-
القائمة الرئيسية
-
ملاحق البحرين تنتخب 2014
-
اليسار في انحسار في البحرين كما في العالم العربي
أزمة اليسار في البحرين: بين واقع الانكفاء ورهانات النهوض
تعيش قوى اليسار في البحرين منذ سنوات حالة من التشرذم والتراجع في حظوظها السياسية، وهي مظاهر تعتبر في مجملها تجليات لما بات يعرف باسم أزمة اليسار.
ولذا تجد القوى السياسية اليسارية البحرينية نفسها اليوم وهي تقف أمام تجربتها في مراجعة نقدية للتعرف على أسباب الأزمة وتلمس طرق الخروج منها.
والحديث عن حالة الضياع التي يعيشها اليسار في العالم أجمع قد تصاعد منذ سقوط الاتحاد السوفياتي وانفراط عقد المنظومة الإشتراكية.
إنحسار القاعدة الشعبية
وعوامل الوهن والضعف التي تلم بقوى اليسار في البحرين تستوقف المراقب للمشهد السياسي في هذا البلد الخليجي الصغير، من حيث المساحة وعدد السكان في آن معا.
ولعل أبرز ما يستوقف المراقب هنا هي المفارقة التي تتبدى من خلال مقارنة واقع اليسار البحريني حاليا بالحيز الهام الذي احتله على مشهد العمل السياسي المعارض في الستينات والسبعينات من القرن الماضي.
وفي خضم المراجعة النقدية لسبر أغوار أزمة اليسار في البحرين، يعزو إبراهيم شريف، رئيس جمعية العمل الوطني الديمقراطي، جذور هذه الأزمة إلى أسباب أعمق من مجرد هزيمة وانفراط عقد المعسكر الإشتراكي.
ويقول: "أزمة اليسار قديمة، عمرها ربع قرن، تقريبا من نهاية السبعينيات. وأزمة اليسار في البحرين هي امتداد لأزمة اليسار العربي".
ويوضح قائلا: "هناك توسع للتيارات الإسلامية ونفوذها منذ منتصف السبعينيات وتراجع للتيارات القومية والتيارات اليسارية في نفس الفترة الزمنية".
إلا أن شريف يستدرك قائلا: "خلال السنوات الأربع الماضية التيار اليساري والقومي بدأ يشهد بعض الانتعاش".
ويمضي إلى القول: "لكن جزءا من هذا التيار أعاد انتاج أفكاره بما يتلاءم مع الوضع الجديد، وجزء منه ما زال يعيش في إما فكر قومي متعصب وإما فكر يساري غير مستوعب للتغييرات الدولية".
"الفشل يُحبِط"
والحديث عن الشروط الذاتية والموضوعية التي ساهمت في صوغ أزمة اليسار في البحرين متشعب.
ويرى عبد النبي العكري، وهو مناضل يساري قديم ومن الناشطين حاليا في إطار جمعية العمل الوطني الديمقراطي، أن تراجع حظوظ اليسار جماهيريا، وبالتالي سياسيا، تتأتى في جانب منها من إخفاق تجارب عربية حديثة تناغمت مع أهداف اليسار سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
ويقول: "أحد الأسباب هو أن المشروع التقدمي أو المشروع القومي بملامح تقدمية - يعني الذي حمله عبد الناصر، الذي حمله البعث، الذي حملته جبهة التحرير (الوطني) في الجزائر - انتهى إلى الفشل".
ويردف قائلا: "طبعا اليساريون كانوا مؤيدين لكثير من الجوانب في هذا المشروع. مثلا مسألة الاقتصاد، التأميمات، دور العمال البارز، العلمنة، حقوق المرأة، إلى آخر ذلك".
ويشير إلى حقيقة أن "الفشل يحبط والنجاح يغري بالتقليد".شريف: انحسار اليسار يعود لاسباب أعمق من انفراط المعسكر الاشتراكي
ويضيف: "وجاءت، طبعا، قمة الإحباط بانهيار الاتحاد السوفياتي وتفكك الدول الإشتراكية".
الثروة تأكل الثورة
ثمة ظروف خاصة بمنطقة الخليج ساهمت أيضا في تعميق أزمة اليسار في البحرين.
فالتدفق الهائل للثروة النفطية على دول الخليج منذ الطفرة النفطية في السبعينيات سحب البساط من تحت أقدام اليسار في أهم شعاراته وهو شعار بناء نظام اشتراكي يؤمن عيشا رغيدا لعامة الناس في المجتمع.
ويقول العكري إن اليسار في منطقة الخليج وجد نفسه يعمل "في ظل أنظمة لم تكتفِ بقمعه، بل أيضا شجعت الأطراف الدينية أو التيار الديني لمواجهته".
ويوضح قائلا: "بعد حل المجلس (الوطني) في (عام) 75 الذين طُورِدُوا ليسوا أعضاء التيار الديني الذين كانوا داخل المجلس. الذين طُورِدُوا هم اليساريون، ووُضِعُوا في السجن، نواب ووُضِعُوا في السجن".
ويعرب عن اعتقاده بأنه فيما يخص منطقة الخليج تَصدُق "المقولة التي تقول بالثروة التي أكلت الثورة".
ويتساءل: "هل تتكلم أنت عن إشتراكية يعني؟ إشتراكية ستوفر الخيرات؟"
ويسارع إلى الإجابة: "طيب، ما الخيرات توفرت عن طريق الأنظمة الريعية".
ويتابع قائلا إنه مع تدفق الثروة النفطية "جاء تدفق العمالة الخارجية وشراء النخب".
التناحر العدائي
ولم تعدم أزمة اليسار في البحرين شروطا ذاتية تمثلت في أبرز تجلياتها في التآكل الداخلي لقوى اليسار جراء تفاقم العلاقات التناحرية فيما بين الأطراف اليسارية، ما ضيَّع عليها فرصا للالتقاء والعمل المشترك.
ويقول العكري: "مع الانفتاح الذي شهدته البلاد، وعودة المنفيين، وخروج الناس من السجن، اليسار ضيع فرصة تاريخية لتشكيل تنظيم يساري ديمقراطي يمكن أن تكون داخله اتجاهات مختلفة".
ويضيف إنه كان هناك بالفعل "مشروع من هذا الشكل والذي هو التجمع الوطني الديمقراطي".
ويوضح قائلا: "كانت هناك وثيقة مطروحة، وكانت هناك لجنة تحضيرية. إلا أن العصبية للتنظيمات القديمة استيقظت, والغرور، بمعني أنني أنا خليني أبرز تراثي وأبرز تاريخي".
في ظل هذا الواقع المأزوم بنوازع التشتت تحولت فكرة التجمع إلى أربعة تنظيمات، وهي: جمعية العمل الوطني الديمقراطي وجذورها في الجبهة الشعبية لتحرير البحرين، والمنبر الديمقراطي التقدمي وجذوره في جبهة التحرير الوطني، والتجمع القومي الديمقراطي وجذوره في البعث العراقي، وانشقاق عن الشعبية شكل جمعية التجمع الديمقراطي التي يقودها عبد الله هاشم.
رهانات مستقبلية
وأمام انكفاء اليسار البحريني وتراجع شعبيته وانحسار الالتفاف الجماهيري من حوله، يتطلع الناشطون العاملون في إطار فصائل اليسار إلى حلول تمكن اليسار من تجاوز أزمته وتعيد الاعتبار لدوره في الحياة السياسية البحرينية.
ويستبعد إبراهيم شريف وجود "حلول سحرية على المدى القصير" لأزمة اليسار البحريني.
ويقول إنه "حتى لو توحدت تيارات اليسار، فإنها ما زالت كقوة سياسية ليست هائلة في المجتمع".
ويمضي إلى القول إن "القوة السياسية الدينية المذهبية في الجهتين، في المذهبين (الشيعي والسني)، ما زالت هي القوة الأساسية في المجتمع".
ويعرب عن اعتقاده بأن آفاق المستقبل مفتوحة على فرص نهوض لليسار، حيث يقول: "لكن أنا أعتقد أنه مع الوقت، مع الممارسة السياسية، سيكون هنالك فرصة لتيار (يساري)".
إلا أنه يستدرك قائلا: "ولكننا لا نتحدث عن نفس التيار السياسي القديم نعيد إنتاجه".
ويرى بأن تيارا كهذا "لن تكون له فرصة، لا التيار القومي القديم الذي يعيد إنتاج نفسه في نفس الأسس القديمة، أو التيار اليساري يعيد إنتاج نفسه بنفس الأسس القديمة".
ويؤكد بأن "هذه تيارات ليس لها مستقبل في هذا البلد".
وقوى اليسار في البحرين تخوض حاليا جدلا داخليا حول المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة، وهي قد أوشكت على حسم أمرها في اتجاه المشاركة والتخلي عن موقفها المقاطع للانتخابات.
وعلى ضوء أداء اليسار في الانتخابات المقبلة ستنجلي معالم فرص نهوضه من كبوته.بي بي سي - خليل عثمان
بتاريخ: 8/5/2006