العدد 5309 - الإثنين 20 مارس 2017م الموافق 21 جمادى الآخرة 1438هـ

الحاج عبدالله ومكتبة الريف الثقافية

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

ارتبطت سمعة «مكتبة الريف الثقافية» بالقرية البحرينية؛ ذلك أنها أول مكتبة لبيع الكتب والمجلات الثقافية تفتتح في منطقة جدحفص وقرى البحرين على طول الساحل الشمالي للبحرين الممتد من العاصمة المنامة حتى آخر نقطة على شارع البديع، وذلك العام 1959 حسبما أكد صاحب المكتبة ومؤسسها الحاج عبدالله عبدالرسول مُدّ في عمره.

ولأكثر من 48 عاماً متواصلة عرف أهالي قرى جدحفص وسنابس والديه والقرى المجاورة مكتبة الريف التي كانوا يشترون منها اللوازم المدرسية لأبنائهم، إلى جانب توفير المجلات الثقافية والفنية والأدبية من الوكيلين المعتمدين للمجلات والصحف في البحرين وهما: «المكتبة الوطنية» للصحف المصرية، و»الشركة العربية للوكالات والتوزيع - مكتبة العليوات» بالنسبة للصحف اللبنانية؛ كما كانت تشتري الكتب من «مكتبة البحرين» للمرحوم الأستاذ محمد المهزع الذي كان مدرساً للغة العربية في مدرسة الخميس، و»المكتبة الإسلامية» للمرحوم الحاج عبدالوهاب عباس الذي كان يستورد كتبه من العراق ولبنان وإيران والهند، وكان يمدّ المكتبات المحلية بما تحتاجه من الكتب في مختلف مجالات المعرفة.

وفي ستينات القرن الماضي، عندما كان المدّ القومي يغمر المنطقة العربية، كان للصحف والمجلات المصرية كـ»المصوّر»، و»آخر ساعة»، و»صباح الخير»، و»روز اليوسف» وغيرها رواج كبير نتيجة للشعبية الجماهيرية الجارفة للزعيم جمال عبدالناصر، وكان الشباب والمثقفون يُقبلون بحماس منقطع النظير على شراء عدد نهار الجمعة من صحيفة «الأهرام» لقراءة مقال «الأستاذ» محمد حسنين هيكل.

هذا التلهف للمعرفة عند الشباب، دفع بصاحب المكتبة الحاج عبدالله عبدالرسول في نهاية الستينات إلى تنفيذ مشروع طموح يهدف إلى توسيع دائرة القرّاء، وتشجيع الأهالي على القراءة بفتح غرفة ملاصقة للمكتبة، وجعلها غرفةً للمطالعة، حيث يستطيع كل فرد أن يطالع جميع الصحف والمجلات مقابل مبلغ رمزي قدره 25 فلساً.

وفي مطلع الثمانينات بدأت المكتبة –بعد حصولها على سجل تجاري - باستيراد الكتب من الخارج، وأخذت تتعامل مع دور النشر اللبنانية، وكانت «مؤسسة الأعلمي للنشر» من أوائل دور النشر التي تعاملت معها المكتبة، ثم اتسع نطاق التعاون ليشمل مكتبة «دار البلاغة»، و»دار الأضواء»، و»دار الهلال» ودور النشر الأخرى.

وفي غضون تلك السنوات قامت المكتبة بمساعدة عددٍ من المؤلفين والشعراء والخطباء البحرينيين في طباعة كتبهم في بيروت بأسعار أرخص بكثير من المطابع البحرينية، وكان من الطبيعي أن تعزّز المكتبة من حضورها المحلي لتسويق الكتاب، من هنا دأبت منذ الثمانينات على المشاركة في معارض الكتاب المحلية والدولية.

وهكذا ساهمت المكتبة في إشاعة الثقافة، وتشجيع الشباب على القراءات الأدبية والفكرية، والاطلاع على الصحف والمجلات العربية واستمرّت في توفير الكتب في شتى حقول المعرفة، ولعلّ المكتبة - وفق رواية المؤسس - تُمثل خير شاهد على طبيعة التحولات الفكرية التي شهدها المجتمع البحريني منذ منتصف القرن الماضي حتى الثمانينات، فبعد أن كانت الكتب السياسية والأدبية تتصدّر اهتمامات الجيل الشاب، تبدلّت تلك الاهتمامات بشكلٍ درامي سريع، لصالح الفكر الإسلامي، الذي شهد انبعاثة ضخمة على وقع التغيير الهائل الذي أحدثته الثورة الإسلامية في إيران في العام 1979.

كانت المكتبة شاهداً على هذا التحوّل، وبعد أن كان الكتاب الإسلامي بضاعةً غريبةً في سوق ليس له فيها مكان، بات - دون مقدمات - السلعة المقروءة «الأكثر مبيعاً» في ظل تراجع كبير لكتب الأدب والفكر والسياسة. وفي العام 1976 أقدم الأستاذ علي الشرقي على افتتاح «مكتبة دار أهل البيت» في ذات المنطقة لتلبية الرغبة المتزايدة لدى شرائح المجتمع المختلفة، المتعطشة للثقافة والإطلاع على ما تخرجه مطابع لبنان من جديد الكتب.

وعلى رغم التوسع الملحوظ في عدد المكتبات المحلية حينها؛ إلا أن مكتبة الريف ظلّت محتفظةً بدورها الريادي المتواصل في توفير الكتب الثقافية والدينية، اعتماداً على خبرتها وسمعتها في الأوساط المحلية، واستمرت تقدّم خدماتها للأهالي إلى أن أُغلقت في يوليو/ تموز 2006 بسبب تردّي الأوضاع الأمنية على خلفية حوادث التسعينات، ليُعاد فتحها من جديد - بعد إغلاق استمر أكثر من تسع سنوات – وذلك في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني 2015.

تمكنت المكتبة خلال أكثر من ثلاثة عقود، من طباعة ونشر عدد من الكتب والإصدارات الإسلامية، وأخرى لشعراء وأدباء بحرينيين، وكان أول كتاب نشرته مكتبة الريف عبارة عن كتيب صغير يضم «دعاء كميل ودعاء الصباح»، وذلك في العام 1986 بالتعاون مع «دار البلاغة» في بيروت، وأعقب هذا الاصدار ديوان الشاعر البحريني عبد الشهيد الثور «الدموع الجارية» في ثلاثة أجزاء، وبعض كتب الأدعية الدينية، إلى جانب عدد آخر من كتب المراثي الحسينية، والجلوات الإسلامية التي كانت تقرأها النساء في الأعراس في العقود السابقة، قبل أن تظهر الإصدارات الصوتية الممنتجة لأشهر المنشدين الدينيين. كما نشرت المكتبة «رواية فاطمة الزهراء» للحاج محمد إبراهيم النجار، إضافةً إلى «مذكرات بلغريف» مستشار حكومة البحرين الذي تصدّى الباحث المترجم مهدي عبدالله – نجل صاحب المكتبة – إلى ترجمتها للعربية وإصدارها في كتاب بعد أن نشرت حلقاتها في مجلة «صدى الأسبوع» البحرينية.

وقد توسّع بعد ذلك نشاط المكتبة في مجال النشر والتوزيع، واكتسبت ثقة دور النشر في الخارج التي أخذت تتعاون مع المكتبة في توزيع ما يصدر عنها من كتب وإصدارات جديدة، كما تعاونت المكتبة في نشر بعض إصداراتها مع المطابع المحلية كمطبعة الهاشمي، وقد حصلت المكتبة - بما تحقّق لها من سمعة جيدة - مطلع تسعينات القرن الماضي وكالة لتوزيع مجلة «الموسم» التراثية المصوّرة التي كان يصدرها من هولندا – ولايزال – الأستاذ محمد سعيد الطريحي، إضافةً إلى توزيع «تقويم العجيري» للفلكي الكويتي المعروف صالح محمد العجيري الذي كانت حكومة البحرين تعتمده في السابق.

ولم تقتصر مكتبة الريف على بيع الكتب واللوازم المدرسية لأبناء المنطقة فحسب، بل شمل نشاطها تزويد مدارس المنطقة وأنديتها بالصحف والقرطاسية منذ الستينات، وطباعة الكتب للمؤلفين البحرينيين في مطابع محلية أو في بيروت ومتابعة شحنها، وتوفير الطوابع البريدية حين كان لإدارة البريد وكلاء محددون لبيع الطوابع في مدن وقرى البحرين، وكانت مكتبة الريف أحد هؤلاء الوكلاء.

ومن خلال المكتبة تعرّف الحاج عبد الله على الكثير من الأدباء والمؤلفين البحرينيين الذين كانوا يتردّدون على المكتبة بشكل متواصل، وكان منهم المرحوم الشاعر إبراهيم العريض والملا محمد علي الناصري الذي طبعت له المكتبة بعض الكتب في بيروت وآخرون.

وُلد الحاج عبدالله عبدالرسول محمد علي الجدحفصي العام 1935، ودرس في مدرسة الخميس الابتدائية حتى الصف الخامس الإبتدائي، وهو آخر صف في المدرسة، ثم التحق في سن مبكرة من حياته جابياً لرسوم البيوت ببلدية المنامة، ثم كاتباً لسجل الجُباة. وفي العام 1980 تقاعد من البلدية بعد خدمةٍ استمرت ثلاثين عاماً، وكان له دور اجتماعي مهم في «الجمعية الحسينية» في جدحفص، حيث كان من الوجوه التأسيسية البارزة فيها، كما يُعد أبو مهدي من المؤسسين البارزين لنادي جدحفص، ومن المؤثرين على مجرى الحياة الثقافية والأدبية ليس في منطقة جدحفص فقط؛ بل على مستوى البلاد.

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 5309 - الإثنين 20 مارس 2017م الموافق 21 جمادى الآخرة 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 9:32 ص

      من منارتي مسجد ابوزيدان إلى نبع ابوزيدان اي مسجد الخميس اليوم. فيقال ان من اعلام البحرين كان العلامه الشيخ حسين العصفوري الدرازي الشاخوري. في الكنايات الثلاث للشيخ حسين الذي كان في بلاد القديم عاصمة جزر اوال التي كانت مناره للعلم. وهذا لم يكن الا بجهد من اسس صرح المشهد الزيداني الذي يعرف اليوم بمسجد الحميس ولا يعرف مسجد الجمعه. فتاريخ الجزيرة الخضراء ايام مملكة العيونيين كان شاهدا عن اهل العلم ولم تكن جزر اوال للتجاره فقط . يعني كما كانت زراعه كان صناعه ومهن او صناعات يدويه وعلم وطلاومعلمون

    • زائر 6 | 6:36 ص

      شكرا للأستاذ وسام السبع على هذا المقال التوثيقي القيم الذي إلقى الضوء على مكتبة الريف الثقافية وصاحبها الحاج عبد الله عبد الرسول اطال الله في عمره واوضح الدور الكبير الذي قامت به المكتبة في نشر الثقافة وتنوير الشباب منذ نهاية الخمسينات حتى الآن علاوة على توفير المستلزمات المدرسية وتشجيع الطلبة والطالبات على الدراسة.هذا الرجل يستحق التكربم من بلدته ووطنه وهو جدير بذلك.

    • wessam abbas زائر 6 | 8:35 ص

      شكرا لكم ولمتابعتكم

    • زائر 5 | 4:46 ص

      نحن في جدحفص نفخر بمثل هذه الشخصيات التي لطالما أعطت وأنارت لجيل لطالما كان الكتب صنوانه الى هذا اليوم نشكرك يا حاج عبدالله على ما عودتنا عليه من ثقافة و حلاوة في قراءة الكتب والأخبار كنت وما زلت فخراً لنا

    • زائر 4 | 4:26 ص

      شكرا جزيلا للكاتب المبدع أبي علاء على ما سطرته أنامله من حروف وكلمات ذات معان كبيرة في حق هذه المكتبة العريقة وصاحبها الاستاذ الكبير الذي ساهم في نشر العلم والثقافة في مدينة العلم والعلماء وما حولها في العصر الحديث، نعم كان لمكتبة الريف دورا بارزا في توفير مختلف أنواع الكتب والمجلات والقرطاسية بل وساهم في دعم مكتبة النادي بما تحتاج. افتتحت بنفس الفترة مكتبة الزهراء على يد الأستاذ الكبير حسن علي السعيد ولكن لم تدم طويلا وأفتحت بنفس الفترة ايضا مكتبة جمعية جدحفص الأدبية وهي خاصة وللإستعارة فقط.

    • wessam abbas زائر 4 | 11:29 ص

      اضافة قيمة.. شكرا جزيلا لك

    • زائر 3 | 3:45 ص

      شكر جزيلا للصحافي المتميز وسام السبع علي المقابله التراثيه لصاحب مكتبه الريف الثقافيه الحاج عبد الله والله يطول بعمره بالاشك اسم الريف اسم علا مسمي لانها تقع علي شارع المتد من المنامه الي البديع وسميت بالاسم ، وشهره المكتبه علي المستوي الداخلي والخارجي ومشاركته للمعارض الداخلية والخارجية فهي غنيه عن التعريف فاتحيه للربان السفينه وصاحبها الحاج عبد الله

    • زائر 2 | 2:11 ص

      ونعم والله بو مهدي

    • زائر 1 | 1:36 ص

      اتمنى لصاحب المكتبة الحاج عبداللة التوفيق

اقرأ ايضاً