العدد 5196 - الأحد 27 نوفمبر 2016م الموافق 27 صفر 1438هـ

نسيان الأمس

صالح حسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يجب على المرء أن ينسى يوم أمس؛ لأن أمس قد مضى ولا يمكن أن يعود أو يتكرر مرة أخرى. فهو يصبح تاريخاً لا يعود بمجرد انتهائه. بعض الناس يعتقدون في مقولة إن «التاريخ يعيد نفسه». لا، فالتاريخ لا يعيد نفسه أبداً. كل يوم هو يوم جديد. الحوادث والأحداث التي وقعت يوم أمس قد تحدث مرة أخرى في غضون فترات زمنية قد تقصر أو تطول؛ لكن لا يمكن أن تكون هي الأحداث نفسها. إن تغير الظروف وتغير البيئة المحيطة تجعل من تلك الحوادث والأحداث حوادث أو أحداثاً مختلفة. إذا ما أخذنا على سبيل المثال الأزمة المالية التي ضربت جميع أنحاء العالم، من 2008 إلى 2010 فإن المرء يقع بشكل تلقائي تحت إغراء مقارنة هذا الحدث بالأزمة المالية في العام 1929؛ ولكن الحدثين ليسا بالضرورة متشابهين، فالظروف مختلفة ووسائل الإعلام والاتصال مختلفة والممارسات مختلفة والعولمة وبيئة الأعمال كلها مختلفة وعالمية أكثر من ذي قبل.

ولذلك نرى أنه في مجال وبيئة العمل، أن يتجنب المدراء والموظفون بناء أحكامهم وقراراتهم الإدارية على ما ارتكبه أو قام به الموظف في وقت مضى بالأمس. إنه أمر غير عادل البتة. نحن ندرك أن الموظف ربما يكون قد وقع تحت ضغوط معينة وفي ظروف معينة مما أدى به إلى ارتكاب الخطأ، فلماذا يجب أن نحكم على أدائه المستقبلي دائماً بناء على ذاك الخطأ؟ على المدير واجب معرفة أسباب ارتكاب الموظف أي خطأ. وإذا عرف السبب، قد يجد أن هناك مبررات كافية لوقوع الخطأ. ربما يكون الموظف ارتكب الخطأ عمداً أو قد تكون هناك ظروف خارجة عن إرادته أو إرادتها.

وقد يكون هناك سبب آخر وهو أنه لم يكن لديه تدريب كافٍ لتجنب ارتكاب مثل ذاك الخطأ. كمدير، من المناسب النظر في هذه الأمور وأسباب كل خطأ على حدة، ثم بعد ذلك تبحث عن حلول. إذا كانت المشكلة تتعلق بنقص في التدريب فيجب توفير التدريب اللازم للموظف في أقرب وقت ممكن. وإذا كان الخطأ نتيجة أسباب أخرى، تقوم باتخاذ الإجراءات المناسبة في وقتها.

إننا نتعلم من ما حدث بالأمس لنتمكن اليوم وغداً من عمل الأشياء بطريقة أفضل. لذلك، من الأجدر دائماً التأكيد على الموظفين أن ينسوا أمر يوم أمس والعمل الآن لأجل تحقيق أداء أفضل في الغد. إذا لم نتصرف الآن ربما لا يأتي الغد وقد لا يكون هناك تحسن في الأداء. الآن ملك بأيدينا ونستطيع تغيير ما نريد.

المدير الناجح يحصل على نتائج أفضل من خلال تشجيع الموظفين على نسيان الأمس، والتركيز على اليوم الذي هم فيه لغرض تحسين الطريقة التي تؤدى بها الأشياء وتنجز المهام. حرص المدير على أن يعرف موظفيه بأن أداءهم سيكون أفضل إذا ما كانوا منفتحين على أي وكل شيء، وأن يتكلموا عما لا يعجبهم في عملهم، أو إذا كانوا يحتاجون إلى مزيد من التدريب، هذا النهج يكون مفيداً جداً في تحقيق التغيير المناسب في المواقف، ويجعل الموظفين بدورهم يشعرون بأنهم قد تخففوا من عبء أحداث الأمس، وأصبحوا أكثر حماساً للتعامل مع متطلبات اليوم.

على الجانب الإنساني، وهذا جانب مهم في علم الإدارة، سيقع أي موظف تحت الكثير من الضغط النفسي إذا ما تم تذكيره باستمرار بأخطاء أو مخالفات ارتكبها أو وقع فيها في الماضي. حيث إن ذلك يؤثر سلباً على معنويات الموظف ويزيد من احتمالات تدهور مستوى أدائه. من ناحية أخرى، إذا تم تحرير الموظف من عبء أحداث الأمس، فإن مستوى الدافعية والتحفيز سيزداد وينعكس إيجاباً على تحسن الأداء. سيقدّر الموظف إذا كان المدير متفهماً لموقفه، وهذا سيجعله يفعل كل ما هو ممكن ليتغير للأفضل. إن الناس الذين لا يستطيعون نسيان ما حصل بالأمس والمضي قدماً، قد يضعون أنفسهم في سجن ويظلون يحملون أثقالاً إضافية ومرهقة من شأنها أن تحد من قدرتهم على النهوض والتقدم.

واجب المدير المتفهم الناجح، بذل قصارى جهده لجعل العاملين معه يشعرون بالتحرر من الأمس، ويتطلعون إلى حاضر أفضل وغد أفضل. لا يمكنك تغيير يوم أمس أو الماضي ولكن يمكنك بالإرادة القوية وصفاء الذهن، أن تفعل الكثير من الأشياء الجيّدة ليومك وغدك.

لتكون مدير ناجحاً، اترك أثقال يوم أمس خلفك، وخطط للمسئوليات والمهام التي ترغب أو يتوجب عليك القيام بها اليوم أولاً ثم غداً. إن التفكير في الأمس قد يقودك إلى لوم الآخرين عما حصل لك من دون أن تعطي نفسك الحق في التفكير الإيجابي بأن تكون مسئولاً عن تصرفاتك والعمل على تطوير نفسك. لوم الآخرين لن يحل مشاكلك ولن يأخذك للغد، بل سيحبسك في الماضي ويشل قدرتك على المحاولة للتقدم للامام.

من المجحف حقاً أن يكون هناك مدير يواصل حياته المهنية يحاسب الموظفين على ما قاموا به في السابق، ولا يستطيع أن ينسى ما حدث في الماضي. والأدهى أن يواصل اتخاذ قرارات بحق موظفيه بناء على تصرفات سابقة عفى عليها الزمن. في اعتقادي أن هذه النوعية من المدراء يفقد الأهلية ليكون مديراً، وبقاءه في منصبه يسبب الإحباط للموظفين ويقتل فيهم حب الإبداع والتفاني في العمل. وكل ما يحتاج اليه هو وقفة مع النفس ليسأل نفسه «ما هو الشعور الذي سيكون عليه لو تصرف معه مسئولوه بنفس التصرفات التي يقوم بها تجاه موظفيه؟».

إقرأ أيضا لـ "صالح حسين"

العدد 5196 - الأحد 27 نوفمبر 2016م الموافق 27 صفر 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 9:08 م

      ليس النسيان ولكن يجب الحذر ايضا

      في العقلية السائدة في مجتمعاتنا العربية انك اذا قدرت موظف اعتبر ذلك امتياز على زملاءه وتصرف باستعلاء عليهم والاستعلاء سوف يصل إليك انت يجب الحذر عند تطبيق هذه القواعد في بيئة العمل في بعض المهن

اقرأ ايضاً