العدد 5184 - الثلثاء 15 نوفمبر 2016م الموافق 15 صفر 1438هـ

قوة صوت المرأة الانتخابي

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

في تغريدة تويترية شدد أحد المترشحين لانتخابات «مجلس الأمة» الكويتي، على أنه أول محامٍ يقدم طعناً دستورياً مباشراً أمام المحكمة الدستورية للمطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق، عبر الطعن في القرارات الصادرة عن الوزارات ووفقاً لنص المادة (29) من الدستور. مضيفاً أنه ومن خلال قضايا بحوزته وجد، أن الكثير من مواد الدستور لا تُطبق بالشكل الصحيح، وأهم هذه القوانين، حق توريث المرأة الكويتية لأبنائها من زوج غير كويتي بعد مماته، وحقها بأن تتقدم بطلب برغبة بتجنيس أبنائها من غير الكويتي، وكذلك حقها بالتسكين الوظيفي في جميع وظائف الدولة، مؤكداً أن نص المادة (29) «صريح لا يطبق اليوم بالشكل الصحيح»، وتساءل في ندوة انتخابية خصصها للنساء: كيف تحرم المرأة الكويتية من إعطاء أبنائها الجنسية، وتمنح الجنسية للزوجة غير الكويتية لأنها متزوجة من كويتي؟

إلى هنا وعلى رغم وجاهة السؤال، والهدف الذي يسعى المترشح إلى تحقيقه في إطار حملته الانتخابية، والذي نؤمن معه فيه وننتصر لحقانية حصول المرأة المواطنة على حق منح جنسيتها لأطفالها من زوجها الأجنبي في الكويت أو البحرين أو في أي بلد كان، نقف أمام ظاهرة أخرى تكشفها بعض الخطابات الانتخابية التي تستدعي التداول والمناقشة ونقصد بها، ظاهرة الانتصار الموسمي لقضايا المرأة وتسليعها في إطار الحملات الانتخابية، ولغايات أخرى لا علاقة لها بقناعة الدفاع عن تلك القضايا أو حاجات النساء القانونية والتشريعية وإنما بهدف كسب أصواتهن ليس إلا.

صوت المرأة عورة ولكن؟

في البدء ثمة إشارة مهمة، أنه وعلى رغم تأخر حصول المرأة الكويتية على حقها السياسي كاملاً غير منقوص حتى العام 2005، تبقى الكويت متقدمة في ممارسة تجربتها الديمقراطية التي يكمن خلفها دستور عقدي توافقي وضعه الشيخ عبدالله السالم مع إعلان الاستقلال العام 1961، حيث يتمتع فيه مجلس الأمة «التشريعي» بصلاحيات تشريعية ورقابية واسعة، كما لا يخفى أن الموقف الذي ساد من قضية تمكين المرأة الكويتية السياسي، كان موقفاً معارضاً ومتزمتاً ومتعصباً وصل لدرجة الهجوم الذي قادته الجماعات الإسلامية السياسية المتشددة، وبعض الجماعات القبلية التي تمثل ما نسبته (55 في المئة) من السكان، حيث ارتكز موقفهم على الفتاوى الشرعية، وانعكس سلباً على تمكين الكويتيات سياسياً وتأخر حصولهن على تلك الحقوق.

تمثل المرأة الكويتية ما يفوق (52 في المئة) من أعداد المقترعين في الساحة الانتخابية، وبالتالي فإن صوتها الانتخابي يتميز بقوة الحضور، لم لا؟ وهو يمثل رقماً وعنصراً حاسماً في الصندوق الانتخابي الذي يحدد طبيعة مسار مجلس الأمة وأدائه. لقد أثبتت التجارب العربية عامة وليس في الكويت فقط، أن صوت المرأة الانتخابي خطير، وتكمن خطورته حين يستخدم ويساء استغلاله من جماعات الإسلام السياسي وأحزابها المعتدلة أو المتشددة، فضلاً عن العصبيات القبلية والعائلية واستغلالهم لتصويتها لعناصرهم، ممن ينشطون أصلاً ضد حقوق المرأة وخطاباتهم تنضح بما يحط من قدرها وكرامتها، وعليه فإن وصول هذه العناصر وبأصوات النساء للبرلمان يمثل تحدياً وكارثة حقيقية للمرأة، وخصوصاً مع محاولتهم إلغاء المكتسبات القانونية والاجتماعية التي تحققت للمرأة، أو حين تصديهم لتشريع أي قوانين أو تشريعات لصالحها، وهذا يعني ما يعنيه من شدة، خطورة صوت المرأة الانتخابي وقوته.

شعارات مزيفة

كشفت الكثير من الحملات الانتخابية التي جرت في أغلب البلدان العربية والتي توجهت في خطابها لكسب ود النساء، أنها اتسمت بالنفاق وحملت وعوداً موسمية زائفة، وشعارات براقة في البرامج الانتخابية للمترشحين، ولاسيما أن الخطاب الانتخابي الذكوري لم يستند إلى منظور النوع الاجتماعي وصلته بالتنمية المستدامة ضمن رؤية استيراتيجية متكاملة، تعنى بتقسيم الأدوار بين الرجال والنساء في المجتمع، ويكون اليقين فيه راسخاً بأهمية دور المرأة كقوة فعالة، ومشاركة في إحداث التغيير بالمجتمع، إنما جاء خطاباً فاقداً للمفهوم الحداثي لتمكين المرأة في التنمية المستدامة، وتوسعة خياراتها وقدراتها بالفرص المتاحة لها، وتمتعها بالحريات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية التي تكفل لها العيش المادي الكريم، والأمن النفسي والجسدي الرافض لممارسة كل أشكال العنف والتمييز ضدها، خطاب لا صلة له بحاجات المرأة القانونية والتشريعية، والدلالة التمطيط والتلكؤ والبطء الشديد والممانعة في سن القوانين والتشريعات المتعلقة بالأحوال الشخصية، والكوتا، ومنح جنسية الأم لأبنائها، وتجريم العنف وغيرها، فضلاً عما يكشفه الواقع من ممارسات المناهضين منهم لحقوق المرأة السياسية والمدنية والإنسانية.

وعليه يمكن القول إن هذا النمط من الحملات، شكل فقاعة هواء سرعان ما انتهت بانتهاء العملية الانتخابية، ذلك لأنها - أي الحملات - رفعت شعارات مزيفة، وقدمت كتلة من الوعود بالجزم بأن أصحابها سيعملون على تحقيق العدالة والمساواة وغيرها، ففي نهاية المطاف استخدموا أصوت قاعدة عريضة من النساء ممن لم يدرك بعضهن حقيقة برامجهم الانتخابية، وأهدافها للوصول إلى كراسي البرلمان، إن بعضهم - وحتى لا نعمم - يعملون في داخلهم ضد حقوق المرأة السياسية والمدنية، بل إن أغلب تيارات الإسلام السياسي بمذاهبها تمعن في إقصاء النساء، ولا تطمع إلا بقوتهن التصويتية المطلوبة بشدة لتحقيق نصر المترشحين، على رغم أن صوتها عورة من وجهة نظرهم، حيث اقتصر اعترافهم بحق المرأة السياسي عملياً للاستفادة من أصوات النساء فقط، ولهذا لم يتم ترشيح النساء على قوائمهم، أو دعم من ترشحت مستقلة، بل تمت محاربة من تتجرأ على خوض الانتخابات كمترشحة والتصدي لها، إن ذلك تعبير عن حالة استغلال وانتهازية، وهذا الأمر للأسف لا يقتصر على هذه التيارات، إنما يتعداه لمن يصنفون أنفسهم بالتقدمية والليبرالية.

خلاصة الأمر، العزف على أوتار قضايا المرأة الحقوقية، وتمكينها في شعار الحملات الانتخابية وبرامجها، والتغزل بالخطابات الموجه إليها بأنها الأم والزوجة والأخت والابنة وهي المعلمة والطبيبة والمهندسة... الخ. التوصيفات التي تخاطب روح الوطنية عندها وتحفيزها، لا تعني في مجتمع ذكوري يمارس فيه العنف والتمييز على المرأة كسلوك اعتيادي وتحرم فيه من أبسط حقوقها الإنسانية، لا يعني شيئاً سوى أنه تسويق سياسي وتسليع لكسب أصوات «نصف المجتمع»، واستغلالهن تارة بشراء الأصوات، أو بتوجيهها لصالح مرشح بعينة أو حزب معين، لم لا؟ فأصواتهن قادرة على تغيير دفة الأحداث، وقلب موازين العملية الانتخابية ونتائجها، في إطار أهداف معلنة وغير معلنة، حيث يتجاوز استغلال النساء كسب أصواتهن إلى توظيفهن في عملية التحشيد للحملات الانتخابية، وشراء الأصوات والتوجيه وتوزيع الرشا الانتخابية... إلخ. حقاً إن صوت المرأة الانتخابي لشديد الخطورة!

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 5184 - الثلثاء 15 نوفمبر 2016م الموافق 15 صفر 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 12:30 ص

      ماعاد ينفع لا المراءه ولا الرجل ومضيعه وقت وفلوس على النواب .. الكل يعمل لمصالحه الشخصيه.

اقرأ ايضاً