العدد 925 - الجمعة 18 مارس 2005م الموافق 07 صفر 1426هـ

نصف مليون فتاة من أوروبا الشرقية يعملن في جحيم الدعارة لإعالة عائلاتهن

قبل أيام قليلة حصل شيء غير عادي في مدينة ألمانية. فقد احتجت جماعة نسائية، تنتمي إلى الاتحاد المسيحي الديمقراطي الألماني، لدى الكنيسة الإنجيلية لأنها وجهت الدعوة إلى النائب السابق لرئيس المجلس المركزي ليهود ألمانيا ميشائيل فريدمان الذي اضطر في العام 2003 إلى التخلي عن جميع مناصبه ومنها عضوية مجلس قيادة الاتحاد المسيحي، بعد أن افتضح أمره بأنه يتعاطى مخدر الكوكايين وأنه كان تحت اسم مستعار يوصي بفتيات من أوروبا الشرقية يعملن تحت طائلة التهديد في أقدم مهنة بالتاريخ.

واستغربت النساء المحتجات كيف بوسع رجل خالف تعاليم الأرض والسماء أن يلقي كلمة في مؤتمر كنسي ويتحدث عن الدين والأخلاق بعد كل ما فعله! وحين افتضح أمر فريدمان الذي كان قبلها يقدم برنامجا تلفزيونيا يفرض فيه هيبته على السياسيين الألمان، جرى الكشف عن فضيحة كانت طي الكتمان لفترة طويلة، وهي علاقة جماعات الدعارة مع شخصيات مرموقة.

وبعد تأكيد الفحوصات الطبية أن نائب رئيس المجلس المركزي ليهود ألمانيا يتعاطى الكوكايين تم تغريمه 17 ألف يورو بدلا من عقوبة السجن، إلا أن احتجاج سيدات الاتحاد المسيحي الديمقراطي بمدينة هانوفر كان بسبب ممارسة فريدمان الدعارة مع فتيات من أوروبا الشرقية، على رغم علمه بأنهن مجبرات على العمل بهذه المهنة وتحت طائلة التهديد، وأنهن دخلن إلى ألمانيا بصورة غير مشروعة فيما كان يشارك ضيوف برنامجه الوعظ عن الأخلاق والسياسة.

واعترفت متحدثة باسم الكنيسة الإنجيلية، ثاني أهم كنيسة بعد الكاثوليكية في ألمانيا، بأنه كان من الخطأ توجيه دعوة إلى فريدمان، وأشارت إلى ورود رسائل احتجاج كثيرة من مختلف فئات الشعب الألماني. إلا أنها أكدت أن هذه الاحتجاجات ليست لها صلة بمعاداة السامية وإنما يرى أصحابها أنه من الخطأ أن يلقي رجل مثل فريدمان المواعظ بعد كل ما فعله.

وسلطت قضية فريدمان الأضواء مرة أخرى على حياة الهوان لمئات الآلاف من الفتيات الأوروبيات الشرقيات في دول الاتحاد الأوروبي، لقاء الحصول على بعض المال لإعالة عائلاتهن. ووفقا للإحصاءات هناك نحو نصف مليون امرأة أوروبية شرقية يعملن من دون حقوق ويجبرن على ممارسة الدعارة في دول الاتحاد.

الشابة أليكسانا التي كانت تعيش في مدينة صغيرة بروسيا البيضاء، كان حلمها الكبير أن تحصل على تعليم عال، لكنها لم تكن تملك المال الكافي لتحقيقه. والداها أعربا عن استعدادهما لبيع الأبقار لتمويل دراستها، غير أنها لم ترغب في مواصلة العيش في مدينتها الصغيرة، بعد أن شاهدت في التلفزيون الوجه الآخر للعالم، إذ ترتدي الفتيات أزياء فاخرة، وإذ المراقص والسيارات الرياضية. قال لها صديقها إنه يعرف أسرة في بولندا تبحث عن مربية لطفلها، وبعد أن حزمت حقائب السفر استقبلها رجل وامرأة عند وصولها هناك، وخلال العشاء شربت بعض النبيذ وحين أفاقت من نومها كانت في مدينة فرانكفورت الألمانية. وقامت سيدتان روسيتان بإبلاغها كيف عليها أن تعامل الزبائن، وحين أجهشت بالبكاء انهالتا عليها بالضرب! ولم يتخل الحظ عن أليكسانا، إذ بعد أسبوع واحد داهمت الشرطة الألمانية وكر الدعارة الذي أجبرت على العمل فيه وقضت في غياهبه أصعب أسبوع في حياتها.

إيرينا غروشيفايا التي تنحدر من مينسك لديها حكايات كثيرة مماثلة، فقد تحدثت إلى صحيفة "زود دويتشه"، أنها تعرفت في المهجر الأوروبي على عدد كبير من الفتيات اللواتي اخترن بأنفسهن العمل في مجال الدعارة لأنهن لم يحصلن على عمل آخر بعد كل ما تعرضن له من تحقير وإهانة، أو ضرب مبرح أفقدهن الاعتراض على طلبات الرجال الذين احتجزوا جوازات سفرهن حتى انتهى الأمر ببعضهن إلى الانتحار.

إيرينا غروشيفايا أم لولدين وتبلغ 56 عاما، كانت تعمل أستاذة جامعية في قسم الدراسات الجرمانية حتى العام .1997 شاركت في عمل تطوعي يشرف على رعاية أطفال تشرنوبيل، غير أنها سرعان ما تنبهت إلى قضية أخرى مثارة في روسيا البيضاء، وهي تجارة الرقيق الأبيض وقررت عمل شيء. تقول: "الدولة الفاسدة ليس بها أهمية لكرامة الإنسان". وزارت ألمانيا للمشاركة في مؤتمر دعت إليه مؤسسة هانز زايدل المقربة من الاتحاد المسيحي الاجتماعي البافاري بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، شارك فيه أيضا ممثلون عن مختلف الهيئات الاجتماعية والكنسية والادعاء العام والشرطة.

الرئيس الأوكراني فيكتور تشوشينكو قال عند وصوله إلى برلين الثلثاء الماضي: "إن نحو خمسة ملايين أوكراني قصدوا دول الاتحاد الأوروبي للحصول على المال لإعالة أسرهم في أوكرانيا"، ولكنه لم يذكر عدد النساء اللواتي يعملن من دون إرادتهن في الدعارة من أمستردام إلى لشبونة.

ووفقا لبيانات الاتحاد الأوروبي، هناك نصف مليون فتاة من أوروبا الشرقية مجبرات على العمل في مهنة الدعارة ويحصلن على أجر زهيد للغاية. وتفضل عصابات تهريب الأفراد العمل في هذا المجال لأنها تحصل سنويا على نحو 10 مليارات يورو، إضافة إلى انه أقل خطورة من تهريب السلاح أو المخدرات.

لينكا نيبلوفا تنحدر من التشيك، قالت: "لم يكن في بلدنا سابقا بائعات هوى أوكرانيات، لكن فجأة أتين بأعداد كبيرة بعد حصولهن على تأشيرة دخول إلى التشيك". الفتيات الضحايا على قدر كبير من الجمال، لكنهن ينحدرن من عائلات مفككة وبعضهن لديهن مشكلات قانونية، ما يجعلهن لقمة سائغة بأيدي تجار الرقيق الأبيض.

الأوضاع السائدة في البلدان التي تنحدر منها هذه الفتيات مثل انتشار الفقر وعدم توافر فرص الحصول على عمل كريم يجبرهن على البقاء في أوروبا الغربية مفضلين جحيمها وقليلا من المال الذي يحصلن عليه من "القوادين". ولا توفر القوانين في أوروبا الشرقية الحماية للنساء كما في أوروبا الغربية. ففي بريطانيا على سبيل المثال تعاظم دور المافيا الألبانية في مجال الدعارة ولم تمنع حملات المداهمة في مدن ألمانيا استمرار انتشار أوكار الدعارة غير المشروعة، وتخشى النساء الشكوى للشرطة لأنهن يعاقبن لاحقا من قبل "القوادين" الذين يتعاونون مع الشرطة في بلدانهن ويحصلون في الغرب على عقوبات مخففة

العدد 925 - الجمعة 18 مارس 2005م الموافق 07 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً