العدد 5336 - الأحد 16 أبريل 2017م الموافق 19 رجب 1438هـ

أمامك مليونا موظف يا فخامة الرئيس

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في الصحافة هناك كُتَّاب طارئون وآخرون متجذرون. الطارئون ليسوا هم بالضرورة أولئك الذين يخرجون فجأةً، بل هم المستسهلون والسطحيون. أما المتجذرون، فهم ليسوا معتّقين لزاماً، أو مضى على وجودهم في الصحف سنوات طوال، بل هم أولئك الذين اكتسبوا خبرات واسعة نتيجة العمل المكثف. جعلهم على دراية جيدة لأن يكتبوا ما هو أقرب إلى الحقيقة أكثر من غيرهم.

بناءً على ذلك فإني أفترض أن بنجامين والاس ويلز واحداً من أولئك الصحافيين المتجذرين. هو اليوم كاتب في مجلة «نيويوركر»، لكنه قبل ذلك كان مراسلاً وكاتباً في الـ «ورولينج ستون» والـ «نيويورك تايمز» ومجلة «نيويورك». كما زامل مؤسسة أميركا الجديدة. لذلك، اعتُبِرَ الرجل من أهم مَنْ يكتبون عن أميركا الداخل سياسة واجتماعاً. وهو من أدق المتابعين لأنشطة الحكومة الفيدرالية الأميركية.

قبل فترة كَتَبَ والاس ويلز مقالاً في مجلة «نيويوركر» عن الدولة العميقة في الولايات المتحدة الأميركية (THE DEEP STATE)، ولأنه عَلِيْمٌ فإن ما كتبه يُصبح مهماً للكثيرين ومن بينهم نحن العرب الذين يهمنا حكم ترامب بعد أن مَنَعَ 33.3 في المئة من بني جلدتنا من دخول الولايات المتحدة، ولكون منطقتنا العربية محل اهتمام الأميركيين.

ماذا يقول ويلز عن حكم ترامب؟ أهم ما يؤشر له هو انتقال الاستقطاب من الانتخابات إلى «الجهاز البيروقراطي للدولة الأميركية» الذي يضم مليونَيْ موظف. أول خطوة أظهرت تمرُّد منتسبي ذلك الجهاز هو ما قام به أعضاء في وكالة حماية البيئة الأميركية لعرقلة ترشيح ترامب لسكوت برويت والضغط عليه لكشف بريده الالكتروني للتأكد من مدى سلامة اتصالاته ومواقفه.

شكلٌ آخر من التمرُّد هو حين مَهَرَ 1000 دبلوماسي أميركي بوزارة الخارجية توقيعاتهم على مذكرة احتجاج على قرار ترامب بشأن الهجرة. أيضاً، ذات الجهاز المُشكِّل للدولة العميقة هو الذي سرَّبَ ما دار في الكواليس من هَسْهَسَة واتصالات قام بإجرائها الجنرال مايكل فلين مع السفير الروسي في واشنطن، إلى أن دفعه ذلك إلى الاستقالة من منصبه كمستشار للأمن القومي من إدارة ترامب، بعد ثلاثة أسابيع وبضعة أيام فقط على توليه هذا المنصب، ما شكَّل ضربة للإدارة الجديدة.

مثل هذه الحوادث تعيد إلى الأذهان صورة الدولة العميقة في الدول الشمولية التي تستطيع فيها جوقة صغيرة تعمل في سياق أحلاف داخلية على «فرض إرادة خفيّة»، أو كما يسميها بنجامين والاس ويلز في مقاله بـ (exercise a hidden will of their own). أيضاً هناك مشكلة أخرى تكمن في حالة الشِقاق التي حدثت وتحدث اليوم بين التوجهات التقليدية والجديدة في الفيدرالية الأميركية.

ففي اللحظة التي تحمَّى فيها أنصار ترامب لتطبيق توجهاته وتنفيذ قراراته التنفيذية، خصوصاً في مسألة الهجرة، وجدنا كيف أن الكثير من العمليات المضادة لإجراءات التنفيذ على الحدود. هذا الأمر أظهر شيئاً واحداً، وهو أن ترامب ما يزال وحيداً أو أن تياره الجديد ما يزال أقليّة في الجهاز البيروقراطي الأوسع في الولايات المتحدة، وبناءً على ذلك الاعتقاد سادت الشكوك لدى الرئيس.

لقد صُدِمَ الصحافيون حين نقلت شبكة «سي بي إس» الأميركية خبراً يقول بأنه وخلال زيارة نتنياهو إلى الولايات المتحدة الأميركية، فإن الرئيس ترامب وحين استقبله في البيت الأبيض في الخامس من فبراير/ شباط الماضي، «لم يشارك أي مسئول من وزارة الخارجية الأميركية في ذلك الاجتماع بمن فيهم وزير الخارجية ريكس تيلرسون أو نوابه»، تاركاً أمر الحديث عن عملية السلام في الشرق الأوسط إلى صهره غاريد كوشنر، حسبما يفيد ويلز! وهو أمر غريب جداً يدلل أن ترامب لا يثق كثيراً بفريقه ولا بجهازه التنفيذي، وبات يعتمد على حلقة ضيقة تتسم بالشللية الواضحة.

قبل أيام كنتُ أستمع إلى حديث إذاعي أشار فيه خالد صفوري، المستشار في مجموعة مريديان الاستراتيجية وأحد العارفين بدهاليز السياسة هناك كونه أميركياً من أصل عربي قضى 35 عاماً في الولايات المتحدة، بأن 130 منصباً كبيراً في وزارة الخارجية الأميركية ماتزال شاغرةً لحد الآن، علماً أن تلك المناصب تلعب دوراً مهماً في صياغة السياسة الأميركية مع الرئيس ونائبه ورئيسي مجلَسَيْ النواب والشيوخ. وغياب مثل أولئك المديرين الكبار يُضعف عمل الوزير رقم 69 لهذه الوزارة القوية.

وجميعنا يتذكر ما جرى في بداية هذا الشهر من اهتزاز داخل إدارة ترامب. ففي اللحظات التي كان المسئولون في الإدارة يتحاشون العمل مع الرئيس كالجنرال هاوارد (الذي رُشِّح كي يُمسك منصب فلين المستقيل) بسبب نفوذ كبير المخططين الاستراتيجيين في الإدارة ستيف بانون، نرى ترامب وعلى حين غرّة يقيل بانون ولا يُبدي عليه أسفاً ليصبح مجلس الأمن القومي على كفّ عفريت.

أعود مرةً أخرى لاستنتاجات بنجامين والاس ويلز. فهو يُبدي قلقه من هَمٍّ راهن يتمثل في احتمالية حدوث انهيار واسع النطاق في السلطة الأميركية (the widespread breakdown of authority) حسب تعبيره. وبناءً على ذلك الاستنتاج فإن المرء لا يتخيّل حدوث ذلك في أهم وأقوى بلد في العالم. إذ أن انفراط مثل هذه القوة في غير مكان في العالم يفترض أن تملأه قوى أخرى. وهو ما يعني اشتعال تلك المناطق بتنافس قوى أخرى، وبالتالي صراعات جديدة ومتوالدة قد تعيد خلط الأوراق من جديد.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 5336 - الأحد 16 أبريل 2017م الموافق 19 رجب 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً