العدد 5299 - الجمعة 10 مارس 2017م الموافق 11 جمادى الآخرة 1438هـ

حوار خطير

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ستيفن هادلي، شخصية سياسية أميركية من عظام الرقبة في بلادها. عَرَفَ العمل التنفيذي في الإدارات الجمهورية الأميركية المتعاقبة منذ منتصف سبعينات القرن الماضي ولغاية حقبة بوش الابن، حين أصبح مستشاراً له لشئون الأمن القومي. وتردد اسمه قُبيل مجيء الإدارة الحالية (ترامب) كي يتولى منصب وزير الدفاع، لكن الحسابات الداخلية عند الجمهوريين حالت دون ذلك.

في المحصلة، هو شخصية مهمّة جداً، وما يُدلي به من تصريحات يجب أن يؤخَذ بغير استسهال. قبل أيام، أجرى الزميل مصطفى الدسوقي مقابلة مع ستيفن هادلي نُشِرَت في مجلة المجلة تحدث فيها عن موضوعات عِدَّة، كثيرٌ منها يدعو للتأمل والنظر، فما تحدث به يخص منطقة الشرق الأوسط ومشاكله، وتحديداً الخليج العربي، والسياسات الأميركية الجديدة مع إيران وسورية وغيرها.

وما يزيد من أهمية حديثه هو عمله اليوم ضمن ما يُسمّى بالعقول الرديفة في السياسة، إذ يرأس هادلي (مع وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت) فريقاً متخصصاً يدرس شئون الشرق الأوسط. وهو ذات الفريق الذي أعدّ تقريراً للإدارة الأميركية يُحدّد فيها ما يُمكن أن يُعتبر تعاملاً استراتيجياً خلاقاً مع الشرق الأوسط، وقد تبنى نشره المجلس الأطلسي (Atlantic Council) ومقره واشنطن.

وعلى رغم قيام هادلي باستخدام عبارات «مُخففة» و»منعّمة» إلاّ أن الرسائل عادة لا تُستَل من هكذا جُمَل، بل من خلال ما يقوله بشكل صريح وأكيد بشأن الكثير من الملفات الساخنة في المنطقة. فالأميركيون عادة ما يقومون بذلك بهدف عدم استفزاز الآخر، لكنهم وفي ذات الوقت يطرحون أفكارهم وبرامجهم من بين شقوق تلك العبارات الناعمة التي لا يُقرأ خط صورتها.

في ثنايا الحوار، علَّق هادلي على طريقة التعامل الأميركي مع الدور الإيراني في المنطقة والموقف من الميليشيات التي تدعمها طهران بالقول «أعتقد أن المعادلة هي أنك لن تستطيع إنهاء هذه الحروب الأهلية دون إطار عمل إقليمي ترغب فيه الأطراف الخارجية في الحفاظ على تسوية سلمية، وجزء منها سحب دعمها للمقاتلين».

ثم حَصَرَ الوسائل كلها في وسيلة واحدة تقوم على وجود عملية سياسية لا تقف على الداخل وبدء «الأطراف في التحول بعيداً عن العنف والقبول بالحل السياسي، بل يجب أن يكون هناك اتفاق بين القوى الخارجية على أن تقبل تلك النتيجة وتدعمها، وأن تتوقف عن تقديم السلاح إلى فصيل طائفي معين».

ثم أضاف (وهو المهم) بطرح هذا السؤال «هل تستطيع أن تجد سبيلاً لوضع بعض المصالح الإيرانية المشروعة في الحسبان مع تقييد مصالحهم غير المشروعة وإيقافها. إنه تحدٍ أمام الدبلوماسية». وهنا، يعيد هذا القول تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب النارية بشأن إيران إلى المربع الذي كانت عليه إدارة أوباما. إذ إن اعتماد الأميركيين هو على الدبلوماسية، وأن هذه الأخيرة ستعني الحوار، وبالتالي التفاوض لتحديد المصالح ونقاط الاشتراك، فما الذي تغيَّر إذاً؟

يتحدث هادلي عن تدخل أميركي في المنطقة ولكن بطريقة ناعمة. هو يقول: «أمضينا فترة طويلة أثناء هذه الدراسة (التي أعدوها) في استشارة خبراء من الشرق الأوسط. وقمنا بزيارات كثيرة إلى المنطقة. وتحدثنا مع قادة. وضممنا مسئولين سابقين في مجلس استشاري. كانت لدينا فرق عمل تضم خبراء من أميركا وأوروبا والمنطقة» والهدف من ذلك هو كي يضعوا «المسار في اتجاه أكثر إيجابية» على حد قوله.

يُورِد هادلي ذات المفردات التي استخدمها المحافظون الجدد في مشروعهم لتغيير الشرق الأوسط، ومَنْ جاؤوا بعدهم، مثل تطبيق الحكم الرشيد لدى الحكومات العربية وإشراك الشعوب في الحكومات وإنتاج حكومات خالية من الفساد. بل قال أكثر من ذلك حين دعا إلى «نشاط يبدأ من أسفل إلى أعلى» عبر إنشاء منظمات مجتمعية يجب أن تُدعَم، داعياً الحكومات إلى قبول ذلك لأنه سيساعد على «التغيير الاجتماعي المطلوب»، وأن «شعوب المنطقة سوف ترسم مستقبلها الخاص».

حديث هادلي في هذه المقابلة يجرني إلى منتظَم خطابي دأبَ عليه الرجل منذ سنوات. ففي لقاء معه في أغسطس/ آب من العام 2013 مع قناة الحرة، قال هادلي بأن الولايات المتحدة الأميركية كانت تحافظ على مصالحها من خلال التحالف مع النظم السلطوية، لكن «لم يكن بالإمكان الاستمرار» في ذلك؛ «لأن الحرية والعدالة والكرامة كانت ضرورية للشرق الأوسط على المدى الطويل».

وفي شهر نوفمبر الماضي، حصلت «رويترز» على تقرير ساهَم هادلي في إعداده يدعو فيه الولايات المتحدة إلى «دعم الإصلاح الداخلي في جميع أنحاء» منطقة الشرق الأوسط. في المحصلة، فإن الذي يبدو أن الإدارات الأميركية المتعاقبة لا تُبدّل في أصل ثوب سياساتها العامة بل في أزرارها لا أكثر. فما حدّده بوش ولم يُنفذه، فعله أوباما، وما لم يدركه الأخير سيفعله ترامب وهكذا دواليك.

فما جرى في الاتحاد السوفياتي في العام 1991 كان قد أعِدّ له منذ نهاية أربعينات القرن الماضي. وما جرى في العراق في العام 2003 كان قد أعِدّ له في العام 1989. هم لا يحتاجون سوى إلى فترة إنضاج للظروف كي يفعلوا ما خططوا له. وهي سياسة دأب عليها الأميركيون منذ أزيد من قرن.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 5299 - الجمعة 10 مارس 2017م الموافق 11 جمادى الآخرة 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 11:39 م

      استراتيجياتهم جداً دقيقة ومبنية على دراسات تمهد لهم الظروف لحماية مصالحهم لآجال قادمة في نهج تطبيقي مواكب للاجواء في زمنها. ولكن تبقى منطقة الشرق الأوسط عصية عليها أكثر من أي مكان اخر تدخلت فيه. والسياسة الإيرانية والثورة والممانعة خلقت تحديا مستعصي لم يكن في الحسبان.

اقرأ ايضاً