العدد 5220 - الأربعاء 21 ديسمبر 2016م الموافق 21 ربيع الاول 1438هـ

إلى جنة الخلد أيتها المرأة الصالحة يا معلمة الأجيال الحاجة أم عبدالله

سلمان سالم comments [at] alwasatnews.com

نائب برلماني سابق عن كتلة الوفاق

في يوم الإثنين الموافق 5 ديسمبر/ كانون الأول 2016، ما إن انتشر في منطقة النعيم (الفريق الجنوبي) بالمنامة نبأ وفاة الحاجة مريم صالح الشجرة (أم الحاج عبدالله شعبان) التي تجاوز عمرها التسعين عاما، حتى توافد الناس من مختلف مناطق البحرين يتقدمهم أهالي منطقتها، إلى مقبرة النعيم للمشاركة في تشييعها، وسمعنا أحد أبناء المنطقة وهو يهلل ويكبر يقول للمشيعين (هذه أم الجميع).

فكانت هذه المرأة الصالحة استثنائية في زمانها، حيث كانت رائدة في أربعينات القرن العشرين في تعليم قراءة القرآن الكريم وتلاوته، في زمن قل فيه المتعلمون والتالون للقرآن الكريم... فمن دون مبالغة، ما من أحد من منطقتها في تلك الأزمان إلا وكان لها الفضل في تعليمه كتاب الله وأحكام التلاوة، عرف عنها أنها امرأة عصامية ومكافحة وكريمة وعزيزة نفس، ومبادرة في تقديم خدماتها الخيرة لأهالي منطقتها التي ترعرعت فيها، من دون ملل ولا كلل، رغم قساوة الحياة وشدتها، وصدقت حفيدتها أم محمد التي أخذت منها كل الطباع والسجايا الحسنة، عندما قالت عن جدتها أنها عدة شخصيات في شخصية واحدة، وقد عرضت 6 شخصيات وهي أبرزها، كما ترى:

الشخصية الأولى: المعلمة المتميزة في تعليم قراءة القرآن الكريم وتلاوته، في زمان يكاد ينعدم فيه قراء القرآن الكريم ويقل فيه المعلمون والمتعلمون، فكثير من أبناء وبنات منطقتها والمناطق القريبة استفادوا من مشروعها التعليمي بأدواته البسيطة وتعلموا بفضل جهودها القراءة، وقد استطاعت بعد جهد جهيد إخراجهم من ظلام الأمية وإدخالهم إلى نور العلم، وكان لسانها دائما يلهج بالقرآن الكريم، في الشدة والرخاء وفي النوم واليقظة، وتقول حفيدة حفيدتها الكبرى زينب، في إحدى زياراتي لها... لفت انتباهها أن جدتها كانت نائمة، وأن جدتها وهي تتلو آيات من الذكر الحكم، وسمعتها تردد آية 185 من سورة آل عمران (كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة، فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور)، وتردد الآيتين 26 و27 من سورة الرحمن (كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام)، وتقول حفيدتها أحسست وكأنها تنعى نفسها.

الشخصية الثانية: المعلمة الرائدة في المراثي والمدائح وقراءة سيرة رسول الله (ص) وأهل بيته الطيبين الطاهرين (ع)، فكان بيتها في ذلك الزمان كخلية نحل يعج بالمتعلمين والمتعلمات من مختلف الأعمار والفئات، وتمكنت من تخريج الكثير من الفتيات بعد إتقانهم هذا الفن المباح، الذي يحتاج من المتعلم الرغبة والإدارة في تعليمه واتقانه.

الشخصية الثالثة: المعلمة الكبيرة في عمليات توليد النساء (قابلة)، وقد اعترف بخبرتها وكفاءتها وقدرتها وإمكاناتها الكبيرة في هذا المجال مستشفى النعيم آنذاك، فكانت لديها حلول لكل مشكلات الحمل والولادة، فأهالي منطقتها والمناطق القريبة والبعيدة عن منطقتها يرجعون إليها ويستعينون بها في أوقات الشدة، فلم تتعسر عندها ولادة قط، وكانت في حال توليدها النساء تكثر من التسبيح والتهليل والصلاة على محمد وآل محمد، ودائما تقول لأهل المرأة الحامل عندما يدعونها لتوليدها، ستلد ابنتكم إن شاء الله بسلام، اطمئنوا ان الله تعالى سيكتب لها السلامة، ويرزقها المولود الذي تقر بولادته أعينكم، وبالإضافة إلى قيامها بعمليات الولادة، تقوم أيضا بعمليات المساج (المراخ) للذين يعانون من الشد في العضلات وعرق النساء وتداعيات الولادة وآلام البدن وغيرها من الأمراض البدنية.

الشخصية الرابعة: المعلمة الماهرة في طبخ الأكلات البحرينية المتنوعة، وقد تعلم من فنها في الطبح الكثيرات من نساء منطقتها، فكانت هي الرئيسة في إعداد الولائم في مناسبات الأفراح والأتراح التي تقام في منطقتها.

الشخصية الخامسة: المعلمة الشهيرة في فن الخياطة، حيث كانت تخيط الفساتين وإحرامات الحج والعمرة ومشامر الصلاة ومختلف الملابس النسائية.

الشخصية السادسة: المعلمة البارزة في فن الحنة والخضابة، فكانت تتنقل بفنها في مختلف مناطق البحرين لتحني وتخضب العروسات بمختلف التشكيلات الجميلة، وكان عملها محل إعجاب الكثيرات من النساء.

ولم تبخل في تعليم أي أحد من أهالي منطقتها أو أهالي المناطق الأخرى، لأنها ترى أن الله قد منح لها كل تلك المواهب، لا لتكتمها أو تمنعها عن الوصول إلى غيرها، فكانت تعتبر تعليمها للناس صدقة جارية، فالكثيرون ممن حضروا تشييعها من أهالي المنطقة، كانوا يتحدثون عن مناقبها الكثيرة، وسجاياها الحميدة وتفانيها في تعليم نساء وفتيات وأولاد ديرتها كل ما هو مفيد، ويقولون بكل فخر واعتزاز انها المعلمة التي بسببها أحببنا قراءة القرآن الكريم وتلاوته.

وحفيدتها أم محمد إحدى النساء الكثيرات التي تعلمت منها تلاوة القرآن الكريم وقراءة المراثي والمدائح والأناشيد بالألحان المميزة التي تجسد من خلالها الكلمات الراقية، التي قيلت في مدح ورثاء رسول الله محمد بن عبدالله (ص) وأهل بيته الكرام (ع)، وفن الطبخ والخياطة وتهيئة العروسات وغيرها المهن التي كانت جدتها تمارسها بكل إتقان، وقال لنا ابنها الأكبر الحاج عبدالله شعبان (أبوعقيل) الذي كان أحد تلاميذها الذي أبدع كثيرا في تلاوة القرآن الكريم وقراءة المراثي والمدائح، ان المرحومة والدته، كل ما قامت به من أعمال جليلة كانت تقصد من ورائه رضا الله جل جلاله، ونيل الثواب الجزيل في اليوم الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. وأضاف أنها قد تميزت ببعد النظر في الكثير من القضايا، وكانت تقوم بدور كبير في رعاية المرضى من النساء، اللاتي يتعالجن بمستشفى النعيم في ذلك الوقت العصيب، إذ كان يصعب عليهن الرجوع لمناطق سكناهم، والعودة مرة ثانية لمواصلة علاجهن في المستشفى، والغريب أنها تقدم خدماتها الإنسانية لنساء لا تعرفهن، ومن دون مقابل مادي، ومن دون منّ ولا أذى.

ولهذا قال الخطيب المفوه الشيخ كاظم درويش وهو يؤبنها، لقد تعلمت منها كيف أعشق تلاوة القرآن وحب النبي محمد (ص) وآل بيته الطاهرين (ع)، فهي تستحق كل تقدير واحترام، ودعا من لديهم المقدرة في البحث من أبناء منطقتها وغيرهم أن يعطوا لهذه المرأة المؤمنة الصالحة جزءا من اهتماماتهم البحثية؛ لأن في شخصيتها عبر كثيرة لهذا الجيل والأجيال القادمة... رحمك الله يا أم الحاج عبدالله ويوسف (أبويعقوب) وعبدعلي (أبوحسين) وأم منذر وأم علي، وتغمدك بواسع رحمته، ورزقك شفاعة محمد وآل محمد عليهم أفضل الصلاة والسلام، وأسكنك الفسيح من جناته مع الأنبياء والمرسلين والصديقين والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

إقرأ أيضا لـ "سلمان سالم"

العدد 5220 - الأربعاء 21 ديسمبر 2016م الموافق 21 ربيع الاول 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 6:15 ص

      الله يرحم عوده جارتي..ويرحمها بواسع رحمته

    • زائر 8 | 2:03 ص

      رحمك الله جدتي
      ما زالت روحك معنا ، افتخر بأنني تعلمت تلاوة القران على يدها الكريمة

    • زائر 7 | 1:30 ص

      الله يرحمج ياعودوه ويغمد روحج الجنة ، ونعم الأم والجدة والأخت لجميع اهل منطقتج ، والجار قبل الدار ، لم تنسين جيرانك قط ، ولا احد من افىاد المنطقة باكملها ، ولاتترك المأتم يوميا لتشارك مصيبة أهل البيت عليهم السلام ،

    • زائر 6 | 1:03 ص

      وَمَا مَاتَ مُوْسَى وَهوَ يَفْتَرِشُ الثَّرَى * وَمَا عَاشَ قَارُنٌ
      وَأبْوَابُهُ تِبْرُ
      تَهَاوَى رَمَاداً كُلُ صَرْحٍ مُمَرَدٍ * وَعَاشَ عَلَى الْبَرْدِي فَي
      أَلَقٍ سَطْرُ.

    • زائر 5 | 12:55 ص

      طرح جميل

      طرح جميل لإحدى المواطنات المغمورات،،،، ورحمها الله وأسكنها جنة الخلد ونعيمها،،،،فلهذا وهبها الله طول العمر ليزيد في حسناتها وليستفيد من مواهبها الأكثرين

    • زائر 3 | 10:56 م

      الله يرحمها سبع صنايع

    • زائر 2 | 10:38 م

      الله يرحمش برحمته الواسعة

    • زائر 1 | 9:28 م

      رحمها الله ...
      وحشرها من النبي وآله (ص)
      الفاتحة لروحها لروحها الطاهرة

    • زائر 4 زائر 1 | 11:26 م

      الي جنات الخلود يا ام عبدالله

اقرأ ايضاً