيك الثورة - برهان كركوتلي - فنان فلسطيني» عن دار فيشر للطباعة العام 1981. يعيش منذ عشرين سنة في المانيا الغربية.

وسيدفن كركوتلي في مدفن العلماء والادباء والمبدعين في جنوب غرب بون صباح اليوم الخميس وسيشارك في الدفن كل من: مهنا الدرة من الاردن، عبدالرحمن مزين من فلسطين، الصادق قمش والهادي التركي من تونس، ضياء العزاوي من العراق، غازي الخالدي من سورية، كريم بناتي من المغرب، عارف الريس من لبنان، فارس بو خاتم من الجزائر، الخليفة القطان من الكويت، عمر حمدي من النمسا، مروان قصاب باشي من برلين، سامي برهان من روما.

ويقول النحات كرام النمري : كركوتلي فنان مشهور بلوحات الحفر يستمد موضوعاته من الاساطير العربية وهو من الرواد، وحيله مأساة فالفنانون الرواد يخلون الساحة ولا يوجد من يأخذ مكانهم من الاجيال الجديدة وهذا يبعث على الدهشة في الحركة التشكيلية التي هي بحاجة الى رواد وفنانين كركوتلي قضى حياته في الغرب لكنه كرس فنه في خدمة القضايا العربية وبقي مؤمنا ومخلصا لتراثه وتقاليده الشعبية ولحركته الفنية.

اما النحات الفلسطيني عبدالحي مسلم فيقول ان كركوتلي كان مدافعا صلبا عن قضية فلسطين، فنان معروف خدم القضية الفلسطينية ورحل دون ان يعرف به احد او يلتفت اليه وللأسف هذه حال الفنانين جميعا وسبقه كذلك الحلاج وابراهيم غنام وغيرهم على رغم انهم كانوا مدافعين عن الحركة الفنية بكل صلابة.

فيما يرى الناقد مازن عصفور ان الحركة التشكيلية في العالم العربي تفتقد واحدا من رعيل الفنانين الذين كانت لهم بصماتهم في غمار الفن الملتزم «الفن في خدمة المجتمع» وإذ كرس فنه لتسجيل الحياة المعاشة في تلك الحقبة العربية بتلوينية عالية وتصويرية شاملة، ولوحات الجرافيك التي ابدعها هي مرجع مهم للحركة الفنية وهو فنان عالمي.

اما الفنان اسماعيل شمّوط فيصفه بالقول: كان، يرحمه الله، شديد التمسك بمبادئه ولا يحيد عنها مهما يكلفه الامر، هو مؤمن بفلسطين، كل فلسطين، وبحق الفلسطينيين بوطنهم، كل وطنهم.

رعته منظمة التحرير الفلسطينية من خلال مكتبها او ممثليتها في المانيا، وقدمت له عونا متواضعا أمن له الاحتياجات الضرورية في الحياة.

عندما اعلنت اتفاقية «اوسلو» الشهيرة تأمل فيها كثيرا، لم تقنعه، فأعلن موقفه الرافض لها، كلفه ذلك كثيرا. احس بخيبة امل، ليس لأسباب مادية، بل لأسباب سياسية، فدفعه ذلك الى هجر الرسم الا قليلا. تحول برهان بعد اوسلو من رسام الى «حكواتي» على خشبات مسارح شعبية المانية، يحكي لهم حكاياته الشعبية بالالمانية فيرسم من خلالها الابتسام على وجوه الناس البسطاء ويطرح فيها قضايا امته العربية وعلى رأسها قضية فلسطين عبر تلك الحكايات الرمزية الساخرة التي كان يبتكرها.

اما عن انتاجه الفني التشكيلي، فانني لا اظنني مبالغا ان قلت ان العين العربية وليس الفلسطينية فحسب، متعودة عليه ومحبة له وعلى علاقة حميمة مع رسومات ولوحات هذا الفنان الرائع برهان كركوتلي من دون ان تعرف الفنان الذي ابدعها. كانت فلسطين دائمة الحضور في رسومه ولوحاته، وكانت تشكل معظم انتاجه خلال فترة السبعينات والثمانينات. ومن لا يذكر لوحة «القدس لنا والنصر لنا» من انتاجه العام 1975.

يميل في اسلوبه الى الاسلوب الفطري المهذب، البسيط المباشر، الزخرفي الانيق، حنون في تناوله حكايات الفرح الشعبي، لكنه يصبح عنيفا وشرسا عندما يتناول العدو، صهيونيا او امبرياليا، نازيا او دكتاتوريا





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً