العدد 616 - الخميس 13 مايو 2004م الموافق 23 ربيع الاول 1425هـ

اتجاهات الحوار السياسي بين السلطة والمعارضة

الحوار السياسي بين الهدفية والاستهلاك

السيد عبدالله الغريفي comments [at] alwasatnews.com

الحوار السياسي أحد ضرورات المرحلة، وبمقدار ما يكون هناك حوار جاد تتحرك الأوضاع السياسية في خطها السليم، ومتى غاب الحوار أوجد ذلك أزمات وإرباكات في المسار السياسي، الذين يهربون من الحوار يعقّدون هذا المسار، ويفتحون الأجواء للأزمات السياسية.

فالسلطة حينما ترفض الحوار تؤسس لانتاج الأزمات والاحتقانات السياسية، وقوى الساحة حينما ترفض الحوار فيما بينها أو مع السلطة فإنها تؤسس كذلك لتحريك الأزمات والتعقيدات والارباكات. إن السلطة مدعوة إلى أن تمارس الحوار، وقوى الساحة الفاعلة مدعوة إلى أن تمارس الحوار في داخلها ومع السلطة.

الحوار السياسي له مساران

- مسار الهدفية السياسية الجادة.

- مسار الاستهلاك السياسي.

وبمقدار ما تتشكل هدفية الحوار الجادة يكون الحراك السياسي في خير، ومتى فقد الحوار هدفيته وجديته أصبح واحدا من أدوات الاستهلاك السياسي، وواحدا من أدوات الاسترخاء السياسي...

بين الهدفية والاستهلاك مساحة كبيرة جدا، الهدفية في خطها الصحيح تعطي للحوار دوره الفاعل في صوغ الواقع السياسي المتوازن، اما الاستهلاك السياسي فهو وسيلة تخديرٍ وإلهاءٍ وعبثٍ بالوقت والجهد، ومصادرة للأهداف. فإلى أين تتحرك حواراتنا السياسية؟ وهل هي حوارات جادة هادفة؟ أم هي حوارات استهلاكية فاشلة؟

في الساحة قوى سياسية، وفي الساحة رموز سياسية، وفي الساحة سلطة سياسية... فهل تعيش هذه المفاصل حوارات سياسية؟ ما مستوى هذه الحوارات؟ هل يوجد قدر كافٍ من الحوارات؟ ما هي قيمة هذه الحوارات؟

أسئلة كثيرة تبحث عن إجابات صريحة وواضحة لا نستطيع أن ندّعي وجود حوارات بقدر كافٍ، الواقع بكل تحدياته وأزماته في حاجة إلى درجة أعلى من الحوارات... ما يتحرك في الساحة من حوارات سياسية بطيئة ومحدودة لا يتناسب مع مستوى ضرورات المرحلة، ومع مستوى تحديات المرحلة.

المطلوب من السلطة، ومن قوى الساحة، تحريك الحوار السياسي بدرجة أكبر ليكون هذا الحوار قادرا على حماية المسار السياسي، وقادرا على تصحيح الأوضاع السياسية... وقادرا على احتواء الأزمات السياسية... هذا على مستوى «كم» الحوار... أما على مستوى «قيمة الحوار» فمازالت «إنتاجية» الحوار منخفضة، ومازالت «إنتاجية» الحوار متلكئة ومتعثرة... وقضايا هذا الوطن وأزمات المرحلة تنتظر حوارات أكثر انتاجية وأكثر جدية وأكثر فاعلية...

وإذا لم تتوافر حواراتنا السياسية على هذا المستوى من الانتاجية والجدية والفاعلية فإنها تتحول إلى حوارات استهلاكية عقيمة، ولا أشك أن جميع أطراف الحوار السياسي لا يريدون لهذا الحوار أن يتحول إلى استهلاك سياسي، وأن يتحول إلى لهو سياسي، وأن يتحول إلى استرخاء سياسي، فالحوار إذا أصبح استهلاكا ولهوا واسترخاء فهو حوار ضار ولا ينتج إلا إحباطا ولا ينتج إلا يأسا، ولا ينتج إلا رفضا، ولا ينتج إلا تعقيدا وتأزما وتوترا...

فيجب التفكير الجاد المشترك للعمل من أجل تحريك الحوار الهادف المنتج بما يتناسب وحاجات المرحلة الراهنة، وبما يتناسب مع تطلعات الجماهير إلى معطيات الحوار...

كيفنعطي للحوار السياسي هدفيته وصدقيته وفاعليته؟

سؤال مهم جدا، وبمقدار ما تكون المعالجة حقيقية لهذا السؤال، يكون للحوار حضوره في الساحة السياسية، وتكون ثقة الأمة بهذا الحوار.

كل الحوارات السياسية إذا لم تتحول إلى واقع متحرك على الساحة لا يمكن أن تملك ثقة الأمة، وفي المقابل على الأمة أن تسهم في إعطاء الحوار السياسي فاعليته وحركيته وألا تمارس دور الإجهاض لهذا الحوار... يفترض في الحوار السياسي لكي يكون حوارا منتجا أن يتوافر على مجموعة شروط:

الشرط الأول: الاتفاق على

مرجعية للحوار السياسي

إذا لم يتم الاتفاق على مرجعية للحوار السياسي أصبح هذا الحوار تائها، والحوار الذي لا يملك مرجعية حوار استهلاكي فاشل...

وحينما تتباين مرجعيات الحوار السياسي فإنه يتحول إلى تجاذبات، وخلافات، وصراعات، ويتحول إلى حالات من الإلغاء والتنافي والافتراق والتباعد...

ما هي مرجعية الحوار السياسي؟

هناك «ثوابت» يمكن أن تكون مرجعية للحوار السياسي...

وهذه الثوابت على نحوين:

- ثوابت دينية.

- ثوابت وطنية.

فمسئولية الحوار السياسي ألا يتجاوز «الثوابت الدينية» كونها تشكّل الهوية الإيمانية لهذا الوطن، وكونها تشكل الضمير والوجدان لأبناء هذا الوطن...

فالحوار السياسي الذي يصادر الهوية الإيمانية والدينية لهذا الوطن، ويصادر الضمير والوجدان لأبناء هذا الوطن هو حوار مرفوض رفضا قاطعا... كذلك مسئولية السياسي أن يعتمد «الثوابت الوطنية» التي تشكّل القناعات المشتركة لأبناء هذا الوطن وتشكل المكوّنات الأساسية لكيان هذا الوطن. فمهما كانت مساحات الاختلاف السياسي فإن الثوابت الدينية والوطنية قادرة على احتواء كل الاختلافات والتباينات، وقادرة على انتاج رؤى سياسية موحدة أو متقاربة تسهم في إنجاح أي مشروع للإصلاح والتغيير...

الشرط الثاني: وضوح الهدف

في الحوار السياسي

لكي يكون الحوار السياسي جادا ومنتجا لابد أن يكون هدف الحوار واضحا... فلو كان الهدف غائما وضبابيا فسيتيه الحوار، وسترتبك مسارات الحوار.

كذلك إذا كان هدف الحوار متباينا بين أطراف الحوار، فإن كل طرف سيحاول أن يحرك الحوار في اتجاه هدفه، ما يجعله حوارا عقيما.

قد يقال: ان طبيعة اختلاف الرؤى والقناعات السياسية بين أطراف الحوار تنتج اهدافا متعددة، فالقناعات المتضادة تشكل اهدافا متضادة.

فكيف نطالب الحوار السياسي بأن يتفق على هدف واحد؟

هناك نوعان من الأهداف:

أ - الهدف المركزي وهذا الهدف لا يختلف فيه أطراف الحوار السياسي.

ب - أهداف غير مركزية... وهذه أقرب إلى ان تكون «آليات» للوصول الى الهدف المركزي.

أوضح الفكرة من خلال المثال الآتي:

ان جميع أطراف الحوار السياسي في ساحتنا البحرينية (السلطة، الجمعيات، الرموز) تتفق على هدف سياسي مركزي وهو «ضرورة وجود حياة سياسية راقية وعادلة» وهذا يفرض «ضرورة وجود صيغة سياسية قادرة على ان تحقق الحياة السياسية الراقية العادلة».

لا اعتقد ان هناك أي اختلاف بشأن هذا الهدف المركزي... نعم هناك اختلاف بشأن «آليات» الوصول الى هذا الهدف المركزي، قد ترى السلطة ان (دستور 2002) هو الأقدر على إنتاج هذا الهدف المركزي، وترى قوى سياسية في الساحة ان (دستور 73) هو الأقدر والأفضل. وربما يرى فريق ثالث الحاجة الى (دستور) أكفأ من الدستورين... هنا يأتي دور الحوار السياسي الجاد الهادف ليعالج هذا الاختلاف... واذا صدقت النوايا فسيصل الحوار السياسي الى نتائج مقبولة عند الجميع... المهم ان نتحاور وان تكون النوايا صادقة من أجل الوصول الى الاهداف الحقيقية التي توفر لهذا الشعب حياته السياسية السليمة وتوفر له كل حقوقه المشروعة.

ان التداعيات الصعبة التي انتجها الاختلاف بشأن «التعديلات الدستورية» كانت بسبب غياب الحوار السياسي الجاد... فاذا تحرك هذا الحوار فسيمكن معالجة كل الإشكالات، والتخفيف من كل التداعيات.

الشرط الثالث: الموضوعية

في الحوار السياسي

لا يكون الحوار موضوعيا اذا كان حوارا من أجل الحوار... ولا يكون الحوار موضوعيا اذا كان حوارا من أجل ان يؤكد كل طرف ذاته... ولا يكون الحوار موضوعيا اذا كان حوارا من اجل الانتصار على الآخر ولو كان هذا الانتصار على حساب الحقيقة.

الحوار الموضوعي هو الحوار الباحث عن «الحق» وعن «الحقيقة». الحوار الموضوعي هو الحوار الذي ينتصر لهذا الحق ولهذه الحقيقة، لا أن ينتصر لهذا الطرف أو ذاك الطرف.

الحوار الموضوعي هو الحوار الذي لا يعيش الاستغراق في القضايا الصغيرة، والعناوين الصغيرة، والاهداف الصغيرة، على حساب القضايا الكبيرة، والعناوين الكبيرة والاهداف الكبيرة.

الحوار الموضوعي هو الحوار الذي يتحرر من كل المؤثرات الضاغطة التي تصادر هدف الحوار... قد تضغط على حواراتنا السياسية مؤثرات لا شعورية تجعل الحوار مسجونا لنزعات وأهواء وأغراض ذاتية... وقد تضغط على حواراتنا السياسية مؤثرات اجتماعية تحاول ان تفرض على الحوار مسارا معينا يبتعد به عن اهدافه. ربما تخلق السلطة أجواء معينة لتضغط على الحوار السياسي كي يتحرك هذا الحوار في الاتجاه الذي تريده السلطة... وربما تحاول القوى السياسية ان تخلق أجواء شعبية لتضغط على الحوار في اتجاه الاهداف التي تريدها هذه القوى... لا مانع من خلق الاجواء النظيفة التي تعتمد الاساليب النظيفة والقيم النظيفة وان خدمت هذه الاجواء هذا الطرف السياسي، او ذاك الطرف السياسي مادامت أجواء غير مزورة ولم تصنع بأدوات وأساليب مزورة وكاذبة.

الشرط الرابع: لغة الحوار السياسي

يفترض في لغة الحوار السياسي:

أولا: ان تكون لغة تحمل المحبة والصفاء والشفافية والانفتاح والمرونة والهدوء... وهكذا تعطي الكلمة للحوار انسيابيته وفاعليته وحركيته، وقدرته على احتواء حالات التباعد والاختلاف.

ثانيا: ان تكون لغة تحمل الصدق والنظافة: ان لغة الحوار اذا كانت غير صادقة، وغير نظيفة فانها لا تملك القدرة على ان تقترب بالحوار الى أهدافه، ولا تملك القدرة على ان تقارب بين القلوب، انها تنتج مزيدا من التشنجات والتوترات والصراعات. فيجب ان يبتعد الحوار السياسي عن لغة الكذب والسب والتشهير ولغة الاتهام والتخوين والاساءة. وقد أكد القرآن في منهج الحوار اعتماد اللغة النظيفة حتى مع الآخر في العقيدة والدين. «ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم».

«ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن» (العنكبوت:46)

«وجادلهم بالتي هي أحسن» (النحل:25)

ثالثا: ان تكون لغة تحمل الصراحة والوضوح، ان المجاملات المفرطة قصيرة جدا بصدقية الحوار، وبهدفية الحوار. فلابد من المصارحة والمكاشفة والوضوح بالقدر الذي يحمي الحقيقة من ان تموت في زحمة المجاملات، واذا كانت الصراحة تشكل ضرورة للحوار السياسي فانه يجب ان تكون صراحة عاقلة مملوءة بالحب والصفاء وإلا أنتجت مزيدا من الحساسيات والتشنجات.

رابعا: ان تكون لغة لا تلغي الآخر... الاعتراف بالآخر شريكا في الحوار السياسي أحد ضرورات الحوار... قد لا أؤمن بالفكر الآخر، وقد اعتقد بخطئه الا ان منهج الحوار يفرض ان أعترف به طرفا في الحوار، وان أجمّد قناعتي عند انطلاقة الحوار.

«وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين» (سبا:24). لم يكن رسول الله (ص) شاكا فيما عنده وهو الذي جاء بالصدق وصدق به لكنه المنهج الواعي القادر على ان يجتذب الآخر الى دائرة الحوار.

خامسا: ان تكون لغة تؤكد نقاط الاتفاق أولا، ليقف الحوار على أرض مشتركة، ثم ينطلق ليعالج مساحات الاختلاف. حواراتنا تحاول دائما ان تبدأ بحرق الأرض المشتركة، وان تبدأ بنسف القواسم، هذا المنهج خاطئ جدا لا يساهم في اعطاء الحوار قدرته على انتاج التقارب والتفاهم السياسي. هذه بعض مكونات الحوار السياسي.

نسأل الله تعالى ان يسدد الخطى في طريق الهدى والخير والصلاح.

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين

إقرأ أيضا لـ "السيد عبدالله الغريفي"

العدد 616 - الخميس 13 مايو 2004م الموافق 23 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً