العدد 5315 - الأحد 26 مارس 2017م الموافق 27 جمادى الآخرة 1438هـ

لو كان الأمر بيدي

صالح حسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

فكرة تراودني كلما سمعت المناقشات التي تدور حول مصاريف الموظفين والزيادة التي تطرأ عليها نتيجة الحالة الاقتصادية، والحاجة في نظر البعض لتقليص مصاريف الموظفين لزيادة أرباح الشركات. حتى موضوع الزيادة السنوية لمواجهة غلاء المعيشة - والتي هي بين 3% و4% - تساق حجج كثيرة لتفادي دفع هذه الزيادة مع أن النسبة نفسها قد لا تكون دقيقة ويكون في الغالب معدل الغلاء أكبر من ذلك.

وللأسف الشديد عندما تتعرض الشركات لنقص في الأرباح فإن مديري الشركات يتوجهون أولاً لتقليص العمالة لتخفيض النفقات. بمعنى أن الموظفين هم «الحيط الواطي» أو بالتعبير الجاري هم «الحيطة أو الطوفة الهبيطة».

ولذلك نرى أن المشكلة ربما هي متعلقة بفهم الناس لطبيعة وأهمية العنصر البشري وأن أية مصاريف أو تعويضات تدفع للعاملين هي استثمار وليست مصاريف. ولكن الجميع يعتبرها مصاريف فلذلك يتم تخفيضها عن طريق الاستغناء عن الموظفين بسهولة، من غير التفكير أولاً بتخفيض نفقات أخرى يمكن الاستغناء عن الأوجه التي تصرف فيها.

ولذلك لو كان الأمر سهلاً وبيدي لطالبت بتغيير المسميات المحاسبية المتعلقة بتكلفة العاملين من مصاريف الموظفين إلى مصاريف الاستثمار في العنصر البشري أو الاستثمار في رأس المال البشري. وربما فكرت في تقييم هذا العنصر بما يملكه من خبرات متراكمة نتيجة لممارسة العمل والتدريب والتطوير، وعكست نتيجة التقييم في الحسابات المالية للشركة مثل ما تسجل في الدفاتر التغييرات التي تطرأ على القيمة السوقية لمختلف أنواع الاستثمارات.

الحقيقة، يمكن أن ندخل بعض التعابير الإنسانية في المعايير المحاسبية لنجعلها إنسانية أكثر ونسمي الأمور والأشياء بمسمياتها بدلاً من استخدام مسميات متعلقة بأمور الموظفين في غير سياقها الصحيح. فمساواة المصاريف الأخرى من ناحية التسمية بمصاريف العنصر البشري فيه إجحاف كبير.

العنصر البشري هو الأساس في رسم وتحقيق أهداف الشركات والمؤسسات، وحتى في حالة تعرضها للخسارة فإنه تناط به مسئولية إدارة الشركات وتغيير مسارها من الخسارة إلى الربح. لذلك وجود العنصر البشري وتكلفته هو استثمار للشركة لتحقيق أهدافها المستقبلية. ولا يجب أبداً أن نساوي في التعريف بين تكلفة ومصاريف تشغيلية متعلقة بالأجهزه والمباني وغيرها، وبين ما يدفع للعاملين. فما يدفع لهم هو استثمار للمستقبل ويفضل أن يسجل في دفاتر الشركة. فالمصاريف التي تدفع - على سبيل المثال - لتدريب العاملين وتطويرهم هو استثمار للمستقبل ليكون أداؤهم أفضل. فكيف نقبل أن تسجل مصاريف الشركة التشغيلية وما يدفع للعاملين تحت نفس المسمى وهي «مصاريف».

عندما تشتري الشركة جهازاً أو أرضاً أو سيارة، فإن تسجيلها في الدفاتر يتم تحت مسمي «أصول» تعمل لها مخصصات استهلاك على عدد معين من السنوات طبقاً لنوعية الأصل. أما ما ندفعه من مبالغ لتطوير قدرات الموظفين، فإنه يسجل كتكلفة موظفين ويخصم من حسابات الشركة في نفس الوقت الذي يتم فيه دفع مصاريف التدريب. بينما تدريب الموظفين هو استثمار في قدرات الشركات، وله مردود على الشركة لعدة سنوات، أو لنقل على عدد السنوات التي يقضيها الموظف في خدمة الشركة. وحتى لو ترك الموظف الشركة، فإنه في الغالب سيعمل في شركة أخرى في البلد. وهذا يعني أن تنقله من محل عمل إلى آخر في نفس البلد هو قيمة مضافة مشفوعة بالخبرة التي يكتسبها الموظف من مختلف الشركات التي يعمل بها.

إن أهمية العنصر البشري في كل مناحي الحياة والعمل التجاري لا تقدر بثمن، حيث يأتي في مقدمة مستلزمات الإنتاج ،وهو الأساس في خلق وإدارة الشركات.

أنا أقدر تماماً تكلفة العنصر البشري، والحاجة في بعض الظروف إلى تقليص العمالة، ولكن يجب الآ يتم ذلك بطريقة آلية. فيجب قبل إتخاذ قرار الاستغناء عن خدمات الموظفين، الذين بذلت الشركة أموالاً طائلة لتدريبهم وتطويرهم، بأن يتم أولاً دراسة أوجه المصاريف الأخرى والتي عندما يستغنى عنها توفر بعض الأموال للشركة. ثم إذا رأت الإدارة أن تقليص الموظفين هو أحد الحلول لاستمرارية الشركة، فيتم ذلك بطريقة مهنية عالية مع دفع التعويض المناسب للمستغنى عن خدماتهم.

وهذا يأخذنا إلى موضوع مهم سوف نتطرق إليه مستقبلاً، ألا وهو موضوع صناديق الادخار لدى الشركات. إن الشركات التي تهتم بالاستثمار في العنصر البشري لا تغفل أبداً أن تخطط للمستقبل بإدخال برامج تحفيز وتعويضات لموظفيها، بحيث إذا دعت الحاجة لترك الخدمة أو الاستغناء عنها نتيجة لظروف مختلفة كما شرحنا أعلاه، فإن برامج وصناديق التوفير تساهم بقدر كبير في تعويض العاملين وتزيح عن عاتقهم الكثير من تأثير صدمة الاستغناء عن الخدمة.

إقرأ أيضا لـ "صالح حسين"

العدد 5315 - الأحد 26 مارس 2017م الموافق 27 جمادى الآخرة 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 3:51 ص

      بالعكس تماما
      عندنا نظرية بأنه عندما تستغني عن موظف فأنك تستطيع ان تأتي بعشرة يشتغلون براتبه
      ولذالك الشركات والمؤسسات البحرينية مكانك قف

    • زائر 2 | 3:27 ص

      ابا اياد عفوا ......اني اسمعك تأذن في خرابة

    • زائر 1 | 1:11 ص

      لقد اصبت في كلامك :الخبرات المكتسبة والقدرات التي يحصل عليه الموظف يجب ان تثبت من ضمن اصول الشركة فبهذه الخبرات ترتقي وترتفع وتنموا الشركات والمؤسسات والبنوك وغيرها.
      المشكلة الأكثر من التصنيف (جزء من المصاريف او جزء من الاصول) هي التفريط في هذه الخبرات فكثيرا ما يحصل في معظم الشركات الاستغناء عن خدما شخص له من الخبرة والقدرة والمعرفة بالعمل حيث يقوم بعمل جبار في زمن قياسي يعجز عن القيام به الموظف الجديد اضعاف الوقت .
      هناك طرق للاستفادة من اصحاب الخبرة حتى ولو احيلوا على التقاعد

اقرأ ايضاً