العدد 71 - الجمعة 15 نوفمبر 2002م الموافق 10 رمضان 1423هـ

الديمقراطية ومكافحة الفساد

عزت عبدالنبي comments [at] alwasatnews.com

هل يمكن ان يتم بناء الديمقراطية بوتيرة طبيعية في مجتمع لا يكافح فيه الفساد، ولا تتم فيه محاسبة قواه وعناصره؟

اعتقد أن افضل كاشف للموضوع هو الكلام عن اسس بناء الديمقراطية، وربطها بطبيعة الفساد ومناخات نموه، وطبيعة عناصره. فالديمقراطية في ابسط صورها تعني المشاركة في صنع القرار، وحرية التعبير، والمحاسبة، وتداول السلطة.

و المشاركة السياسية يتم بناؤها وتأسيسها، وفقا للتشريعات السياسية والدستورية الحديثة، على قاعدة فصل السلطات الثلاث وتعاونها. وفصل السلطات، يعني ان يقوم الشعب من خلال ممثليه المنتخبين بدور التشريع ضمن آلية للتعاون مع السلطة التنفيذية، ممثلة في عظمة الملك، وبالتعاون مع الحكومة. ويكون الفصل في اية خلافات دستورية بينهما من صلاحيات السلطة الثالثة، وهي السلطة القضائية ممثلة في المحكمة الدستورية.

وعادة ما تحاول قوى الفساد في اي مجتمع الحد من الدور المستقل للسلطة التشريعية او تقويض هذا الدور. ولذلك، إذا لم يقاوم الفساد في المجتمع وتتم مكافحة قواه الفاعلة، والتي غالبا ما تكون في اوساط بعض السلطات التنفيذية، وبعض تنظيماته السياسية والمدنية، ومؤسساته الاقتصادية العامة والخاصة، فإن الديمقراطية تكون في خطر ماثل. ان قوى الفساد تحتاج إلى تشريعات توفر لها الارضية اللازمة للعبث بالمال العام، وسرقة بعض موارده، لتعزيز سلطتها ونفوذها وضمان حمايتها. او انها لا تريد وضع تشريعات من شأنها الحد او التضييق عليها في هذا الشأن. ولذلك لا تقبل التخلي عن دورها او إداراتها او سلطتها المطلقة في التشريع، أو حتى مجرد تقييدها.

ان هيمنة وسطوة قوى الفساد، تشكل احد عناصر القاعدة التحتية لقبر الديمقراطية. وكذلك قوانين «عفا الله عما سلف»، لأنها غالبا ما تؤسس الارضية لـ «عفا الله عما سيأتي». وهذه قوانين تعزز الفساد، بدل الحد منه ومكافحته. وهذا ما جعل الشريعة الاسلامية تسد باب السقوط بالتقادم، في الحقوق عموما، والمال العام خصوصا، وهذا ما نصت عليه الكثير من الدساتير بعدم سقوط العبث بالمال العام وجرائم التعذيب الجسدي بالتقادم.

وبطبيعة الحال، فإن للفساد اذرعا كثيرة، وله سبع ارواح ان لم تكن اكثر. فالفساد يسكن نفوس البشر، وبذرته في كل نشاط بلا استثناء. ولذلك فإن القضاء عليه كليا يكاد يكون مستحيلا. وهذا ما يجعل الاستمرار والصدق في مكافحة الفساد، الضمان الوحيد لحفظ المال العام من العبث، وحفظ المجتمع. ومن وجهة نظري، فان صيانة استقلال السلطة التشريعية وتعزيزها احد الضمانات المهمة لحفظ الديمقراطية من قوى الفساد. وخلافه فإن الفاسدين لن يهدأ لهم بال قبل تخريب الديمقراطية والاصلاح السياسي المؤسس عليها، وقبر الاثنين معا. كما ان تكريس السلطة المطلقة للسلطة التنفيذية في زمن الاصلاح السياسي والديمقراطي، ليس له هدف غير الدفاع عن قاعدة «عفا الله عما سلف»، وكأن الخير السابق في حياة الشعوب يستوي مع الفساد، على رغم النتائج التي عانى منها المجتمع، وعلى رغم القوة والسلطة والنفوذ، التي بناها الفساد في المجتمع للفاسدين في مختلف مواقعهم، ودور ذلك في تأثيرهم السلبي المقبل، في مستقبل البلاد، اذا لم تتم تنحيتهم عن مواقعهم، واستمروا في مرحلة الاصلاح.

وبطبيعة الحال ايضا، فإن قوى الفساد بطبيعتها تكون معادية لحرية الرأي. لأن حرية الرأي تعريهم وتعمل على تسليط الضوء على ممارساتهم واخلاقيات فسادهم. ولذلك فإن الفاسدين معادون للضوابط الادارية والمالية والقانونية المبنية على مبدأ الشفافية. كما ان ليست لهم مصلحة في تمثيل المجتمع من قبل العناصر الكفوءة والملمة ببواطن الامور، او العناصر القادرة ذات التاريخ الوطني المشرف والمسلحة بالمعرفة. وهذا ما يجعل العناصر والقوى الوطنية النظيفة عدوة لهم، يناصبونها العداء ويحاربونها من اجل منعها من الوصول إلى مواقع المشاركة في التشريع، او المساهمة في رسم السياسات العامة والمحاسبة لذلك فإن الديمقراطية تكون في خطر في حال استشراء هذه القوى في المجتمع، نتيجة لسلطانها المالي والسياسي. كما انها ليس لها مصلحة في تشكيل مجلس نيابي قوي، وذلك على عكس المشروع الاصلاحي، الذي تعد السلطة التشريعية القوية بالنسبة إليه ضمانة للنجاح، واداة لتطوير المجتمع، على اساس عناصر الاصلاح التي تحقق للمجتمع الاستقرار والنمو والتطور في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

والعنصر الثالث هو المحاسبة. وهي مرتبطة بشكل وثيق بالتشريع من جهة، وبالقدرة الذاتية للنواب من جهة أخرى. فالتشريع يوفر الارضية القانونية للمحاسبة، وسلامة المحاسبين على انفسهم واموالهم. والقدرة الذاتية تتولد من قوة شخصية المحاسب وتاريخه الوطني السياسي، وقاعدة المعلومات المتوافرة لديه، ودرجة الشفافية السائدة في حركة المجتمع ونشاطاته الاقتصادية والسياسية. ولذلك فإن الاساس الدستوري والقانوني، الذي يحدد ادوات وآليات العمل الديمقراطي يعد عنصرا مهما في محاربة الفساد.

فإذا حددت القوانين أن الديمقراطية معنية بمحاسبة المستقبل، وليست معنية بمحاسبة الماضي، تحت مبدأ «عفا الله عما سلف»، فإن المحاسبة المستقبلية لا يمكن ان تكون فعالة، وستكون كالاعرج الذي يحاول ان يعبر الصحراء. وذلك ببساطة لان مشروعات التنمية الاقتصادية، والبنية التحتية لمشروعات الاقتصاد الاجتماعي، ليست مشروعات آنية، وليس لها تقادم لانها شيدت في الماضي من اجل المستقبل. وإذا انهارت او تكشف فيها الفساد، فكيف يحدد زمان ووقت وقانونية المحاسبة عليها. ولذلك، ومرة ثانية اقول، ان سياسة «عفا الله عما سلف»، تؤسس غالبا لـ «عفا الله عما سيأتي»، اذا ما تعلق الامر بسياسة بناء الوطن.

ان نجاة الديمقراطية ومشروع الاصلاح السياسي لعظمة الملك من الفساد، امر مهم لمستقبل هذه البلاد. ولذلك فإن تولي امر محاربة الفساد من راعي المشروع الاصلاحي عظمة الملك، يأخذ اهمية خاصة جدا، اذا اريد للاصلاح السياسي ان يتجذر، وان يفوت على الفساد اجهاض الديمقراطية، كي تلعب دورها الطبيعي في تحقيق اهداف المشروع الاصلاحي.

ان مكافحة الفساد يحتاج إلى وضع بناء تنظيمي قوي لجهاز مكافحة الفساد. ويحتاج الى وضع آليات عمل متطورة وتوظيف كوادر بشرية مقتنعة بشر آفة الفساد، وقدرته السلبية على تقويض قواعد الديمقراطية. وهذه الكوادر يجب ان يكون ايمانها راسخا بقيمة تعزيز اسس الديمقراطية الحديثة، بوصفها أداة ضرورية لانجاح المشروع السياسي لعظمة الملك

إقرأ أيضا لـ "عزت عبدالنبي"

العدد 71 - الجمعة 15 نوفمبر 2002م الموافق 10 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً