العدد 5186 - الخميس 17 نوفمبر 2016م الموافق 17 صفر 1438هـ

في مغزى الانتخابات المغربية

عبدالحسين شعبان comments [at] alwasatnews.com

كاتب عراقي وحقوقي عربي

في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2016 باحت الصناديق الانتخابية في المغرب بأسرارها، ودفعت مجدّداً حزب العدالة والتنمية إلى الواجهة، فقد حصل على 125 مقعداً من مجموع 395 مقعداً، هي إجمالي مقاعد البرلمان بزيادة 18 مقعداً عن الدورة البرلمانية السابقة، حيث صوّت له مليون وثمانمئة ألف مغربي، بزيادة أكثر من نصف مليون صوت عمّا حصل عليه في انتخابات العام 2011. وتلاه حزب الأصالة والمعاصرة الذي حصل على 103 مقاعد بزيادة 56 مقعداً عن الدورة السابقة التي حصل فيها على 47 مقعداً. وشارك في الانتخابات 24 حزباً سياسياً وتحالفان انتخابيان.

تعتبر الانتخابات الأخيرة هي الثانية بعد دستور العام 2011، وهي محطة سياسية جديدة، واختبار آخر للدستور وللعملية السياسية، بعد موجة الربيع العربي، فقد راعى الدستور المستجدات والمتغيّرات التي حصلت بعد الحراك الشعبي، فقام بإجراء تكييفات قانونية وسياسية ومؤسسية، أراد لها أن تكون تعويضاً عن «الربيع العربي»، ولربما اختار هو ربيعه الخاص على الطريقة المغربية، التواصلية وليست الانقطاعية، التي مثلت فقهاً استبعد القطيعة، واختار الاستمرار والتراكم.

هذه الانتخابات هي الثانية التي يفوز بها حزب العدالة والتنمية، ومع أن حكمه شهد تجاذباً وشدّاً، وإرخاءً وابتعاداً واقتراباً من القصر الملكي، فضلاً عن اتباعه إجراءات تقشفية أثارت استياءً شعبياً، إلاّ أنه في نهاية المطاف تمكّن من الحصول على أعلى الأصوات والمقاعد. وكان الجميع مقتنعين بشعار «الإصلاح في ظل الاستقرار»، أي جعل التغيير مرتبطاً بالكرامة، والحرّية بالأمن، وهي تجربة جديرة بالدراسة، وخصوصاً منذ حكومة التناوب برئاسة عبدالرحمن اليوسفي في أواخر التسعينات، ارتباطاً بمسألة المصالحة والعدالة الانتقالية والانفراج السياسي وأجواء الحرّيات التي أعقبته.

وتقوم العملية السياسية في المغرب على ثالوث أساس، أركانه المؤسسة الملكية والوحدة الوطنية (حسب الاصطلاح المغربي وحدة تراب البلاد) والجمع بين الإسلام والحداثة على نحو تفاعلي. وهذه العناصر تعتبر من الثوابت الوطنية التي يلتقي على قاعدتها الجميع. ومنذ العام 2002 أصبح الوعي بأهمية الانتخابات وسيلةً للفوز بالسلطة من جهة، ومن جهة أخرى لعرض البرامج السياسية لمختلف الفاعلين السياسيين من القوى والأحزاب والجماعات.

وعكست الانتخابات الأخيرة، على رغم احتدام الصراع بين حزب العدالة والتنمية وحزب الأصالة والمعاصرة، الأول فرع من فروع الإسلام السياسي بطبعة مغربية منفتحة أقرب إلى الطريقة التركية، والثاني من الوسط الليبرالي ومعارض شديد للإسلاميين، ولكنه قريب من القصر، حدّة المواقف وشدّة التعارضات، لدرجة النزول إلى مستوى التراشق أحياناً، عبر فضائح شخصية لعدد من السياسيين، وانزلاق إلى اتهامات خطرة بالعمالة والخيانة وغير ذلك، لكنها لم تؤثر على واقع شفافية الانتخابات ونزاهتها، وهو ما يسجل للتجربة المغربية الجديدة.

ويعزو البعض فوز حزب العدالة والتنمية إلى تنظيمه وانضباطه ووجوده بالسلطة في السنوات الخمس الماضية من جهة، وإلى عزوف شعبي عن الممارسة الانتخابية لجمهور واسع وعريض من جهة ثانية، الأمر الذي مكّن الحزب وهو يتوفر على كتلة شبه مستقرة، سواء في الريف أو المدينة، لضمان الفوز المريح له.

وقد تمكّن الحزب بطريقة بارعة من خوض الصراع الآيديولوجي والدعائي، وذلك بتوظيف خطابه لجهة المظلومية السياسية التي ظلّ متمسكاً بها، ودغدغة بعض عواطف الناس، وتمكّن من استثمار ذلك بذكاء وأساليب ناعمة، حتى وهو في قمّة السلطة السياسية، فأعاد ضخّ كل ذلك مجدداً في حملته الانتخابية.

لقد أكل حزب العدالة والتنمية من جمهور الأحزاب الأخرى، التي ضعف دورها، وخصوصاً في أوساط الطبقة الوسطى التي كان تعاطفها مع اليسار وأحزابه، ولا سيّما حزب الاتحاد الاشتراكي للقوى الشعبية، وكذلك تعاطفها مع الاتجاه الليبرالي، وحزب الاستقلال بشكل خاص، وهي أحزاب تمتدّ إلى مرحلة الاستقلال والتحرّر الوطني، لكن رصيدها تدهور في العقد ونصف العقد الماضي.

الانتخابات الأخيرة بقدر ما رفعت من حزب العدالة والتنمية، لكنها في الوقت نفسه كرّست حزب الأصالة والمعاصرة، كحزب منافس قوي وخصم شديد، حيث حصل على المرتبة الثانية، وهكذا انتقل المغرب من الهندسة السياسية السابقة التي تقوم على ثنائية التنافس بين حزب الاستقلال القريب من القصر في حينها وحزب الاتحاد الاشتراكي المعارض، إلى هندسة ثنائية جديدة، تقوم على حزب العدالة والتنمية مقابل حزب الأصالة والمعاصرة.

وبمراجعة مقاعد القوى السياسية، نستطيع أن نلاحظ مدى التبدّل الذي حصل في الساحة المغربية، فقد حصل حزب الاستقلال على 46 مقعداً، وجاء في المرتبة الثالثة، ولكن مع فارق شاسع عن المرتبتين الأولى والثانية، وأعقبه حزب التجمع الوطني للأحرار الذي حاز على 37 مقعداً (المرتبة الثالثة).

أما الاتحاد الاشتراكي فقد حصل على المرتبة السادسة حيث نال 20 مقعداً بعد أن كان لديه 40 مقعداً، وهو يعدّ أكبر الخاسرين، والحركة الشعبية على 27 مقعداً (المرتبة الخامسة)، كما حصل الاتحاد الدستوري على 19 مقعداً (المرتبة السابعة)، ونال حزب التقدم والاشتراكية (الشيوعي) على 12 مقعداً (المرتبة الثامنة)، والحركة الديمقراطية الاجتماعية على 3 مقاعد، وفيدرالية اليسار الديمقراطي على مقعدين وحصل حزبان آخران على مقعدين لكل منهما.

جمع حزب العدالة والتنمية بعض عوامل النجاح استراتيجياً وتكتيكياً من خلال: زعيم كارزمي (عبدالإله بنكيران) وطاقم قيادي متفاهم، وتنظيم متماسك، وعلاقة قوية بالأوساط الشعبية في الريف والمدينة، إضافةً إلى وسائل دعاية ناجحة وصلات مباشرة بالناخبين، ولهذا فإن عناصر الفوز فيه كانت متوفّرة، على عكس بعض تجارب الإسلام السياسي في البلدان العربية الأخرى.

يمكننا القول إن الانتخابات المغربية الأخيرة كانت مناسبة لتأكيد مرحلة جديدة أساسها طيّ صفحة الماضي، وانتهاء عهد المعارضة السلبية ومقاطعة الانتخابات، والانتقال من محاولة تهديم بيت السلطة، إلى دخول هذا البيت، بل والاقتناع بذلك، فلم يعد أي حزب خارج لعبة الانتخابات، والجميع يلعب تحت سقف البيت وفي الحدود والمساحة المتاحين له، من أجل تحسين شروط اللعب، وهو ما كان يدركه الملك الحسن الثاني ووريثه الملك محمد السادس الذي فهم المزاج العام، وتعاطى معه في ظروفه الجديدة، ولا يزال يعتبر البناء السياسي الديمقراطي الأساس الذي يمكن تحقيق التنمية والتطوّر من خلاله.

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسين شعبان"

العدد 5186 - الخميس 17 نوفمبر 2016م الموافق 17 صفر 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً