العدد 5327 - الجمعة 07 أبريل 2017م الموافق 10 رجب 1438هـ

روحاني ورئيسي... صراع العِمَامَتَيْن

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

سأروي لكم حكاية حدثت قبل سنوات. فخلال ترشُّح الرئيس الأسبق محمد خاتمي لانتخابات الرئاسة في إيران كان مقرراً له أن يُلقِي خطاباً بأحد مساجد مدينة مشهد يُدعى حوض لقمان. وعندما نهَضَ خاتمي كي يُلقِي كلمته المقررة، دَخَلَ رجلٌ كَهْل إلى المسجد وأمسك بالمايكرفون وصاح بأعلى صوته: «أنا أبٌ لشهيدٍ ولِمُعوّق»! ثم أشار بيده إلى خاتمي وقال: «رأيت لهذا قرابة العشرين مُلصَقاً دعائياً، قال في واحد منها بأن المرشد الأعلى هو الذي سَمَحَ له بالترشُّح والمجيء إلى هنا. وهو يهدف من ذلك إلى استغلال أمثالي، وكذلك استغلال عوائل الشهداء المساكين».

ثم أضاف: «هل تعلمون بأنه وخلال وزارته كان يسمح لصحف بأن تصدر وهي تعادي الإمام علي بن أبي طالب، وعندما اعتُرِضَ عليه أجاب: نحن مَنَحنَا الحرية لهؤلاء، وفي قِبالهم نسمح لكم أنتم أيضاً بالكتابة ضدهم. كلا... سأصرخ حتى تتمزق حُنجِرتي في سبيل الثورة وفي سبيل خامنئي. لماذا يدعمك الطلبة غير السائرين على نهج الإمام ولا يدعمك الناس الصالحون؟!». انتهت.

أذكر هذه القصة مستحضراً معها ظروف تلك الفترة حين كان الصراع بين التيار المعتدل والمتشدد في أوجِه. وكانت القوى المحافظة تعمل جاهدة للحيلولة دون فوز محمد خاتمي لكنها لم تُفلِح لا في الدورة الأولى ولا في الثانية. وكان ذلك الخطاب الذي تفوّه به الرجل الكهل يتفق وأدبيات ذلك الصراع حين استخدم عبارات تنطوي على رسائل دينية بشأن المقدسات لتهشيم صورة خاتمي أمام الناخبين.

وللعلم فإن تلك المعركة وبخطاباتها الدعائية المعتمدة على الدِّين لم تقتصر على المحافظين فقط، بل حتى الإصلاحيين، الذين رفعوا شعار المفاضلة ما بين عمامة خاتمي السوداء وعمامة ناطق نوري البيضاء، وكيف أن الأولى هي تعبير عن انتماء خاتمي لسلالة النبي محمد (ص) وأن ناطق نوري لا يتمتع بذلك «الشرف». وقد لاقت تلك الدعاية صداها في المجتمع الإيراني بل وحتى داخل أنصار المحافظين.

اليوم ونحن نسير في العام 2017 تبدو المعركة مختلفة استعداداً للانتخابات الرئاسية الثانية عشرة القادمة والتي من المقرر أن تُجرَى في 19 مايو/ أيار المقبل. فأغلب المرشحين هم من اليمين المحافظ. ولأنهم كذلك فلا يبدو خطاب المزايدة على الدِّين حاضراً كما هو مع الإصلاحيين. وبالتالي تصبح المفاضلة على أشياء أخرى ذات صلة بالسياسة والقضايا الاقتصادية والاجتماعية.

قبل أن أشرع في كتابة هذا المقال كانت «الجبهة الشعبية لقوى الثورة الإسلامية» اليمينية (جمنا) قد أعلنت انتخابها لخمسة مرشحين لخوض المنافسة، وهم حجة الإسلام إبراهيم رئيسي، وعلي رضا زاكاني، ومهرداد بذرباش، ومحمد باقر قاليباف وبرويز فتاح. وحسب عضو الجبهة مهدي جمران فإن أربعة من المرشحين الخمسة سينسحبون من الانتخابات لصالح شخص واحد يُتوافَق عليه.

لكن لم يتحدث أحد من الجبهة عن اسم حسن روحاني ولا عزت الله ضرغامي ولا محمد زاهدي ولا حميد بقائي ولا محمد غرضي ولا مصطفى مير سليم ولا سعيد جليلي ولا علي مطهري ولا رستم قاسمي ولا حميد رضا حاجي بابائي ولا علي نيكزاد وجميعهم من التيار المحافظ، وما هو مصيرهم ضمن مسطرة الترشيح الحزبية!

هنا أجد قراءتين لذلك المشهد المضطرب: إما أن المحافظين يرومون بذلك حجز الأصوات بشكل مبدئي من خلال حصرها في مرشحين محسوبين عليهم في قِبال مرشحي التيار المعتدل الأربعة وهم محمد زارع فومني ومحمد أشرفي إصفهاني وأمر الله شيخياني ومصطفي كواكبيان، على أن يُضيّقوا خياراتهم بالانسحابات المتوالية لصالح مرشح واحد في الختام، أو أنهم منقسمون فعلاً، وخصوصاً أن أربعة من المرشحين ينتمون إلى تيار أحمدي نجاد (التعميريون)، فضلاً عن عدم التوافق على شخص حسن روحاني، الذي يعتبرونه أنه لم يعد يُمثل أهداف اليمين بشكل كامل وصارم. وهاتان القراءتان تحملان شيئاً من الصحة.

لكن الأهم من كل ذلك هو الهَمْس الذي يجري ومنذ فترة والمتعلق بشخص إبراهيم رئيسي، وهو رجل يتولى أهم منصب «روحي» في إيران وهو سدانة الروضة الرضوية في مشهد. لذلك هو يستمد قوته من أمرين. الأول أنه سليل المؤسسة القضائية الضاربة في إيران منذ الثمانينات، والآخر، أن تعيينه تواً كسادن للروضة الرضوية (عُيِّن في شهر مارس/ آذار 2016م) يمنحه تزكية غير مباشرة من المرشد قد تدفع إلى التسويق له من خلالها، يتولاها اليمين ومنتمو البسيج والحرس وغيرهم من القوة الخفية.

وكل مَنْ يتابع أخبار إيران الداخل يلاحظ كيف يتم إلباس الرجل هالة من التبجيل مرة بإعلانه الترشّح عبر وسيط، ومرة بإصدار 60 شخصية دينية بينهم آية الله مرواريد وحجة الاسلام مهدي ماندكاري وحجة الإسلام جعفر طباطبائي، وقبلها دعوة عدد من مكاتب الاتحاد الإسلامي للطلبة الإيرانيين تدعوه بقوة للترشح للانتخابات المقبلة. وفي جميع تلك البيانات كان يُوصَف الرجل على أنه المنقذ للمرحلة القادمة لإيران داخلياً وإقليمياً ودولياً.

والحقيقة أن هذا الترشيح المفاجئ لإبراهيم رئيسي سيجعل الرئيس حسن روحاني أمام تحدٍ حقيقي. وهو وقبل كل شيء إحراج له، فكأنما اليمين أراد إشعال نار حارقة تحت قدميه بترشّح رئيسي وحرمانه من الفوز. وإذا ما كان هناك من تنسيق حقيقي كي يفوز روحاني فإن على القوى الأخرى في اليمين التي دعمته، ومعها الأطراف المعتدلة في الإصلاحيين أن تعيد تموضعها على الخارطة الانتخابية كي يفوز صاحب العمامة البيضاء على صاحب العمامة السوداء هذه المرة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 5327 - الجمعة 07 أبريل 2017م الموافق 10 رجب 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 7:27 ص

      التغيرات الإقليمية لن تسمح بإعادة التوافق على روحاني هذه المرة، و بما أني لا أعتقد بوجود انتخابات في إيران اعتقد أن غاليبوف او رئيسي سيفوز. تبعا لما تقرره تطورات السياسة الخارجية.

    • زائر 6 | 5:02 ص

      كالعادة قدم لنا الكاتب مقال مثير للاهتمام واثبت بدون شك انه مراقب ممتاز للاحداث في الجمهورية الاسلامية في ايران ... تفاصيل دقيقة تصل الي المفاضلة بين العمامة البيضاء والسوداء في حكم بلد بحجم واهمية ايران

    • زائر 4 | 1:46 ص

      المهمّ ان ادارة دفّة السياسة تتغير من وقت لآخر وان لا تبقى حكرا على جهة معينة وان الجهاز التنفيذي يصبح كل فترة في يد تختلف في الكثير من الامور عن التي سبقتها في النهج والتطبيق والأولويات .
      هذا ما يزعج بعض الدول الغربية وايضا دول اخرى

اقرأ ايضاً