العدد 5188 - السبت 19 نوفمبر 2016م الموافق 19 صفر 1438هـ

حكمة من سالف الزمان لآلام الإنسان ومعاناته

سهيلة آل صفر suhyla.alsafar [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

تزداد الآلام من كل حدبٍ وصوب، منها الجسدية والنفسية والتي باتت هي السبب الرئيسي في معظم الأمراض التي يعاني منها الإنسان، حيث أن كماً من الآلام قد يعتصر في دواخل النفس البشرية، ودون أن يشعر بها الآخرون، ممن يرونك كامل الأوصاف في الأيام الاعتيادية، وأنت تتنفس وتضحك مجاملاً، لصعوبة شرح ما يُعتمل في جدران تلك النفس المتقلبة والملَغَمة بكل أنواع الثورة والهيجان، خاصةً في أيامنا هذه، ونحن تحت مسعى الحروب والقتل والشرذمة لأبناء أمتنا وغيرها.

نراها تتجسد بالأجهزة التي مابين أيدينا، وفي أحضاننا وتزيدنا كآبة، والتي توصل الوجع قبل الفرح إلى قلوبنا، والتي لم تعد لتحتمل المزيد، ويتحول بعدها الألم إلى معاناة، يتسكع معها الإنسان، ومزاجه متعكراً، وكل يومٍ في حال، ويبدو أننا كلما ازداد تركيز أجسامنا على التفكير في الألم كلما ازداد حدةً، ويذكر معظم المهتمين بالبحوث في هذا الحقل بأن الانشغال عن الألم، وعدم التركيز فيه قد يقلل من حدته، وهو الحل الأمثل، وإليكم هذه الحكاية الظريفة من سالف الزمان !

ففي إحدى القرى النائية في الهند، انكسرت رجل أحد كبار السن، وكان من النشطاء في الحياة العامة، و كانت حركته تضاهي حركات الشباب، مع ذهنٍ يقظ، حيث يقوم بإنجاز الكثير لأهله وأصحابه، وطلب منه الأطباء الجلوس في الفراش لمدة ثلاثة أشهر، وبعد محاولاتٍ عدة لتقبل ذلك الوضع الجديد عليه كَره الحياة ومافيها، بسبب قلة حركته والتي تسببت له بالكثير من الآلام النفسية والأوجاع وانعزاله عن الآخرين، وبدأ معه الاكتئاب وعدم السعادة؛ لأنه لم يعد لديه مايعمله، وبأنه قد أصبح مُقعداً، وأصبح ينظر إلى الحياة بنظرةٍ سوداوية.

وذهب إلى طلب النصح من أحد حكماء ذلك العصر، كعادتهم شاكياً، وهو يبكي بأنه غير سعيد بتاتاً بوضعه، وقد كره الحياة وقرر الانتحار، فما كان من الحكيم إلا تهدئته ونصحه بالتأمل والتأني، وبأن كل شيء سيكون على مايرام، إلا أنه رفض فكرة التأمل، وبأنه لايستوعبها أو تنجح معه، فأجابه الحكيم بأنه سيعلمه شيئاً جديداً، وحيث أنه لابد له من الجلوس في الفراش، فكل ماعليك هو أن تغمض عينيك، وتبدأ في التأمل من جديد، وسأباركك، وإن أردت الموت فسيكون الأمر جيداً وقد تنجح بركاتي وتموت سعيداً بينما أنت تتأمل، ثم أضاف أدخل إلى جسدك، وانظر إليه من الداخل، وقل هذا ليس أنا؛ لأنني بكامل صحتي، وأن الجسد بعيدٌ جداً وفي أسفل الوادي وأنا في قمة الجبل، سمع كلامه، وغرق في التأمل التام إلى درجة حينما قاطعه الحكيم ليرحل أجابه لاتشوشني فأنا مشغولٌ جداً وفي منتهى السعادة، وأضاف له ذلك التأمل بعدها لكتابة قصة حياته، والتي شغلته ولم يُصبح لديه الوقت للملل أو التفكير، وعملت قصته فرحاً وصدىً واسعاً في قريته، ومضت الثلاثة أشهر، وكانت من أفضل الأيام لانشغاله الشديد بشيء أبعد عنه، ذلك الألم والهموم، وكيف أنه لم َيضَع عاهته تسيطر على تصرفاته وتحويل معاناته السابقة إلى سعادة دائمة وإشعاع، هكذا كانوا يفسرون الحياة ويقسمونها على مساحاتٍ وارتشافها من ينابيع الفكر والتأقلم مع الأقدار، واستعمال الخيال كجزءٍ أساسي لتقوية الروح، وللتغلب على ما يواجهونه من صعوبات، وكيف كانوا يحتمون من ظُلمات القدر وآلامها التي لا تنتهي إلا مع النهاية الأخيرة.

إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"

العدد 5188 - السبت 19 نوفمبر 2016م الموافق 19 صفر 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً