العدد 5190 - الإثنين 21 نوفمبر 2016م الموافق 21 صفر 1438هـ

هل فشل نظام الحزبين في الولايات المتحدة الأميركية؟

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

نظام الحزبين الجمهوري والديمقراطي قائم في الولايات المتحدة الأميركية منذ 150 عاماً، حيث يتناوب الحزبان على السلطة الفيدرالية والمحلية في الولايات المتحدة الأميركية، وباستثناء الرئاسة التي يفوز بها ممثل أحد الحزبين، فإنه يجري تقاسم المناصب المنتخبة على الصعيد الفيدرالي مثل مجلسي الشيوخ والنواب والمحكمة الفيدرالية، أو على مستوى الولايات مثل حكام الولايات ومجالسها التشريعية، الشيوخ والنواب، ومحافظي المدن والمناطق والمدعين العامين ومجالس المحلفين وغير ذلك. وكثيراً ما يحدث أن يعين الرئيس شخصية تنتمي للحزب المنافس كوزراء (سكرتير الدولة أميركيّاً) كتعيين الرئيس أوباما لوزير الدفاع الجمهوري من عهد بوش الابن. وباستثناء مرشحين عن أحزاب صغيرة مثل حزب الخضر والذي ظل مرشحه للرئاسة رالف نادر لعقود، وجونسون في الانتخابات الأخيرة أو بعض المستقلين في الانتخابات المحلية، فإن الحزبين الجمهوري والديمقراطي هيمنا على الحياة السياسية الأميركية، والخلافات ما بينهما تكتيكية، وهناك تفاوت نسبي لقاعدتهما الانتخابية، حيث تستند القاعدة الانتخابية للجمهوريين على البيض والاغنياء والطبقة الوسطى، في حين تستند القاعدة الانتخابية للديمقراطيين على الاميركيين في مختلف الأعراق، والطبقة الوسطى والطبقة العاملة. ومع التناوب في الحكم فقد كان انتقال السلطة يتم بسلاسة خلال الفترة الانتقالية من 8 نوفمبر/ تشرين الثاني حتى 20 يناير/ كانون الثاني، وكان المرشح الخاسر والرئيس يهنئان المرشح الفائز، هنأ الرئيس أوباما والمرشحة الخاسرة هيلاري كلينتون الرئيس الفائز دونالد ترامب، ولكن ليس في أجواء اعتيادية.

لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة، تحدث صدمه قوية، حيث لم يكن متوقعاً أن يفوز دونالد ترامب، القادم من خارج المؤسسة الحاكمة، والذي لم يتسلم أي منصب رسمي، وليس له أي خبرة في الإدارة الحكومية، ويوصف بأنه متعجرف وجاهل وعنصري وذكوري ومعادٍ للأقليات وذو آراء غريبة جدّاً، حيث وقفت المؤسسة بمن فيهم الجمهورية والميديا ومراكز الدراسات وحلفاء أميركا ضده. لكنه خيب كل التكهنات واستطلاعات الرأي العام، وفاز مؤكداً مقولته «إنه لا يخوض معركة إلا متأكداً من النصر». ومع الصدمة انفجرت في الكثير من المدن الأميركية مظاهرات احتجاجية لا سابق لها، قوامها الشباب والأقليات وعنوانها (لست رئيسي)، ويقال إن الملياردير سوارس هو ممول الاحتجاجات ومهندسها، في حين اتهم ترامب الميديا بإثارة الرأي العام ضده، وتخويف الأميركيين من حكمه والتشكيك في قدراته.

لكن ما هو أهم، هو أن نتائج الانتخابات ومفارقاتها طرحت مجدداً صدقية وجدوى وجود حزبين متنافسين فقط يهيمنان على الحياة السياسية والمؤسسة السياسية، وبذلك يتكرس نظام حكم رأسمالي ظالم، وسياسة خارجية عنوانها الهيمنة، لا مكان فيه لخيارات أخرى، أو تجديد النخبة الحاكمة أو تطوير فعلي للنظام. لقد كشفت حملة الانتخابات أن محاولة بيرني ساندرز، المرشح المنافس لهيلاري كلينتون والقادم أيضاً من خارج المؤسسة الحاكمة، والذي طرح برنامجاً إصلاحيّاً شاملاً للنظام الأميركي، بما في ذلك إصلاحات اقتصادية واجتماعية وسياسية لصالح الغالبية، وسياسة خارجية تبتعد عن الهيمنة والتحيز بما في ذلك الموقف من إسرائيل قد فشلت، وثبت الآن أن قيادة الحزب الديمقراطي كانت منحازة إلى جانب كلينتون، وأنها تآمرت لاستبعاده من المنافسة في مؤتمر الحزب.

ويقوم منطق الداعين إلى تعددية حزبية على أن الولايات المتحدة هي الأكثر تعددية في العالم من حيث التركيبة السكانية عرقيّاً وثقافيّاً وسياسيّاً ودينيّاً، وأنها أكثر بلد يتجدد سكانه من خلال المهاجرين الجدد القادمين من مختلف مناطق العالم، كما أن الأميركيين الأكثر حراكاً في العالم من حيث تغيير المهن والسكن وحتى الزواج والطلاق.

كما يجادل البعض أن اقتصار الحياة السياسية على حزبين، بدفع الآخرين إلى الانضمام أو التحالف الانتهازي مع أحد الحزبين دون قناعة. وفي ندوة نظمها نادي أكسفورد بشأن فشل نموذج الحزبين في أميركا، ذكر السناتور السابق برسلر أنه كان مستقلاً، لكنه اضطر للانضمام للحزب الجمهوري لتمويل حملته الانتخابية، والاستمرار في الحياة السياسية. أما عضو مجلس النواب السابق راي مكفرن فقد ذكر أنه لا مكان للتمرد على النظام السياسي حتى من داخله، وذكر تجربته مع 12 عضواً بمجلس النواب باقتراح تعديلات على النظام الانتخابي الأميركي، حيث توصلوا إلى النتيجة وهي أنهم كأقلية لن يستطيعوا الترويج لفكرتهم، ولا حتى طرحها للنقاش الجدي، فما بالك بالتصويت عليها؟ يطرح البعض أن على بيرني ساندرز المرشح الرئاسي الديمقراطي السابق والذي دعمه الشباب والأقليات أن يبادر الى حركة لتشكيل حزب ثالث، لكن البعض يقول إنه كبير السن وليس مؤهلاً لهذه المهمة. وهناك من يطرح أن على حركة الاحتجاج ضد الرئيس ترامب أن تتحول الى حركة سياسية، وتشكل حزبها.

من الواضح أن الحزبين الجمهوري والديمقراطي في مأزق، حيث الرئيس المنتخب ترامب، لا يمثل المؤسسة في الحزب الجمهوري، في حين أن خسارة الديمقراطيين مذهلة على كل المستويات، ولذا فهي فرصة لطرح مبادرات من خارج الحزبين وتشكيل حزب ثالث، يطرح برنامجاً شاملاً وجذريّاً للتغيير داخليّاً وخارجيّاً. وقد يشكل الحزب الليبرالي الكندي بقيادة الشاب ترودو مثالاً، وكندا ملاصقة لأميركا وتشترك معها في كثير من الملامح.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 5190 - الإثنين 21 نوفمبر 2016م الموافق 21 صفر 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 2:58 ص

      في أمريكا الحكم للأغنياء وطرامب ليس سوى أحد رموز هذه الطغمة الرأسمالية التي لن تتغير والقائمة على الحروب والهيمنة واستعباد الشعوب، أمريكا أشبه بسفينة تستمر بالغرق وتم اختيار طرامب لإنقاذها.
      شكراً على المقال يا أستاذنا.

    • زائر 3 | 1:02 ص

      صدقني بان الحديث عن الديموقراطية في الغرب مهزلة. هناك يضعون أمامك اثنان لهما صلات بمصالح مختلفة. يضيئونهما، يلمعونهما و يقدمونهما لجمهور مغسول المخ ليختار احد السيئين. للعلم انا متجنس غربي و عشت هناك. المفكرين و المثقفين يستهزؤون بهذه الديموقراطية. هل هذين المرشحين هما أفضل الإداريين و اكفأهما في بلدهما؟ هما من ضرب الرتوش عليهما و خدعا السذج. خلاصة: الانسان لم يصل حتي الان ألي النظام المثالي للحكم.

    • زائر 1 | 11:41 م

      فشل ام لم يفشل فإن للشعب الأمريكي كلمته التي قالها رغم دخول المال على المسرح ومعه المال الخليجي المنحوس ولم ينفع شيئا

اقرأ ايضاً