العدد 672 - الخميس 08 يوليو 2004م الموافق 20 جمادى الأولى 1425هـ

الصحراء الغربية... من أعماق التاريخ إلى بدايات الاستعمار الغربي

الصحراء الغربية والاستعمار (1-2)

شهدت قضية الصحراء الغربية زخما جديدا عقب تولي رئيس الوزراء الاسباني الحالي خوسيه لويس ثاباتيرو زمام السلطة في مدريد مستفيدا من تفجيرات القطارات الدموية التي أدخلت حكومة سلفه خوسيه ماريا ازنار في الحرج بسبب دعمها غير المبرر لحرب العراق. وفي أول جولاته الخارجية قام ثاباتيرو بزيارة المغرب معلنا بداية مرحلة جديدة بين البلدين. وأعرب عن رغبة بلاده في التوسط - وهي المستعمر السابق للصحراء الغربية - لحل هذه المشكلة التي استعصت على كل المحافل الدولية والإقليمية وتنعكس آثارها سلبا على طبيعة العلاقات بين دول المغرب العربي من جهة - وخصوصا المغرب والجزائر - وبين دول المغرب واسبانيا من جهة أخرى.

التحرك الاسباني جاء قبل أيام من إعلان الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر تخليه عن خطته التي سعى إلى إنجاحها على مر سنوات بدعم من الأمم المتحدة لإجراء استفتاء لشعب الصحراء من اجل تقرير المصير، لكن جهوده لم تكلل بالنجاح. وعليه تعد الساحة خالية وجاهزة للدبلوماسية الاسبانية علّ حكومة ثاباتيرو تنجح وتضع حدا للإرث الذي تركه الاستعمار الاسباني ينخر في قلب الصحراء الغربية ويعطل سبل تقدم وازدهار دول المغرب العربي.

الصحراء الغربية

يقول الباحث الإسلامي المغربي عبدالكريم مطيع الحمداوي إذا أردت أن تضيع الحقيقة فاجعلها موضوع صراع بين دولتين من دول العالم النامي. وهذا يتضح لمن يتصدى للبحث في قضية الصحراء الغربية - الساقية الحمراء ووادي الذهب - وصراع المغرب والجزائر وموريتانيا حولها. ويضيف الحمداوي أن هذه القضية لها من الخصوصية ما يجعلها من أطرف القضايا التي لم تتخذ إزاءها أية دولة لها صلة، موقفا واحدا أو ثابتا. وكذلك الحال بالنسبة إلى الأحزاب الوطنية في المغرب والجزائر وفرنسا واسبانيا والمنظمات الدولية والإقليمية، ما يجعل الاستنتاجات المستخلصة من أدبيات هذه الجهات غير ثابتة، ويجعل الأحكام المستقرأة منها غير دقيقة.

الحقيقة المطلقة الكامنة وراء هذا الصراع ضائعة خلف التصريحات المفعمة بتعابير الوحدة، والمصير المشترك، وحقوق الإنسان والتعاون والتفاهم والعدل والسلام، ما يجعل الأدوات التي يمكن أن يعتمدها الباحث مجرد أقنعة سميكة تغطي عداء عنيفا، وتطرفا شديدا وتوظيفا انتهازيا مغرضا لكل مظاهر الحقيقة، من أجل اغتيال جوهرها وتصفيتها. لذلك سلك الباحث منهجا طارد فيه الحقيقة، ومزق الأقنعة المتعددة التي كستها مطامع الدول المورطة في هذا الصراع وأهدافها وأغراضها. ولهذا عاد إلى الجذور الجغرافية والتاريخ.

أصل التسمية

اسمها دائم التغير والتبدل تماما كما هو حال مواقف الدول والحكومات والمنظمات والأحزاب المرتبطة بعلاقة ما معها. وكما تجدها أحيانا معشوشبة خضراء، وأحيانا قاحلة جرداء تعلوها الصخور السوداء الصماء، وأحيانا كثبانا رملية متشابهة تسفيها الرياح، وتعيث فيها العقارب والثعابين والأفاعي. كذلك تجد اسمها الذي يطلق عليها عبر التاريخ - مع ما حولها من بلاد شمال افريقيا - اسمها الذي كان يوما ما: بلاد البربر، ويوم ما كان عند الجغرافيين العرب «بلاد المغرب»، و«جزيرة المغرب»، وقبل ذلك كان الاسم: ليبيا - افريقيا الصغرى - السلسلة الأطلنطية - بلاد الليبو، والمشوشيين، وتماحو، وتحنو، وكهاكا، وظهرت كثير من هذه الاسماء في النقوش الفرعونية التي ترجع إلى ما بين 1700 ق.م، 1300 ق.م.

وعموما فإن موقعها على الطبيعة يبتدئ عندما تغادر مدينة أغادير وتتجه جنوبا بمحاذاة المحيط الأطلسي: هناك تدخل الصحراء، والمنطقة الأولى منها يطلق عليها «طرفاية» وعاصمتها «طانطان» ومساحتها 25600 كلم2. والمنطقة التي تليها معروفة باسم «الساقية الحمراء» التي تمتد إلى الجنوب من وادي درعة، ومساحتها 82000 كلم2، ثم تليها على امتداد الساحل منطقة «وادي الذهب» التي يعتبر جزؤها الشرقي امتدادا لمنطقة «تيرس» الموريتانية، ومساحتها 19000 كلم2.

أما امتداد الصحراء الغربية شرقا فمنطقة «تندوف» و«الساورة» و«توات» إلى حدود مالي جنوبا، وهي المناطق التي اقتطعتها فرنسا من المغرب وضمتها إلى الجزائر، وما زالت موضوع نزاع هادئ بين الجارتين. فإن واصلنا الاتجاه جنوبا بلغنا حدود موريتانيا التي كانت في يوم ما جزءا من الصحراء، وامتدادا طبيعيا لبلاد موريتانيا الغربية، أو الطنجية في عهد الرومان، أو المغرب الأقصى في العهد الإسلامي.

وعلى هذا فالحدود الطبيعية لهذه المنطقة التي شغلت الأمم المتحدة، ومنظمة الوحدة الافريقية ودول شمال افريقيا، والدول الأوروبية ذات العلاقة الاستعمارية بافريقيا هي من الشمال: المغرب الشمالي، ومن الجنوب رأس كانسادور - لكويرة - ومن الغرب المحيط الأطلنطي، ومن الشرق صحراء تندوف في القطر الجزائري. أما مساحتها فبحسب المسح الاسباني 272000 كم2، داخل منطقة عرضها 460 كلم وطولها 1200 كلم.

وبالنسبة إلى الموقع الجغرافي الدولي، يمكن تحديد المنطقة بخطي الطول 8 و 20 وبخطي العرض 28 و20، ويمر خط الطول 16 على مدينة الداخلة، في حين يشكل خط الطول 12 الجزء الأوسط من حدود الصحراء مع موريتانيا. وتمثل الصحراء الغربية موقعا استراتيجيا بالغ الأهمية، فهي تعتبر نقطة دفاع طبيعي، ومراقبة دقيقة لجزر الكناري والطرق البحرية في المحيط، كما تشكل المعبر الرئيسي برا وبحرا وجوا - ما بين أوروبا وافريقيا، وجزءا مهما من الجناح الغربي للعالم الإسلامي والوطن العربي يجب حمايته وصيانته والدفاع عنه.

السكان

انطلاقا من خاصية التحول والتغير التي تطبع القضية الصحراوية فإننا نتيه في غمرة البحث عن هوية سكان المنطقة وأصولهم وعددهم. أما عن أصول السكان فإن الاختلاف في ذلك أكبر من أن يحد، فمن قائل إنهم من الجنس الآري، ومن قائل إنهم من الغاليين والرومان والوندال النازحين من الشمال ومن قائل إنهم نزحوا عقب انفجار سد مأرب في اليمن وعقب هزيمة الكنعانيين في معركة طالوت وجالوت بفلسطين.

لذلك نستهل هذا التصنيف بما ذكره الأستاذ محمد بنعزوز حكيم في كتابه: السيادة المغربية في الأقاليم الصحراوية من خلال الوثائق المخزنية، ص 26 - إذ يسجل أنها خمس وعشرون قبيلة هي: تكنة، آيت موسى وعلي، آيت لحسن، آيت جمل، أزرقيين، أولاد تدرارين، العروسيين أولاد دليم، الركيبات، أولاد بوسبع، زمور، البويهات، أهل الشيخ ماء العينين، المويسات، فيلالة، يكوت، توبالت، كميار - مجاط، الفويكات، الكراع، المناصير، أولاد موسى، أولاد علي، شتوكة.

الحياة الاجتماعية والاقتصادية

الوضع الاجتماعي في منطقة الساقية الحمراء ووادي الذهب - الصحراء الغربية - متأثر جدا بطبيعة المنطقة الصحراوية، وكونها جزءا من قارة افريقية متخلفة، وكونها كانت إلى وقت قريب تحت استعمار اسباني فاشستي متخلف... على أن النسق الاجتماعي يعتمد على نظام قبلي حاد تنعزل فيه كل قبيلة عن الأخرى، وتخضع كل منها لرئيس يختاره كبراؤها تستشيره وتتحاكم إليه لحل كل خلاف، وترسله مع بطانته إلى مفاوضة القبائل الأخرى أو لأداء البيعة للسلطة المركزية، وتقدمه إلى قيادة الجهاد ضد الغزو الأجنبي.

معيشتهم تعتمد كثيرا على اللحوم والفواكه المجففة، التي يستوردونها من الشمال، ويعتبر خبز القمح والشعير والكسكسو أهم طعام لديهم. أما اللباس فمن لونين: أبيض وأزرق، الأبيض للشرفاء والأزرق لعامة الناس، ومنه أطلق عليهم الأوروبيون «الرجال الزرق». أما العمامة واللثام اللذان اشتهروا بهما فسُمّوا «الملثمين» فهما عادة عربية استقدمها المهاجرون الأوائل معهم من الجزيرة العربية.

أما الحياة الاقتصادية فتعتمد على معادن الفوسفات في بوكراع، والحديد بناحية زميلات اكراسات، والبوتاس في الساقية الحمراء، والنحاس في جبل أنيال. وعلى المزروعات من الذرة والشعير وتربية المواشي من الإبل والغنم والماعز «بحسب إحصاء 1972: 39000 جمل، 57800 ماعز، و11230 رأس غنم» وعلى الصيد البحري الذي يعتبر الثروة الحقيقية الأولى للصحراء الغربية.

الفتح الإسلامي

تعاقب على المغرب الأقصى - بما فيه السوس الأقصى، الصحراء - قبل الإسلام، غزاة من ثلاثة أجناس. الفينيقيون التجار الذين اكتفوا بالمعاملات التجارية في الموانئ ولم يتجاوزوها في غالبية الأحيان. ثم الرومان، فالبيزنطيون فالوندال، وكلهم جاءوا غزاة فاتحين، ولكنهم لم يكونوا يتجاوزون الشواطئ، وفي أحيان قليلة كانوا يؤسسون بعض المراكز العسكرية المحصنة في الداخل، مثل مدينة «هليوبوليس» أو «وليلي» قرب مدينة زرهون، التي كانت مرتبطة بمدينة طنجة بواسطة طريق بري شبه معبد.

أما في الداخل فإن السكان الأصليين كانوا يحتفظون بحريتهم الكاملة، ويمنعون الغزاة بحد السلاح من التوغل وإتمام السيطرة على البلاد، وكانت لهم طيلة هذه العهود ممالك صغيرة وإمارات أشبه ما تكون بتجمعات فيدرالية للقبائل، عليها رئيس يسمى «أكليد». وفيما كان بعض هؤلاء الـ «أكليد» - الأمراء - يؤدون الجباية لهرقل ملك الروم ولغيره من أباطرة الغزاة، اتقاء لشرهم، واستعانة بهم على منافسيهم من رؤساء البربر الآخرين، كان أمراء برابرة غيرهم يرفعون شعار طرد الاستعمار الأجنبي وتوحيد البلاد كما هو حال «يوغورتا».

منذ انهيار إمبراطورية الموحدين العام 1269 دخلت المنطقة مرحلة الضعف، وكانت أولى بوادره تعددية مراكز السلطة «بنومرين في المغرب الأقصى، بنوزيان في الجزائر، بنو الأحمر في الأندلس». وأخذ الوضع السياسي يأخذ شكل علاقات متناقضة وتحالفات متغيرة تدفع بني زيان إلى محاربة المرينيين أحيانا، وتدفع بني الأحمر إلى التحالف مع المسيحيين ضد بني مرين أحيانا أخرى.

وفي الوقت نفسه كانت بوادر استراتيجية أوروبية غربية مسيحية تتكون على أساس توحيد شبة جزيرة «إيبريا» وعزل بني الأحمر عن مراكز القوة الإسلامية في المنطقة تمهيدا لطرد العرب من اسبانيا، ثم التقدم لاحتلال المناطق الساحلية لأفريقيا الشمالية تمهيدا للسيطرة عليها.

وفي العام 1504م قام الاسبان بأول غزو للصحراء الغربية انطلاقا من جزر الكناري، إذ نهبوا قافلة لقبيلة «تكنة» في عملية بحثهم عن الذهب والعبيد. وفي أواسط القرن الخامس عشر (1476) أنشأت اسبانيا برجا في مصب وادي الشبيكة.

وفي العام 1492 استرجعه المغاربة، ولكن الاسبان أعادوا بناءه سنة 1496، واسترجعه المغاربة مرة أخرى سنة 1517، ثم أعاد الاسبان احتلاله في السنة نفسها، ولم يسترجعه المغاربة إلا في العام 1527

العدد 672 - الخميس 08 يوليو 2004م الموافق 20 جمادى الأولى 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً