العدد 5175 - الأحد 06 نوفمبر 2016م الموافق 06 صفر 1438هـ

حب العمل (2)

صالح حسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في مقال سابق تحدثنا عن حب العمل، وأهمية ذلك للفرد والشركات بصفة عامة. وكالعادة تكرم عدد من القراء والمعارف بتعليقات متباينة، على محتويات المقال. بعض تلك التعليقات والملاحظات ايجابية الطرح وبعضها سلبية، ربما لاختلاف وجهات النظر، أو أن بعض أصحابها كانوا متأثرين بخبرات شخصية، ربما لم تكن بمستوى الطموح الشخصي لمن أدلوا بآرائهم في المقال. ولذلك سنحاول في هذا المقال تسليط الضوء على موضوع التفاني في العمل بطريقة أكثر شمولا.

عندما نتكلم عن حب العمل، لا نقصد فقط حب العمل في الشركة التي يعمل لديها الفرد أو المنصب الحكومي الذي يشغله. فحب العمل والإيمان به، هو طريقة حياة وجزء من تركيبة الفرد. ويمارس الفرد عشقه للعمل أينما كان سواء كان في الشركة التي يعمل بها، أو في بيته أو في مجتمعه. الإنسان مخلوق ليعمر الأرض، ولا يمكن إعمار الأرض بالعمل في المكتب فقط، ولكن العمل والتفاني في تأديته في كل مكان وعلى الدوام. العمل ومقدار العمل يحدد مدى مساهمة الفرد في الحياة.

للأسف الشديد عندما نحد الحديث عن العمل بمكان العمل، فإننا في الغالب نكون تحت تأثير ما يحصل لنا في محيط عملنا. فإن كنا سعداء في العمل، عبرنا عن تلك السعادة بإيجابية متناهية المعاني. وإن كنا غير سعداء في العمل، قد نعبر عن عدم السعادة بسلبية لا تضاهي، وخصوصا أن البعض قد تنقصة الكياسة في التفريق بين الأمور، وحوادثها بين مكان وآخر. فنقوم ومن غير قصد بحبس أنفسنا في محيط ضيق من الفهم، ولا نسمح لأنفسنا النظر إلى الجوانب الأخرى الإيجابية للحياة.

فحب العمل في محيط العمل الذي نعمل فيه، في الغالب يقود إلى نتائج أفضل للفرد والشركات بصفة عامة. وهذه النتائج قد تتحقق نتائجها في خلال فترة قصيرة وبعضها بعد سنوات. وهذا يعود لطبيعة العمل، وطبيعة الإدارة للعمل، وكيفية تعاطيها واهتمامها بالعنصر البشري وتقديره. كما أن دور المدراء مهم لتقدير جهود العاملين معهم، وتشجيعهم على بذل المزيد وفي المقابل مكافآة المجدين على تفانيهم في العمل، وفي الوقت المناسب. هذا النوع من التقدير والتشجيع والمكافأة من قبل المدراء، فيه تقدير حميد للجهد الذي يقوم به الموظفين وهذا بدوره يساعد على انتاجية أفضل وجو عمل إيجابي.

والفرد يعمل أيضا في بيته، فإذا كان عمله نابعا من حبه للعمل، فإن ذلك مدعاة لنشر الفرح والسعادة له ولأفراد عائلته. ولكن إذا كانت المساهمة في أعمال البيت هي لأداء الواجب الزوجي والأسري فقط، فإن العمل يفقد الزخم المطلوب، وقد لا ترقى نتائجه إلى القدر المطلوب.

أما حب العمل والتفاني فيه لصالح المجتمع، فهو قمة أنواع العمل لما ينتجه من فوائد للمجتمع، تعود تلك الفوائد على مكونات المجتمع، وعلى الفرد نفسه، وعلى أفراد عائلته. وإذا أخذنا في الحسبان أهمية المجتمع وإن كل ما نتعلمه في حياتنا هو من المجتمع، فإن أي عمل نقوم فيه لصالح المجتمع يعتبر رد جزء من جميل المجتمع علينا. وليس في ذلك منة على المجتمع، بل هو حق للمجتمع علينا. ولذلك نسمع الكثير عن مصطلح «المسئولية الإجتماعية» وهذه المسئولية ليست محدودة بالشركات؛ بل الأفراد هم الأساس في الاضطلاع بهذه المسئولية. وكلما كان الأفراد محبين للعمل، كلما كان أداؤهم لمتطلبات المسئولية الاجتماعية أفضل ونتائج عملهم أشمل.

والإخلاص في العمل، والإيمان بقدسيته، يساهم مساهمة مباشرة في رقي وتقدم الفرد والأمم. ولذلك لو نظرنا إلى حال الدول المتقدمة، لرأينا حبهم العمل، هو السبب الأول لجعلهم متقدمين. والدول غير المتقدمة والاستهلاكية مثل عالمنا العربي يغلب عليه عدم الاكتراث بأهمية العمل.

واسمحوا لي باختتام هذا المقال، بحادثة عاصرتها شخصيا منذ سنوات. كنت في زيارة عمل لليابان، وعند زيارة مكتب البنك الذي كنت أعمل به آنذاك، استوقفني منظر المكتب المجاور، حيث رأيت نحو 40 موظفا وموظفة يجلسون في المكتب بطريقة متقابلة، أي نحو 20 منهم يقابلون العشرين الآخرين، وأمام كل منهم جهاز كومبيوتر، وهم منهمكون في العمل. فقلت لمضيفي الياباني، هل يمكن أن أسلم عليهم وأتعرف على ما يفعلون؟ قال لي: لا تتعب نفسك، فلن يردوا عليك؛ لأنهم يعملون.

قلت له سأحاول وأرى ما يحدث. دخلت المكتب، وسلمت، ولم يرد أحد من الأربعين موظفا جوابا، حاولت التحدث مع بعضهم، ولم يعرني أي منهم أي انتباه. لماذا؟ لأنهم يعملون وبجد واجتهاد، وأن أي حديث جانبي كان قد يفقدهم التركيز على العمل. هذا هو حال اليابانيين، وهذا ما أوصلهم إلى ما هم عليه. إنه حب العمل والتفاني فيه. والقارئ الكريم يعي ذلك وأكثر.

إقرأ أيضا لـ "صالح حسين"

العدد 5175 - الأحد 06 نوفمبر 2016م الموافق 06 صفر 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً