العدد 5281 - الإثنين 20 فبراير 2017م الموافق 23 جمادى الأولى 1438هـ

تنامي دور المؤسسات في خدمة التراث

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

بقي الاهتمام بالتراث العلمي للبحرين والمنطقة لعقود طويلة أسيراً للاهتمامات الفردية المحدودة، ومن الطبيعي أن يكون الاهتمام بهذا الحقل العلمي نخبوياً، وأن يحظى باهتمام فئة قليلة حتى من قبل المشتغلين بالبحث العلمي ممن يتعاطون بشكل أو بآخر مع قضايا التراث وشئون المخطوطات.

وكُنت قد أشرت في المقالين السابقين إلى بداية ظهور الاهتمام بجمع التراث المخطوط، والإرهاصات الأولى التي رافقته وشكّلت فيما بعد دوافع مُحفّزة لظهور طبقةٍ من المحققين والمهتمين بالتراث المخطوط، وبقي الحديث عن دور المؤسسات في هذا السياق وما أحدثته من تأثير.

لقد خطت جامعة الدولة العربية خطوة مبكرة في هذا الاتجاه بإنشائها العام 1946 معهد المخطوطات الذي هدف إلى جمع وفهرسة المخطوطات العربية، وقام هذا المعهد بجهد مشكور في جمع ما تيسّر له جمعه أو تصويره من المخطوطات المحفوظة في مختلف مكتبات العالم. وليس من المستغرب أن يعتمد المعهد في بداية نشاطه على عمل كارل بروكلمان (ت 1956) الرائد «تاريخ آداب اللغة العربية» في اختياراته، وأرسل بعثات لعدة أقطار لجمع المخطوطات.

وكان بروكلمان قد أحصى في مقدمة كتابه «تاريخ الأدب العربي» المكتبات التي تحوي المخطوطات العربية في مختلف أقطار العالم، فبلغ عددها مع فهارس المخطوطات مئة وثمانية وستين!

وأصدر المعهد مجلة فصلية باسم «مجلة معهد المخطوطات العربية»، إلى جانب نشرة دورية لأخبار التراث العربي، إلى جانب إقامة دورات تدريبية متخصصة بقضايا المخطوطات. وتأثرت البحرين والمنطقة بهذا التحوّل ناحية التراث والتقطت أول الخيوط، وبدأت تظهر بعض المبادرات في تأسيس المراكز والمؤسسات المعنية بالجوانب التاريخية والتراث، وكانت نقطة البداية في تأسيس مركز الوثائق التاريخية على المستوى الرسمي.

وما لبثت بعد ذلك أن ظهرت المبادرات الأهلية، فقد قاد الشيخ محمد المكباس بدءًا من العام 1989م/ 1409هـ، عدداً من المؤسسات انتهت جميعها في العام 2013م/ 1434هـ، إلى «مركز ابن ميثم البحراني للدراسات والتراث»، حيث أسّس دار التراث البحراني عام 1990م/ 1411هـ، التي أصدرت كتابين: «مقدمة الواجب» للسيد ماجد الجدحفصي، و»موسوعة شعراء البحرين»، ج1 فقط، ثم تحوّلت إلى «المركز العلمي للدراسات»، ثم تغيّر الاسم إلى «مؤسسة آل مكباس للطباعة والنشر»، قبل أن يستقرّ على الاسم الحالي.

وظهر «مجمع البحوث العلمية» الذي نشأ بجهد فردي للشيخ محسن العصفور في العام 1993، ويحتفظ المجمع اليوم بأكثر من مئة وثلاثين مخطوطة نفيسة من تراث البحرين العلمي كانت حصيلة جهود قاربت عشرين عاماً، تمكّن المؤسس فيها من جلب الكثير من النسخ الخطية المبعثرة والمشتتة في بعض الدول المجاورة.

وقدّمت «دار حفظ التراث البحراني» التي تأسست بجهود شخصية من السيد محمود الغريفي في سلسلة إصداراتها المتعددة جانباً من تراث البحرين العلمي. كما تأسّس «مركز أوال للدراسات والتوثيق» العام 2012 في بيروت.

وفي العام 2013م/ 1434هـ، أسّس الشيخ حسن بن علي آل سعيد والشيخ حسين بن إبراهيم كحليني «دار السداد لإحياء التُراث» التي أصدرت بعض الكتب من تراث الفقيه الشيخ حسين آل عصفور (ت 1802م/ 1216هـ).

كما برز مشروع «بيت البحرين للدراسات والتوثيق» المشترك بين «الجمعية الإسلامية» و»جمعية الشورى الإسلامية»، وكان من إصداراته: «صحابة نزلوا البحرين» و»علماء وأدباء البحرين في القرن الرابع عشر الهجري» للباحث بشار الحادي.

كما ظهر نشاط «مركز الإمام الصادق لإحياء تراث علماء البحرين» الذي تأسس عام 2014م/ 1436هـ بمدينة قم، الذي أصدر العدد الأول من مجلة «لؤلؤة البحرين» في محرم 1437هـ/ أكتوبر 2015م، ضمن حزمة مشاريع علمية يعتزم إطلاقها.

وفي المنطقة الشرقية ظهرت بعض المؤسسات العلمية كـ»مؤسسة المصطفى للتحقيق والنشر» (1425م/ 2004 هـ)، التي تأسست على يد الشيخ مصطفى آل مرهون، كما تم تأسيس مركز مستقل في بيروت باسم «شركة دار المصطفى»، و»مؤسسة الهداية»، و»مؤسسة طيبة لإحياء التراث» (2006م/ 1428هـ)، وكلا المؤسستين في مدينة قم المقدسة. كذلك ظهرت «مؤسسة الساحل لإحياء التراث» التي تأسست على يد الشيخ حبيب آل جميع في إيران سنة 1987م/ 1407هـ، وأصدرت عددها الأول من مجلة «الساحل» في شتاء 2007، ولازالت المجلة تصدر للعام الحادي عشر على التوالي.

ويمكن الإشارة إلى «مؤسسة الإحقاقي لإحياء التراث» التي نشطت في نشر تراث الشيخ الأوحد أحمد بن زين الدين الأحسائي (ت 1826م/ 1241 هـ) العلمي وتحقيقه، و»مؤسسة أم القرى للتحقيق والنشر»، التي ظلت تعمل من العام 1992م/ 1413هـ حتى 2011م/ 1432هـ، وكانت تعمل على تحقيق كتب التراث والمترجمة عن الفارسية. كما تأسست «مؤسسة ابن أبي جمهور الأحسائي لإحياء التراث»، عام 2012م/ 1433هـ، وهي مؤسسة علمية تُعنى بنشر وإحياء تراث علماء الأحساء، وبدأت بنشر تراث ابن أبي جمهور الأحسائي، من علماء القرن العاشر الهجري، وأصدرت دراسات رصينة بشأن فكره، وجاءت هذه المؤسسة بعد تعثر عمل مؤسسة أم القرى وتوقف نشاطها.

وساهم ظهور هذه المؤسسات في ظهور أربع نتائج: فبالإضافة إلى جمع المخطوطات وفهرستها، بدأ النتاج العلمي المخطوط يظهر محققاً في طبعات حديثة، كما بدأ الوعي التاريخي يتزايد عند العامة والمهتمين، وبدا واضحاً أن العدد المتزايد من المؤسسات أوجد واقعاً ثقافياً جديداً، فنشأ تعاون علمي بين هذه المؤسسات والمراكز على صعيد تبادل المهارات والخبرات وذخائر التراث والمخطوطات.

وكان من نتائج هذا الوضع الجديد أن بدأت تظهر تباعاً فهارس للمخطوطات البحرينية، لعلّ أوّلها إصدار مركز الوثائق التاريخية «فهرس مخطوطات البحرين» لعلي أبا حسين الذي صدر العام 1983 في جزأين، وضَمَّ وصفاً لعشرات المخطوطات من مكتبات البحرين العامة والخاصة، يليه: «فوائد الأسفار في وصف مخطوطات علماء البحرين الأبرار» لمحمد عيسى المكباس (1997)، وقد سبق هذا الكتاب كتاب آخر أصغر حجماً وطبع بشكل محدود، وهو كتاب «المرشد إلى مخطوطات علماء البحرين»، كما أصدرت مؤسسة طيبة لإحياء التراث «فهرس مصورات المخطوطات» بإشراف الشيخ ضياء بدر آل سنبل (2008)، ولم تكن كل هذه الجهود تحدث بمعزل عن التأثر بتوسع حركة الوعي بإحياء التراث التي تجري تفاعلاتها بتنامٍ واضطرادٍ في العالمين العربي والإسلامي.

وهكذا نرى أن هذه المؤسسات ساهمت، على اختلاف توجهاتها وأهدافها ومجالات اهتمامها، في تعزيز الوعي بأهمية التراث العلمي في البحرين والتعريف به وتعزيز مكانته، وهي مرحلة تتطلب عملاً دؤوباً ومضنياً لتحقيق جزء مما بلغته تجارب دول أخرى في الجوار سبقتنا في هذه المضمار.

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 5281 - الإثنين 20 فبراير 2017م الموافق 23 جمادى الأولى 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 4:46 ص

      لك جزيل الشكر و التقدير أستاذي وسام السبع على جهودك المثمرة لتوثيق تراث بلدان و نأمل تكاتف الجهود بإنشاء مجمع متكامل يضم جميع الباحثين و المهتمين بهذا المجال لخدمة الأجيال القادمة و لكم جميعاً التوفيق و سدد الله خطاكم

    • زائر 1 | 2:22 ص

      سرد توثيقي جيد وجهود مشكورة
      بارك الله في جميع من يعمل على حفظ التراث والتاريخ

اقرأ ايضاً