العدد 538 - الأربعاء 25 فبراير 2004م الموافق 04 محرم 1425هـ

استدرج الإقبال على الحرف العربي

الفنان محمود الملا:

الفن تمكين للجمال، واليد المبدعة قادرة في آفاقها على استلهام الجمال في كل شيء وتحويله الى لغة أخرى قادرة على استقطاب الأذواق والأفهام، وليس أدل على ذلك من ذلك النهر المتدفق من التجارب والرؤى المختلفة. ولكن ألا يصبح الأمر أكثر جمالا وجاذبية عندما يغرف الفنان من بحر واحد فلا ينفد هذا البحر؟! «قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي» (الكهف: 109) اذ ليس أجمل من لوحة خطية في اطار جميل وسورة قرآنية مطرزة بخط عربي أبدع راسمه في تلوينه من الديواني أو الرقعة أو النسخ. والفنان محمود الملا أحد أولائك الفنانين الذين استأثر الحرف العربي باهتمامهم فأصبح باحثا عنه في مضانه الأولى وليس أفضل من كتاب الله سبحانه وتعالى وعاءا للعبارة الرشيقة والمعنى المعجز، لذلك كان لآيات القرآن الكريم حضور أي حضور في لوحاته الخطية، فهو لا يقف أمام الآية القرآنية في لوحة خطية جميلة الا ليعاود التجربة فيرسمها في عمل ولوحة خطية أخرى، مدللا بذلك على مطواعية الحرف العربي في التكيف بحسب ما يراه الخطاط. في هذا اللقاء الذي يأتي متزامنا مع معرضه الشخصي الأول للخط العربي الذي أفتتح مساء الاثنين الماضي يؤكد محمود الملا أن الخط العربي لا يزال ذا حضور فاعل وأنه لا يقل في لوحاته الابداعية عن أية لوحات تشكيلية أخرى. نفرد هنا اللقاء:

ان الكلام عن معرض شخصي أول للخط العربي، يقودنا بالضرورة للسؤال عن أسباب هذه الريادة، فلماذا تأخر هذا المعرض؟

- المعرض الأول هو حلم كل خطاط، ولكن ما العمل ومشاغل الحياة والالتزامات الأخرى تقف حجر عثرة أمام حلم الخطاط والفنان، ولكنني وفي سعي متواصل وعمل بالليل والنهار استطعت انجاز هذا المعرض، فالأفكار والأحلام كثيرة كما أن الخواطر والطموحات كبيرة ولكن المشكلة في التنفيذ، خصوصا إذا كان العمل الفني يعني العمل من الألف الى الياء مع الاهتمام الجاد بالخامة واللون فأنا من أولئك الناس الذين يحبون مباشرة أعمالهم الفنية بشمولية كبيرة من دون أن يتركوا للغير فرصة التلوين حتى.

فلماذا لا نجد غير تجارب معدودة بهذا الخصوص؟

- كل فنان يتحرك بحسب حدود قدرته وطاقته، تماما مثل الشاعر الذي يسمى في أحيان كثيرة بشاعر مناسبات بينما القليل من الشعراء من يتحرك وينظم باحساس وصدق وابداع. وان سألتني عن نفسي أقول إن أكثر ما يستهويني هو القرآن الكريم، فالآيات القرآنية لا تزال قادرة على لفت انتباهي ببلاغتها واعجازها في اللفظ والمعنى، في شكلها الظاهري ومعناها الداخلي، وتجعلني في حال من الانبهار والقدسية، وهناك حديث نبوي شريف يشير الى القرآن الكريم على أنه كتاب لا تنقضي عجائبه، ولكي ألمس هذا الاعجاز أكثر أتناول هذه الحروف العظيمة بالخط، ففي ذلك إبداع عظيم واحساس كبير بالحرف القرآني.

فهل تسعى في معرضك هذا الى استحضار موروث عربي حضاري؟

- لقد كانت لي تجربة خطية من قبل مع المعارض المشتركة فظهور معارض الخط يترك من دون شك علامة استفهام كبيرة، فما هو حاصل الآن أن موجة الفن الحديث جاءت باغراق في الابهام، ولذلك أنا اليوم وفي معرضي هذا أسعى الى جس النبض حيال الاقبال على الحرف العربي، الذي لا يزال ذا حضور فاعل وابداع لا يقل عن اية لوحات تشكيلية أخرى، وليس أدل على هذا الحضور من أن كلمة ما شاء الله ضمنتها ثمانية أعمال مختلفة.

ولكن ألا تعتقد أن الساحة البحرينية والعربية حتى، تشهد انحسارا وانكماشا للوحة الفنية يزداد يوما بعد يوم؟

- الانحسار راجع الى المزاج العام للجمهور، فمن الطبيعي أن تترك كل هذه الحوادث الجسيمة أثرها ليس على الفن التشكيلي فحسب بل على فنون المسرح والشعر والثقافة أيضا، في حين كان يمكن الخروج من هذا التأثر باندفاع وليس انحسار. ولكن مما لا شك فيه فان الخط العربي يشهد انحسارا كبيرا فقد وصل في وقت من الأوقات الى القمة بجهود وأيدي الخطاطين الأتراك والعراقيين والمصريين ولكن هؤلاء الخطاطين كانوا مخلصين لفنهم وقضوا الشطر الأكبر من حياتهم في خدمة الحرف العربي القرآني وضحوا بالغالي والنفيس ولكننا اليوم أمام ما ذكرت آنفا تكبلنا أمور كثيرة، ومن الطبيعي ان تنحسر اللوحة الخطية مثلها مثل أي شيء يصل الى القمة ثم يبدأ بالتراجع، ولكنني أقول أيضا إنني وخلال معرض أو ملتقى للخطاطين أقيم في طرابلس بلبنان بمناسبة مرور خمسين عاما على افتتاح الجامعة اللبنانية لفت انتباهي أعمال جميلة لمجموعة من الخطاطين السوريين وأعتقد أن الأمر لايزال بخير.

هذه الخصوصية للحرف العربي ألا تملكها حروف اللغات الأخرى؟

- قد يستطيع الفنان الغربي أو الشرقي تقديم لوحة خطية بلغته ولكننا بصفتنا مشاهدين ومتذوقين نلمح تكرار الحرف، بينما نحن مع الخط العربي نلمس ميزة الخط العربي في طواعيته للتشكل بحسب ما يراه الخطاط، ليس أنا من يقول ذلك فقط فحتى الفنان الغربي يقول وهو مقتنع بذلك وأتصور أن أحد الفنانين العالميين وأظن أنه بيكاسو اعترف بانبهاره بالخط العربي، ولكي أدلل على هذا الانبهار أقول أنني قدمت لوحة خطية أسميتها «الرجاء» وهي تحكي قصة نبي الله ابراهيم (ع) وتركه لزوجته هاجر وابنه اسماعيل في واد غير ذي زرع، فجعلت في أعلى اللوحة السواد والجبال واكتفيت في الأسفل بكتابة الآية المباركة في خطين متوازيين وكانت بالفعل هذه الآية مبهرة لوحدها، حتى أن أحد الفنانين الفرنسيين أبدى انبهاره بها وطلبها للعرض في أحد قصور باريس الكبيرة.

فكيف باستطاعتنا أن نلمح هذه اللمسات الابداعية؟

- يمكن للمتذوق أو المختص في حال تأمله للوحة الخطية ادراك صاحبها ومن هو صاحب هذه اللمسات الخاصة، فتركيبة الحروف لها ميزان فلكل حرف مسافات ونقاط، فكما أن إضافة حرف الى آخر أو وضع حرف على حرف له ميزان آخر، كذلك وضع حرف الألف في الوسط واسم الجلالة في الأعلى أو وضع الألف واللام في سطر واحد يدل على التميز، فبقدر ادراك الخطاط لكل هذه الأسرار يصبح عمله الفني متميزا.

فهل تقيم أنت الخطاط علاقة بين الحرف والفن التجريدي أم ترفض هذه العلاقة؟

- الفنان ليس بمقدوره رفض الفن التجريدي، فكلما اشتغل الفنان بالتجربة كلما انفتحت أمامه أفاق أرحب، وقد حصلت من قبل على جائزة من مسابقة ملون السعودية السادس للفن التشكيلي اذ قدمت فيه عملا تجريديا من روح الخط، كما أنك تلاحظ في هذا المعرض أربعة أعمال تحمل نفس الروح وهي المعنونة باسم «انبلاج وشروق وغروب وسكون».

وبرأيك، هل أضاف الكمبيوتر الى الفنان أم أثر عليه سلبا؟

- أثر سلبا على الابداع ولكنه أضاف الكثير الى الصحف فمن قبل كان هناك خطاط لكل صحيفة يكتب بخط الرقعة أو النسخ، أما اليوم فالأمر قد تغير تماما، ولكنني أقول إن الكمبيوتر لا يمكن أن يعطي أو يهب ابداعا كما أنه غير قابل لكي يكون معلما للخط، وأذكر أنه وفي أثناء زيارة المخرجة المصرية انعام محمد علي الى البحرين لفت انتباهها الخط المستخدم في كتابة اسم المسلسل والطاقم الفني وهو خط الديواني اذ كان القصور الوحيد في المسلسل، لأن خط الديواني بالكمبيوتر لم يكن موفقا أبدا فأبدت استغرابها الشديد من هذه الملاحظة التي كان يمكن تلافيها عن طريق أحد الخطاطين.

البعض يرى أن الفنانين البحرينيين تحولوا الى آلة للبيع ليس الا، كما أن رعاية وزارة الاعلام لهم جعلها تهيمن عليهم، فهل توافقهم هذا الرأي؟

- لا يوجد فنان يقول إنه يعمل لفنه ورغبته في الابداع فقط الا ذلك الذي ولد وفي فمه ملعقة من ذهب، فنحن الفنانون نعمل لكي نبيع، ولكي نوزع أكثر طبعا، ولكن يظل البيع أمرا لابد منه، وفي معرضي الشخصي هذا الجديد كثيرا ما تساءلت وراوحت بين تعاملي مع أصحاب الصالات الخاصة وعرض لوحاتي فيها وبين التعامل مع وزارة الاعلام وقد وجدت أن التعامل مع وزارة الاعلام أفضل بكثير، فهي أولا توفر لنا هذه الصالة الكبيرة في مركز الفنون دون مقابل مادي، كما أنها تعنى بصوغ كتيب عن الفنان وتعنى كذلك بارسال الدعوات، والحال أن المعارض الخاصة تستلم مبالغ كبيرة نظير ذلك، أما بخصوص السؤال هل أن الوزارة تهيمن بذلك على الفنان فهذا كلام غير صحيح فلا يوجد أبدا مثل هذه الهيمنة فالفنان يبدع وليست الوزارة سوى حلقة وصل بين الفنان والناس





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً