العدد 98 - الخميس 12 ديسمبر 2002م الموافق 07 شوال 1423هـ

اثيوبيا بين كارثة المجاعة واليأس

كان التحذير الذي وجهه الرئيس الاثيوبي بأن 14 مليون شخص يواجهون خطر المجاعة في الشهور المقبلة، قد تفوق في ضراوتها مجاعة الثمانينات التي لقي فيها مليون شخص حتفهم فيها... عَجّل هذا الأمر من القيام بأكبر عملية إغاثة غذائية إنسانية مباشرة في تاريخ العالم.

وصرّح رئيس الوزراء الاثيوبي ميليس زيناوي للـ «بي بي سي»: بأن «الحقائق تتحدث عن نفسها، في مجاعة العام 84 - 85 كان العدد المتضرر ثلث نصف عدد السكان المتأثرين الآن بالمجاعة. ويعتبر هذا كابوسا يصعب التفكير فيه». وكانت أولى إرهاصات الكارثة ان حوالي 84 في المئة من المحصول في الدولة فشل تماما. وتفاقمت أسعار الحبوب بينما انخفضت أسعار الماشية والأغنام اذ أصبحت الحيوانات ضعيفة وهزيلة وغير منتجة بعد عام من الجفاف حرمها من المرعى.

وبدأ الناس في الترحل بحثا عن الطعام. وازدادت التقارير عن سوء تغذية الأطفال الذين انتفخت بطونهم وذبلت أعضاء أجسادهم بفعل الجوع. وكان هناك عشرة أطفال على الأقل يشرفون على الموت يوميا في الأسر التي طعنها الجفاف ففرت إلى «بال» (أحد المنتزهات الأثيوبية القومية) وهي تنشد المأوى.

ومازال الخوف من أن تكون هذه الرحلة الأولية غيضا من فيض. ويقول برنامج الغذاء العالمي إن الحبوب المخزنة في الاحتياط الاستراتيجي للدولة تكفي لشهر واحد فقط، حتى ولو تم توزيع حصص أقل من المستوى المطلوب للقوت اليومي. ويقدر برنامج الغذاء العالمي أن اثيوبيا تحتاج في الربع الأول من العام المقبل ما بين 350,000 و000،500 طن من القمح. وإذا ما تحقق أسوأ الاحتمالات فإن نحو 2,2 مليون طن من الحبوب تحتاج إليه الدولة للعام 2003. وهذه الأرقام مخيفة، ولكن يمكن اعتبارها سارة من الجانب الآخر، لأنها تشير إلى أن أنظمة التحذير المبكر باشرت عملها بعد أن تفاقمت المجاعة. وقد عاد 23 فريقا من المفوضية الاثيوبية الحكومية لدرء ومقاومة الكوارث من المسح قبل الحصاد السنوي. وتشير نتائج هذا المسح إلى أن الأزمة ستشتد في مطلع العام الجديد.

ويعتبر هذا وقتا كافيا للمجتمع الدولي ليحشد جهوده جميعا، ومن خلال مساعدة غذائية سريعة يمكن تلافي الكارثة.

ولكن أنباء الكارثة استحوذت الآن على العناوين الرئيسية وذلك عندما أورد مراسل «بي بي سي» حكاية مروعة لموت طفل في الثامنة من عمره بسبب المجاعة. ويبدو انه على رغم كل أنظمة التحذير المبكر لم يفطن أحد للخطر حتى يموت الأطفال.

تعتبر الطوارئ الصغيرة في أثيوبيا روتينية. وحتى في أفضل السنوات لا تستطيع الدولة إنتاج كل احتياجاتها من الغذاء.

ووفقا لتقرير الكوارث العالمية للعام 2002، فإن السنتين الماضيتين شهدتا أعلى عدد كوارث متصلة بالمناخ رصدت خلال عقد من الزمان - إذ كان النقص الغذائي معتبرا. وكانت آخر مجاعة في العام 1999 - 2000 راح ضحيتها ما بين 6000 و20,000 شخص.

ويعتمد نحو 90 في المئة من الاثيوبيين على الزراعة المطرية. فإذا ما كان هناك نقص في معدل هطول الأمطار فإن العواقب دائما سريعة وقاسية. والسبب الذي يجعل الأزمة تتحول فجأة إلى كارثة أن تركة السنوات السابقة يحملها السكان معهم إلى السنة التالية. وقليل من مئات الآلاف من الماشية التي نفقت في جفاف العام 2000 تم تعويضها. أصبح الأطفال من دون حليب، ما جعلهم عرضة للأمراض. وقد تقلصت المقدرة على التأقلم مع كارثة أخرى سنة تلو السنة إلى أضيق هامش. وبالنسبة إلى شعب يعيش على حافة الجفاف فإن قليلا من المعاناة تدفعه ليكون على شفا كارثة.

يقول المستشار الإقليمي للأمن الغذائي، دان ماكسويل «يضطر الناس إلى النزوح عاما بعد عام، أو يبيعون ممتلكاتهم القليلة التي بحوزتهم، ونسبة كبيرة من السكان تعيش على حافة الفقر».

أصبحت دورة الجفاف أشد قسوة وأكثر تكرارا وفقا للتدهور النمطي في المناخ العالمي. وأصبح 30 مليون شخص من أصل السكان المقدر عددهم بنحو 67 مليونا، عرضة للمجاعة في آن واحد وذلك بحسب ما أورده أندرو بندلتون في المساعدة المسيحية.

وتعتبر الكارثة المتوقعة واضحة وجلية في الشمال. وفي اريتريا، ضرب الجفاف السهول الخصبة في الغرب، وهي سلة الغذاء التقليدي للدولة، ما يهدد بنقص في الغذاء في مناطق لم تكن من قبل تشهد مثل هذه المشكلات.

وذكرت وكالة كافود الكاثوليكية أن صفوفا خارج الكنائس بدت تظهر بحثا عن الغذاء. وفي الجنوب، في نهاية القرن الافريقي، تقوم منظمة أوكسام بحرق جثث الحيوانات لوقف انتشار الأمراض. وقد وضعت برنامجها الإضافي للغذاء قيد التنفيذ.

ويقول مستشار برنامج الطوارئ للمساعدة العملية، رونالد مافندوس «الوضع حقيقة سيئ وخصوصا في مناطق الاراضي المنخفضة، وستكون الاشارة المقبلة من جانب المساعدات الانسانية هي ما تسميه «زيادة الوفيات» ويوضح هذا في النهاية المشكلة الرئيسية في قلب الاستجابة الدولية لمعاناة العالم الثالث.

وتميل الحكومات في الدول الغنية إلى افتراض أن الحكومات الافريقية، ووكالات المساعدة، ومنظمات الامم المتحدة دائما تبالغ في تقدير أسوأ الكوارث المحتملة وذلك لزيادة الموارد تحت تصرفها. وتعتبر المشكلة في عالم المساعدات أنه في خطر المجازفة باتهامه بالتقصير اذا لم يعلن الكارثة في وقتها وجاءت الاستجابة لها متأخرة.

وأصبح واضحا أن هامش تسامح العالم الفقير مع الغرب الغني زاد تقلصا مع وجود شك الغرب يتمثل في المطالبة بالدليل: «أرونا الجثث الميتة»! وفي هذه الأثناء يستمر العالم الغني في التدقيق على إعادة الديون من الدول الفقيرة مثل اثيوبيا ، والتلاعب بالتجارة العالمية من أجل تخفيض اسعار الصادر الرئيسي لاثيوبيا، البن، في الثلاث السنوات الماضية إلى مستوى الأسعار قبل 30 عاما.

انه وضع مفجع بمعنى الكلمة، ففي حين ينخفض هامش التسامح لدى الفقراء مع الأغنياء باستمرار، يتفرج الأغنياء بانتظار رؤية جماجم اطفال الفقراء قبل أن يقوموا بأي عمل. ومالم تحدث تغييرات فإن الخطر يصبح حقيقة، وتعود مأساةالمجاعة لى المسرح مرة بعد أخرى

العدد 98 - الخميس 12 ديسمبر 2002م الموافق 07 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً