العدد 67 - الإثنين 11 نوفمبر 2002م الموافق 06 رمضان 1423هـ

تطور الاتصالات الإلكترونية مع أعماق الفضاء الخارجي

إرسال وتسلُّم إشارات الراديو عبر مليارات الكيلومترات

تخطت مركبة فضاء فويجر «Voyoger» في منتصف فبراير/ شباط العام 98 سفينة بايونير «Pioneer 1»، وأصبحت أبعد مركبة فضائية عن الأرض في تاريخ الإنسان. وتبعد هذه المركبة حاليا في حدود 13 مليار كيلومتر عن البسيطة. ويؤمل لها عبور منطقة تتاخم مجموعتنا الشمسية خلال ثمانية أعوام من الآن والدخول في فناء الكون الواسع. ويتوقع للأجهزة الإلكترونية على متن فويجر توفير القدرة الكهربائية للاستمرار في رحلتها، وإبقاء الاتصالات مع الأرض، وبلوغ أهدافها الكاملة وهي على بعد ما يقارب 22 مليار كيلومتر في العام 2020، وهذا أمر يصعب تخيله أو تصديقه. وسفن أعماق الفضاء أمثال غاليلو إلى المشتري وكاسيني التي انطلقت قبل سنتين لبعثة تستغرق سبع سنين كي تصل زحل كذلك تثير انتباه الناس وتأسر خيالهم الواسع.

اتصالات مع أعماق الفضاء

والذي يتبادر إلى أذهان الكثيرين أنه قد يكون من السهولة إجراء الاتصالات الآنية على سطح الأرض أو بين الأقمار الصناعية، ولكن كيف يتم الاتصال في عمق الفضاء الخارجي وعلى بعد مسافات ملايين بل مليارات الكيلومترات؟ مما لا شك فيه أن تسلم وإرسال إشارات اتصالات الراديو إلى هذه المسافات الشاسعة هو تحدٍّ تقني كبير وجهد هندسي هائل ومتطور، فضلا عن ضخامة المهمات الفلكية التي يتم إنجازها من قبل هذه السفن الفضائية. فتأخذ إشارة الراديو في حدود 45 دقيقة كي تصل سفينة فضاء غاليلو التي يبعد مسارها (حول المشتري) عن الأرض 800 مليون كيلومتر. ويستغرق ضعف الوقت لإرسال وتسلم إشارة الاتصالات إلى سفينة الفضاء.

وقد قطعت تقنية الاتصالات الإلكترونية في أعماق الفضاء، منذ بداية أبحاثها أواخر الخمسينات، باعا طويلا في هذا المضمار، وغالبا ما يركز البحث والتطوير في حقل «اتصالات عمق الفضاء» على أمرين أساسيين:

أولا: الاستمرار في تقديم أفضل التصاميم للهوائيات (Antennas) المستخدمة في المحطات الأرضية لتقوية الإشارة المرسلة وتكبيرها عند الاستقبال. وتعتمد كل أنظمة الإرسال على قدرة تردد الراديو (Radio Frequency) المشعة التي تعاني مما يسمى بـ «خسارة القدرة المنتشرة» المؤدية إلى تضاؤل مستمر لفيض هذه الأشعة ثم ضعف الإشارة المرسلة. ويحدث هذا بسبب انحراف الأشعة عن مسارها كلما ابتعدت عن محطات الإرسال. تضاف إلى ذلك مشكلة التشويش التي تزداد اطرادا عند الابتعاد أكثر من الأجهزة المرسلة، ولا تعتبر الاتصالات مع الأقمار الصناعية بحجم هذه المشكلة لقربها من الأرض من جانب وشبه ثباتها في مداراتها «Geostationary» حول الأرض من جانب آخر. بينما سفن الفضاء النائية تتحرك وترتفع في مساراتها مثل نجوم السماء.

تصاميم مطورة

والحل الحاسم لتوفير الاتصالات الإلكترونية لسفن الفضاء بين الكواكب هو التقوية الجبارة للإشارات المرسلة عبر تصاميم مطورة لتأمين الاتصالات مع أعماق الفضاء. وهذا يعني التغلب على مشكلة «خسارة القدرة المنتشرة» وذلك بزيادة القدرة المشعة بواسطة محطات مرسلة ذات طاقات عالية. وربما الأهم جعل أحجام صحون (دش) الهوائيات ذات أقطار كبيرة. ويقول علم فيزياء التصميم إن مقارعة «خسارة القدرة المنتشرة» تتوجب مضاعفة قطر صحن (دش) الهوائي لزيادة قوتها وتركيزها. ولأجل تحسس الإشارات المقبلة من مسافات بعيدة وغالبا ما تكون ضعيفة يتوجب على الهوائيات أن يكون شكلها وسطحها متناسبين مع طول موجة هذه الإشارات. ومازالت البحوث تركز على أن يكون شكل الدش قطعيا مكافئا (Parabola) حتى يتمكن من التقاط إشارات الأشعة المقبلة. ويكون سطح الدش ناعما ومتساويا حتى يحدث انعكاس الأشعة (ذات طول موجي في مدى غيغاهرتز) في طور أو حال واحدة. والأهم من ذلك استعمال آخر البحوث عن استخدام أفضل المعادن المتوافرة لطلاء سطح هذه الصحون للمساعدة على جمع الأشعة وعدم استطارتها عند الوصول إلى المحطات الأرضية.

ثانيا: الذي يحظى باهتمام علماء ومهندسي الفضاء هو تطوير الأجهزة الإلكترونية على المركبات الفضائية والموجودة في المحطات الأرضية. وأفضل ما يسترعي الانتباه عموما هو المكبرات الإلكترونية «Amplitiers» والتي تكون من نوع Tube » «Travelling Wave أو «Keystrons» العاملة على موجات المايكروويف القادرة، بعد البحوث الطويلة، على إنتاجها قدرات الكترونية مشعة تتراوح بين مئات أو آلاف الواطات. وتبرد هذه الأجهزة المستخدمة في المحطات الأرضية بسائل الهليوم (سائل غازي درجة حرارته 269 تحت الصفر) لحذف التشوش الحراري والإضافي المنبعث من المكبرات والأجهزة الأخرى وبالتالي تقليل نسبة التشويش وتصبح الإشارة مفهومة وقابلة للقراءة أو التحليل من قبل العلماء.

ويبدو أن وصول سفينة فضاء فويجر إلى هذا العمق الفضائي وقابليتها للمحافظة على الاتصالات الإلكترونية مع الأرض طوال الوقت، معناه أننا دخلنا مرحلة جديدة للاستكشاف والمعرفة الكونية، والأهم ربما تخطي حدود المجموعة الشمسية وبداية تفهم أسرار المجرات الأخرى وسبر غور الكون الشاسع

العدد 67 - الإثنين 11 نوفمبر 2002م الموافق 06 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً