العدد 829 - الأحد 12 ديسمبر 2004م الموافق 29 شوال 1425هـ

الوشم على الأجساد... ظاهرة جديدة تغزو أحياء بغداد الفقيرة

مهدي السعيد comments [at] alwasatnews.com

فن الوشم على الأجساد، من الفنون القديمة التي ظهرت في وادي الرافدين منذ عهد السلالات السومرية الأولى وكان يستخدم في البداية كإشارات لتمييز الأفراد ومراتبهم الاجتماعية، ولكنه اصبح فيما بعد وسيلة جمالية وفي أحيان أخرى علاجية، اذ اعتقد الأولون بأن وشم الجزء المريض من الجسد يساعد في إبرائه من المرض.

وبتقدم العصور تحول الوشم على الأجساد الى تقليد راسخ في تقاليد الريف العراقي، بيد ان صدام حسين منعه، فصار يسري بين الناس بصورة سرية، ومن يضبط أثناء قيامه بالوشم على اجزاء الجسم اما ان يسجن أو يعدم، وبذلك انقطعت هذه العادة من التداول بين الناس.

ولكن صدام حسين استخدمها لمعاقبة الهاربين من الخدمة العسكرية والخارجين عن الالتزام بتوجيهات الجهات الحكومية ومرتكبي الجرائم، اذ ابتدع اسلوب وشم الوجه، على من لا يشارك في «قادسية صدام» أي الحرب العراقية الإيرانية، اذ يكتب على وجه الهارب من الخدمة «جبان» وهذا يجب ان يحمل معه هذه اليافطة اينما ذهب طوال حياته.

وهكذا تحول هذا الفن القديم الى اجراء عقابي والملفت للنظر ان صدام حسين نفسه موشوم اليدين، ولم ينتزع هذا الوشم من يديه إلى الآن. وهي كما قلت عادة ريفية إذ قلما يوجد ثمة شخص في ارياف العراق من دون وشم على الجسم.

ونساء الريف في العراق يبدأن بوشم اجسادهن وبعض اجزاء الوجه منذ الطفولة، كوسيلة جمالية بدائية، ولكنها متوارثة أبا عن جد، وبعد انقطاع طويل، عاد هذا النمط من الفنون الى الظهور مجددا، فقد التقط الوشامون نفسا عميقا منذ سقوط النظام السابق، ولم يعودوا يخافون مداهمة ورشاتهم من قبل أجهزة صدام الأمنية، وربما وجدوا بإقبال الجنود الأميركان على وشم أجسادهم فرصة لجمع المال في هذه المرحلة من التردي الاقتصادي.

البعض من الوشامين كانوا يخدمون في الجيش العراقي المنحل، ومنهم من يجند في قوات الحرس الجمهوري، وآخرون كانوا يعملون في مواقع الدولة الدنيا، ووجدوا انفسهم عاطلين عن العمل بعد ان حلت تلك المؤسسات، ولأنهم لا يجيدون سوى مهنة «الوشم» فقد استخدموا بيوتهم كورشات عمل لممارسة المهنة، التي بدأت تغزوا بعض مناطق بغداد الفقيرة، لأنها تدر نسبة معقولة من الأرباح.

ويتركز الوشامون في مدينة «الصدر» و«الشعلة» وبعض المناطق الأخرى المعروفة بفقرها، ولكن الإقبال يتزايد على هؤلاء وخصوصا من قبل الأجانب، الذين أعجبتهم الرسوم العراقية المختلفة.

يقول احد الوشامين «اننا نحصل عن الوشم الصغير مبلغاً يعادل خمسة دولارات وعن الوشم الكبير مبلغا يعادل عشرين دولاراً» وهذا المبلغ يعتبر في مقاييس العمل في العراق مبلغاً كبيراً.

ويضيف: «ان زبائننا بالدرجة الأولى عراقيون من النساء والرجال ولكن الأجانب وخصوصا الأميركان بدأوا يتوافدون الى دورنا بأعداد كبيرة، ولكن المشكلة ان بعض المتدينين مازالوا يعتقدون بأن هذه الظاهرة تخرج عن طورها الإسلامي، ومن هنا يتسرب الخوف إلينا، من احتمالات مهاجمتنا من قبل مجهولين».

ويشير الى ان غالبية الطلبات تريد وشم العضد واجزاء بأسماء الصحابة أو بأحاديث نبوية أو أسماء الجلالة، وهناك من يريد رسم عبارات الحب والغيرة، أما الأميركان فيفضلون رسم الجمجمة أو الحيوانات الخرافية أو ما شاكل ذلك.

ولكن المميز ان النساء يطلبن رسم «الفراشات» الملونة أو القلب المجروح، والأغرب من ذلك كله ان بعض الاشخاص يأتون الينا ويطلبون رسم صورة «صدام حسين» ونحن ننفذ طلبات هؤلاء العملاء بحسب ما يريدون.

بعض الوشامين استورد القفازات الطبية ما يعرض الكثيرين الى خطر انتقال الأمراض المختلفة عبر الدم. وهذه مشكلة تقلق الجهات الصحية في بغداد، والتي تحاول منع هذا النوع ما لم يخضع لمراقبة دقيقة وموافقة رسمية

العدد 829 - الأحد 12 ديسمبر 2004م الموافق 29 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً