العدد 5221 - الخميس 22 ديسمبر 2016م الموافق 22 ربيع الاول 1438هـ

مراكز البحوث الخليجية... قصور وتقصير

يوسف مكي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

أثارت المناقشات المكثفة في مؤتمر مؤسسة الفكر العربي، في الدورة الخامسة عشرة، نقاطاً مهمة بشأن دور مراكز البحوث الخليجية، جديرة بالرصد والملاحظة، والأمل كبير أن تسهم في تطوير هذه المراكز، من أجل أن تكون قادرة على الإسهام في مسيرة التنمية والبناء.

أولى هذه الملاحظات، أن الدول الخليجية بدأت الاهتمام بمراكز البحوث بعد أن تم استكمال بنائها في دول الغرب، وتحديداً في أميركا الشمالية والقارة الأوروبية. بل إن تقرير جامعة بنسلفانيا لعام 2016، يشير إلى تراجع في نسبة بناء المراكز، في الدول الغربية، وأن الصعود مقتصر على دول آسيا، وبشكل خاص الصين والنمور الآسيوية، وبعض بلدان العالم الثالث.

ويشير التقرير آنف الذكر، إلى أن أسباب التراجع في أعداد المؤسسات البحثية على مستوى العالم، تعود إلى أن بنية العمل السياسي، في معظم دول العالم، باتت معادية للمؤسسات البحثية وللمنظمات غير الحكومية.

كما أشير إلى انخفاض الدعم المالي للمراكز البحثية من قبل القطاع الخاص والأفراد المتبرعين. واتجاه القطاع العام والخاص، نحو المشاريع قصيرة الأمد، وبمبالغ محدودة، بدلاً من الاستثمار في الأفكار والمؤسسات البحثية. إضافة إلى أن كثيراً من هذه المراكز أنجزت مهامها، وحققت غاياتها، ولم تعد هناك حاجة لها.

أما بالنسبة للدول النامية، فإن الضعف في نمو المؤسسات البحثية ومراكز الدراسات، يعود إلى عدم قدرة إداراتها على تبني تغييرات سياسية جذرية. إضافة إلى زيادة التنافس على المؤسسات الاستثمارية الربحية والمؤسسات القانونية والإعلام الإلكتروني.

ومن وجهة نظرنا، فإن هذه النقاط، تغيب عنها جملة من الأمور أهمها أن الدول الغربية استكملت بنياتها البحثية، وأن ذلك يشكل سبباً في تراجع وتيرة نمو هذه الأبحاث. على نقيض دول أخرى، بدأت تدخل في مجال التصنيع، وبناء قدراتها الذاتية، كما هو الحال مع إندونيسيا والهند، التي يلاحظ نمو مطرد، في تأسيس مراكز البحوث لديها.

الأمر الآخر، أن هناك علاقة طردية بين الانخراط في ثورة التقانة وعدد المراكز البحثية. ذلك يعني أن عدد المراكز البحثية، ونوعية تخصصاتها يرسمان صورة كاشفة عن مستوى التفاعل مع الثورات الصناعية، والمعلوماتية والرقمية. وأن الدول المعروفة بالنامية، هي الأقل حضوراً في مجال البحوث والدراسات.

وفيما يتعلق بمراكز البحوث والدراسات في دول مجلس التعاون الخليجي، لا بد من الاعتراف بمحدوديتها، كماً ونوعاً. وتكاد تكون غالبية المراكز غير موجهة نحو الشئون السياسية والتنموية، وتختص بمجالات إدارية وصحية واقتصادية. ومع ذلك يمكننا القول، إن دور هذه المراكز قد تصاعد بعد عام 2000، على وجه التحديد، في عموم دول المجلس، بعد أن كانت دولة الإمارات تحظى بحصة الأسد من هذه المراكز، التي بدأت عملياً انطلاقتها منذ عام 1994.

من جهة أخرى، فإن محدودية عدد مراكز البحوث الفاعلة، وافتقارها للكفاءة، لا يؤهلانها لإنجاز الأهداف المرجوة منها. كما أن المعلومات عن هذه المراكز، شحيحة وغير دقيقة.

وإذا ما سلمنا بدقة التقرير الصادر عن جامعة بنسلفانيا، فإن مستوى التفاوت في الكم والنوع، واسع وكبير، حين يتعلق الأمر بمجال الدراسات والبحوث، بين دول مجلس التعاون الخليجي وجوارها الإقليمي، وبشكل خاص بين دول المجلس و»إسرائيل» وإيران، البلدين اللذين نرتبط معهما بصراع حضارة ووجود، وتشكلان في سياساتهما تحدياً واضحاً للأمن القومي العربي، ولأمن الخليج.

وعلاوة على ذلك، فإن معظم مراكز الأبحاث والدراسات الخليجية، هي مؤسسات خاصة، أو أكاديمية، تعمل داخل حرم جامعات دول مجلس التعاون الخليجي، وصلتها بصانع القرار السياسي تكاد تكون معدومة. وذلك يعيق تنفيذها جزءاً مهماً وحيوياً من الرسالة المناطة بها. وتلك معضلة ينبغي التصدي لها، من خلال بناء الجسور بين هذه المراكز وصانعي القرار، في الدول الخليجية.

والنتيجة التي نخلص لها، أن مراكز البحوث في دول مجلس التعاون الخليجي، على أهمية ما هو متوقع منها، من مساهمة في صناعة القرار، لم تستطع أن ترتقي إلى المستوى المأمول، وربما يعود ذلك في أساسه إلى ضعف في مناهج العلوم السياسية، وتلكؤ القطاع الخاص في المشاركة بإنشاء مراكز أبحاث متخصصة؛ بسبب الخوف من الخسارة، وأيضاً بسبب تعقيد إجراءات الحصول على التراخيص اللازمة، وغياب التمويل، ما جعل هذه المراكز تنشأ بشكل كسيح في ظلال الجامعات والصحف والجمعيات الخيرية.

لكن ما يبعث على التفاؤل أن صورة المشهد قد بدأت بالتغير في السنوات الأخيرة، فقد برزت مع نمو وتطور الإعلام الفضائي أهمية ومكانة مراكز البحوث والتحليل السياسي، وبدأنا نرى تزايد الاهتمام بهذا الجانب من الأنشطة، ونشوء مؤسسات بحثية فردية، غير أن ذلك مازال دون المستوى المطلوب بسبب محدودية الإمكانات.

يضاف إلى هذا التطور تطور آخر مماثل، أخذ مكانه مع بدء المؤسسات الحكومية الرئيسية، كوزارات الدفاع والداخلية والخارجية، والاقتصاد، إيجاد أذرع بحثية داعمة، مستعينة في ذلك ببيوت الخبرة المحلية في مجال الأبحاث، كل بحسب مجال اختصاصه.

إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي "

العدد 5221 - الخميس 22 ديسمبر 2016م الموافق 22 ربيع الاول 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:54 ص

      قبل ستة أعوام اجتمع الباحثون العرب في المغرب و تحدثوا عن موضوع البحث في شتي المجالات. ما صدر عنهم في البيان ذكر بان معظم الدول العربية تعتبر الباحثين مشاغبين.
      لا عجب ان ينتهي بهم المطاف في الغرب و نتباهي بجنسياتهم الأصلية.
      لو كانوا بيننا لحصل لهم ما حصل لجميع و أكرر لجميع علماء المسلمين و العرب دون استثناء. حيث اعتبروا في زمانهم زناديق ، كفرة و دمهم حلال. اليوم جميع معاهدنا العلمية باسم هؤلاء الزناديق. هل تغيرنا ؟ او تغيرت طريقة تفكيرنا؟
      دعناساكتين حتي لا نهان بالعبارات الحديثة للزنديق.

اقرأ ايضاً