العدد 5351 - الإثنين 01 مايو 2017م الموافق 05 شعبان 1438هـ

الشأن المغاربيّ: سوالف طفاش في مطماطة

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

بعد النجاح الكبير لفيلم «جزيرة هلامايا» العام الماضي، يواصل المخرج يوسف الكوهجي وفريق عمله من التقنيين والفنّانين الكوميديّين، العمل على إسعاد الجماهير وإدخال البهجة في نفوسهم في البحرين والخليج العربي بفيلم جديد بعنوان «سوالف طفاش والأربعين حرامي»، والذي أنهى منذ أيام قليلة تصوير المشاهد الخارجية منه في تونس وتحديداً في مدينة مطماطة. فلماذا جرى الاختيار على هذه المدينة التونسية؟ وإلى أيّ مدى ستساهم بطبيعتها الخلابة ومعمارها الفانتازي، مع ما يتميّز به «طفاش وجسوم» من شعبية كبيرة، في اجتذاب المشاهدين ولا سيما من الأطفال والناشئة؟

لا شكّ في أنّ المخرج قد اجتهد في اختيار عدة مناطق جميلة للتصوير في تونس وتعاون هنالك مع فريق من التقنيين والفنانين التونسيين الذين أبدَوْا إعجابهم بالعمل مع فريق الإنتاج البحريني؛ فقد عبّر مدير الإنتاج في تونس أنيس عبسي عن انبهاره بالإمكانيات الخاصة بطاقم العمل البحريني وقال: «لم نكن نعرف أن الخليج يمتلك هذه الإمكانيات؛ فالفريق محترف وينافس أغلب الفنيّين العالميّين». أما مساعد المخرج التونسي حمدي بن أحمد فقد نوّه بهذه التجربة الأولى له مع السينما الخليجية وقال: «لقد فوجئت إيجابيّاً بالمستوى الفنيّ والتقنيّ لكلّ الطاقم البحرينيّ الذي معنا من حيث طريقة الإخراج والتقطيع وآخر المعدات التي طرحت على مستوى العالم».

ومن جهته أكّد فريق الإنتاج البحريني على القيمة المضافة لمواقع التصوير في مطماطة وتطاوين وغيرهما من المناطق التونسية التي تمّ الاختيار عليها بما يتوافق وسيناريو «سوالف طفاش والأربعين حرامي»؛ فضلاً عن أجواء التصوير حيث سارت الأمور بشكل ميسّر وسلس ولم تواجه فريق العمل أيّ صعوبات. وأضاف مساعد المخرج البحريني حسن الماجد: «من المعروف أنّ معظم السينما العالمية كالإيطالية والفرنسية تتجه لتونس للتصوير فيها نظراً لتمتعها بأماكن طبيعية وقلاع ضخمة فتصبّ فيها احترافية أوروبا كلها».

نعم، ليس هذا بغريب عن تونس فهي منذ عشرينات القرن الماضي وجهة رئيسة لعدد من الأفلام العالمية؛ فالبعثة السينمائية للأخوين «لوميار» أنتجت الفيلم الروائي الأول الذي جرى تصويره في تونس فكان فاتحة لمفهوم السينما في الحقبة الاستعمارية من خلال فيلم «الجنتلمان والخمسة الملاعين»عام 1925، ثمّ قدم المخرج الكبير الأميركي الهوليودي «راكس أنغرام» الذي صور فيلم (الرجل العربي (the Arab Man:. وقد وجدت السينما الغربية في تونس وشمال إفريقيا عموماً النخلة والجمل والأزقة الضيّقة والصوامع والقباب والقلاع... وحفاوة أهل البلد والعادات والتقاليد المختلفة عن الغرب، فانصب تركيزهم على تصوير العديد من الأفلام السينمائية في تونس وفي بلدان شمال إفريقيا عموماً. وبذلك انقضّت السينما الغربية على فضاءاتنا الساحرة وراحت تكرع من معين جمالها وتنتج أجمل الأفلام، وتخرج أروع المشاهد وتسهم بشكل أو بآخر في التعريف بربوع تونس الخضراء حتى غدت هذه الأفلام بمثابة إعلانات إشهارية للسياحة التونسية دفعت معظم من شاهد تلك الأفلام إلى زيارة تونس ولاسيما المناطق التي جرى فيها التصوير.

وقد اكتسبت بعض مدن الشمال الغربي التونسي مثل الكاف وجندوبة وبلاريجا... وبعض مدن الجنوب التونسي ولا سيما مدينة مطماطة ومدينة نفطة أهمية أكبر بفضل طبيعتها الجاذبة للسينما العالمية؛ فمدينة نفطة من محافظة توزر (أقصى الجنوب الغربيّ للجمهورية التونسيّة) والتي اشتهرت قديماً بالعلم والأدب والنكتة، وتميّزت طبيعتها بانتشار واحات النخيل قد تحوّلت منذ سنوات قليلة إلى «هوليوود» تونس كونها المدينة الأكثر استقطاباً لفرق التصوير فغدت مدينة سينمائية بامتياز.

وأمّا مطماطة التي صُوِّرَ فيها فيلم (سوالف طفاش والأربعين حرامي) فتقع في محافظة قابس جنوب شرق تونس، واسمها الأمازيغي القديم يعني أرض السعادة والهناء. وتتميّز عمارتها بطابع خاص حيث تختلف بيوت قرية مطماطة التونسية عن باقي بيوت القرى العربيّة الأخرى بامتلاكها لساحة أمامية تؤدي إلى العديد من الغرف. إلا أنّ الغريب في مطماطة هو أن جميع بيوتها محفورة في الأرض فعند الوصول إليها لا تواجهك إلا التلال الجرداء التي تشبه تضاريس وجه القمر. وكل شيء في هذه القرية موجود في حفرة غائرة تحت الأرض، قرية كاملة تعيش في باطن الصخور الرملية، وكل حفرة أو منزل مكون من باحة منزل رئيسية تزينها الرسوم، وتتفرع منها حفر أخرى هي بقية غرف المنزل. ومهما حاولت الكلمات الإلمام بوصف معمارها فإنّ ذلك لن يُغنيك عن زيارتها والاستمتاع بالإقامة فيها حيث تحولت العديد من المنازل إلى فنادق سياحية بطابعها القديم.

وقد اكتسبت مطماطة شهرتها العالمية من خلال فيلم حرب النجوم، الذي صوّر في بيوتها الغريبة عام 1970، وبدت بيوتها على الشاشة مثل أصداء كوكب خيالي لم يوجد أبداً. وقد أطلق على القارة الخيالية التي تدور فيها حرب النجوم قارة تطاوين. وهاهي الديكورات تصبح مزاراً للسياح وعندما أتى المخرج الإنجليزي «أنطوني منغلا» إلى المنطقة لتصوير فيلم (المريض الإنجليزي) بمنطقة العريقات التي تضمّ أحد أجمل مجموعة كثبان رمل صحراوية كانت السيارات غير قادرة على الوصول إلى تلك المناطق فقرر تسهيلاً لعمله فتح طريق مؤدية إلى تلك المنطقة أصبحت اليوم مسلكاً سياحياً. كما أصبحت تونس قبلة لتصوير أفلام عن حرب الخليج الأولى والثانية؛ فقد قدم إلى نفطة وقفصة المخرج الإيطالي الشهير «ماركو بنّيني» لتصوير جلّ مشاهد فيلمه (قصّة حب في بغداد) وذلك لتشابه المعمار بين بغداد والجريد ولا سيما نفطة. وتلاه فيلم عن حياة صدام حسين الذي برز في ثلاث حلقات وأخرجه الإنجليزي «آلكس هولمس».

وإذا كانت تونس ولا تزال قبلة مضيافة للسينما العالمية منذ 1920، فمن باب أولى وأحرى أن تستفيد السينما العربية والخليجية من الإمكانات الطبيعية والبشرية المتوفرة بتونس. ولعلّ هذه التجربة البحرينية الناجحة في مطماطة ستكون فاتحة تعاون بين المنتجين في تونس والخليج العربي.

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 5351 - الإثنين 01 مايو 2017م الموافق 05 شعبان 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 1:22 ص

      ولعلّ هذه التجربة البحرينية الناجحة في ... ستكون فاتحة تعاون بين المنتجين في تونس والخليج العربي.
      نرجو ذلك

    • زائر 1 | 12:45 ص

      جزيرة هاملايا وليس هلامايا

اقرأ ايضاً