العدد 534 - السبت 21 فبراير 2004م الموافق 29 ذي الحجة 1424هـ

عندما يصبح الحجاب أكثر أهمية من القتل

ربما يكون الذين ينتقدونني من الاسلاميين محقين. إذ ليس لدي ما يتطلب أن أكون مسلمة ارثذوكسية. عندما قرأت عن الفتاة البريطانية المسلمة «س» التي تبلغ من العمر خمسة عشر عاما التي اختارت ان تبقى في المنزل منذ العام 2002 لان مدرستها رفضت ان تسمح لها بلبس الحجاب، لم تتمتم شفتاي بعبارات الثناء.

بدلا من ذلك فزعت بأن هذه الطفلة وأبوها كانا خاطئين تماما بانهم يعتقدون ان الوشاح أكثر أهمية من التعليم لمثل هذه الفتاة البهية للغاية، التي تقول: «انني احب العلم وارغب في الدراسة لكي أكون طبيبة. لكن وصلت حياتي الى طريق مسدود. انني قلقة الآن بأنني لن احصل على وظيفة واعيش على الاعانات». اذا لم تتأهل، فانها في الواقع ستنضم الى المحبطين الآخرين. البروفيسور طارق مودود الذي شارك في كتابة التقرير الرئيسي عن: «الاقليات العرقية في بريطانيا» استنتج ان النساء المسلمات الباكستانيات والبنغلاديشيات من ضمن أقل المواطنين المؤهلين والأكثر فقرا في بريطانيا. كان والد تلميذة المدرسة هذه مدير مدرسة في بنغلاديش، لذلك فان حالتها لا يمكن ان تكون ناتجة عن جهل.

ويبدو أن «س» كانت تلبس شالوار خاميس والحجاج في مدرسة دينباي العليا في لوتون. كانت بارعة في الرياضيات ويتوقع ان تحرز مستوى جيدا في شهادة الثانوية العامة.

ثم ثابرت على الذهاب الى المساجد المحلية إذ «تعمقت» في عقيدتها وقررت لبس الجلباب. الآن تذبل «س» في المنزل، منعزلة ذاتيا ومستبعدة بشكل عنيد.

ليس لديّ تعاطف مع هذه العائلة وحججها الملتوية ان المدرسة تكره الاسلام وانها تنتهك حقوقهم الانسانية، من ضمن حدود المعقول ان يطبق الزي الرسمي على كل التلاميذ على حد سواء والا لن يكون زيا رسميا. لماذا يجب ان تمنح علاوات خاصة إلى المجموعات الدينية، بينما آخرون - من ضمنهم فقراء يجدون صعوبة في شراء بعض المواد - معنيين بالطاعة؟ دعوني اتنبأ. ستقود المهزلة الأخيرة الى مزيد من «الاحتجاجات» التقليدية من قبل العوائل المسلمة. احدث الرد الرسمي على الحجاب في فرنسا مزاجا جديدا من التحدي وسط المسلمين المحافظين والراديكاليين. ان منع الحجاب باستنكاف استبدادي ينتهك القيم الاساسية للمجتمعات الديمقراطية والحرة. لقد اظهرت الحكومة الفرنسية استبدادا لا يغتفر، لا يختلف عن استبداد طالبان التي اجبرت تلميذات المدارس على ارتداء البرقع.

وانه لامر يوقع الكآبة في النفس ان كثيرا من المسلمين خرجوا الى الشوارع للدفاع عن الحجاب بينما هناك قضايا ملحة تحتاج اهتمامنا أكثر. ليس هناك عدد كبير تقريبا من المسلمين الغاضبين تظاهروا على المعاملة السيئة التي يلقاها سجناء خليج غوانتنامو. متى سنرى مظاهرات عن مئات اغتيالات الشرف للنساء والفتيات في الدول الاسلامية؟ فهل نعتقد حقا ان الحجاب أكثر أهمية من قتل النساء المسلمات؟ فرض الفرنسيون حظرهم ولكن مضاعفاته ستستمر داخل البلاد لسنوات كثيرة.

وسيختبر ضياع السياسة في بريطانيا بينما تطالب مجموعات دينية بشكل متزايد بالسماح لها بعدم التقيد باحكام وقواعد اساسية، شيء سيئ للغاية حقا لدولتنا المعقدة وفي احيان كثيرة المشحونة التي تحاول التوحد من دون السقوط في النموذج الفرنسي للاستيعاب. وسيطلب مزيدا من التمويل الرسمي للتعليم المنفصل بواسطة جماعات دينية وهي سترضى بذلك.

وانه لأمر غريب ان تشجع الحكومة البريطانية بجرأة التعليم الموحد في ايرلندا الشمالية بينما في المركز تؤيد التعليم المنفصل. طوني بلير ورفاقه مربكون بشدة في هذا الشأن. من ناحية هناك دائما الطلبات الغبية لدنيس مكشهان وآخرين الذين يرغبون ان يثبت المسلمون بشكل غير متناه انهم «بريطانيون» ومن ناحية أخرى يدعمون بلهفة المدارس الدينية الجديدة ويبتعدون عن الموقف العلماني الايجابي. الآن لدينا خطط أولية من ادارة المناهج والمؤهلات لتدريس الانسانية والالحاد في المدارس. حسنا لكن هل ستفعل المدارس الدينية ذلك أيضا؟ ستكون الآن هناك خلافات محتدمة بشكل متعمد داخل المدارس الموحدة تجعل الدولة تقبل بانه يجب ان تكون لبعض الجماعات الحق في القيام بما تريد. ويعتبر الحجاب دائما البداية فقط. توجد مدارس اسلامية ممولة حكوميا الزي الرسمي فيها البرقع بالكامل. (اتعجب ماذا سيحدث اذا قررت تلميدة انها سترتدي «بنطال» من دون ان تغطي رأسها. فهل ستقبل المدرسة بهذا؟ كلا طبعا). لقد ناقشت هذا مع وزير المعايير المدرسية، ديفيد ميليباند في بلفاست حديثا.

قال إن الحكومة لن تتبع طريق فرنسا. حسنا، لكن هل نقول حقا انه ليس هناك حدود لما ستقبل به الدولة؟ السماح بكل المطالب بحد ذاته تمييزي. العقاب البدني مستخدم في المدارس البريطانية التي يذهب اليها كثير من الاطفال المسلمين لتعلم القرآن. يحصل هؤلاء الاطفال على حماية أقل من الاطفال الآخرين اذا لم تفرض الحكومة الشروط نفسها التي تفرضها على المدارس الأخرى.

احتدمت المناقشات بشأن الحجاب والآن البرقع وتحولت الى معركة بين المسلمين والغربيين. ملايين من المسلمين ضد هذه الملابس. وهناك عاقبة خطيرة ان هذا الغضب ربما يعيق بشدة كثيرا من المفكرين الاسلاميين الذين يسعون الى اصلاح اسلامي، الأمل الوحيد الذي لدينا اذا استبعدنا حرب أهلية ايديولوجية في الغرب. على سبيل المثال، كتب العالم الاوروبي البروفيسور بسام طيبي، بشكل مثير عن الحاجة لمبادئ اخلاقية جديدة مرتكزة على الممارسة الاسلامية وقيم التعددية السياسية الاوروبية، التسامح وفصل الدين عن الدولة. مثل هؤلاء المفكرون ذهبوا الى أبعد من التعددية الثقافية، الى ما بعد الاستيعاب وحقوق الاقليات. تم تهميش آرائهم النيرة الآن بعاصفة الحجاب.

إن الدوامة الخطرة التي احدثت بعناد بواسطة الحكومة الفرنسية تعتبر هدية الى الديماجوجيين (المستغلين) الذين يجذبون الفتيات القابلات للتحوير مثل «س» واقناعهن ان الحجاب يستوجب حياة عديمة القيمة بلا تعليم ولا آمال فيها. ويعزون هذا دائما للتوجهات المعادية للاسلام. ماذا ستحدث الاوامر الالهية لطلب العلم والعيش كمواطنين منتجين في عالم حقيقي؟

العدد 534 - السبت 21 فبراير 2004م الموافق 29 ذي الحجة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً