-
القائمة الرئيسية
-
ملاحق البحرين تنتخب 2014
-
العام 2002... البحرين تضع أصابعها على خيوط المستقبل
العام 2002 حفل بالكثير من الحوادث والمحطات المحلية، ولا يسع صفحة واحدة أن تستوعب الكثير مما مر على البحرين، وبالتفاصيل الدقيقة، ولكنها وقفة للتذكير والتذكر بما جاء في الشهور الماضية. البحرين لم تطفئ شمعة بانطفاء العام الماضي، بل إنها أضاءت هذه الشمعة لتضاف إلى السنوات الماضية، لاعنة الظلام، ماضية إلى المستقبل.
لأي متتبع، تبدو الحوادث لكثرتها وكأنها جرت على مدى أعوام كاملة، وليست على مدى 12 شهرا فقط، في الشهور الماضية، كبرنا ـ شعبا وحكومة ـ سنة كاملة، نضجنا أكثر، وصرنا نسلك بعض الدروب التي ملأها النسيان وعلاها الغبار وسكنها التوجس، وصارت المفاتحة عنواننا، والتجارب سيدة كل شيء، فغالبية ما مر علينا كان تجربة أولى، علها تغني وتفيد.
البحرين من الدولة إلى المملكةلم يكن إعلان البحرين مملكة في الرابع عشر من فبراير/شباط من العام 2002 بالأمر المستغرب، إذ كان الحديث منذ أكثر من عام من هذا التاريخ يشي بهذا التحول، كما جاء فيما توافق عليه الشعب، وهو ميثاق العمل الوطني تفويض الملك بتغيير مسمى الدولة... وفي هذا اليوم صارت البحرين مملكة بأمر ملكي، وكذلك حل مجلس الشورى وتغيير علم البحرين ونشيدها الوطني.
غير أن النقاش الذي ظل دائرا وقبل وبعد هذا التغيير، يدور حول تغيير الدستور في ذلك اليوم أيضا، والحديث عن المادة التي على أساسها يتم التغيير الدستوري في البحرين، وهل ما جرى كان دستوريا أم لا.
في هذا الشأن استخدم كلا الطرفين كامل طاقتيهما في محاولة تبرير الوقوف عند موقف إمكان التغيير من عدمه، ولم تكن الرياضة الذهنية واللغوية والقانونية التي أجريت منذ تلك الفترة، واللقاءات المكثفة التي عقدها صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة مع قوى المعارضة والجمعيات السياسية والمهنية وجمعيات النفع العام، إلا لمحاولة الوصول إلى توافق جديد ـ بعد توافق الميثاق ـ حتى تستقر سفينة البحرين مرة أخرى في مجراها الذي لم تكد تسلك فيه دربها قبل سنة بالضبط من ذلك التاريخ.
لم تكن المخاوف آتية من طرف المتحاورين، إذ إنهم يسلكون الطريق الصحيح في التحاور بغية الوصول إلى الهدف المشترك، غير أن أكثر المخاوف كانت تأتي نتيجة التوجس بتململ الشارع البحريني، والإحساس بقرب انفجاره مجددا للدخول في دوامة ستكون أكثر إيلاما ـ إن حدثت ـ من تلك التي جرت في منتصف العقد الأخير من القرن الماضي.
ولكن قوى المعارضة لعبت دورا مهما آخر في سبيل ضبط الرأي العام المحلي من أي ما يمكن أن يقطع على التجربة الوليدة في الحوار المفتوح بين القيادة السياسية وقيادة المعارضة، عبر سلسلة من الخطب والتوجيهات والمنشادات حتى مرت الأيام الأولى الحرجة بدون ما يمكن تسجيله أمنيا.
في هذا الصدد، أجمع عدد من الجمعيات السياسية على رفض التغيير في الدستور بالشكل الذي تم، مع إبداء كامل دعمها للإصلاحات السياسية التي يقودها الملك، واعتبرت الحوارات التي تجريها في هذا الصدد الوجه الآخر المكمل لهذه الإصلاحات.
محمد جمعة يمضي شهيداربما انتظرت البحرين حادثا كالذي جرى من قبل السفير الأميركي في البحرين رونالد نيومان في نهايات شهر مارس/آذار لتخرج في حشد قدره البعض في حدود العشرين ألف متظاهر، وذلك عصر يوم الجمعة الخامس من أبريل/نيسان من العام الماضي، لتصب جام غضبها الداخلي والخارجي، في هذه المظاهرة الحاشدة التي طافت بالقرب من السفارة الأميركية.
فعندما دعا السفير الأميركي ـ الذي كان ضيفا ـ مجموعة من طلبة المدارس الوطنية الوقوف حدادا على ما أسماه الضحايا الإسرائيليين، أعلنت جمعيات وفعاليات كثيرة استياءها مما حدث، في الوقت الذي كانت الأعمال تتصاعد في فلسطين تجاه الشعب شبه الأعزل وسلطته الوطنية... على الصعيد المحلي كان الوضع لا يزال متأزما نتيجة اختلاف الرؤى حول الدستور الجديد وآلية تغييره، ولكن لا أحد كان يريد لهذا الأمر أن يتصاعد إلى ما لا تحمد عقباه... فالتقت الحوادث على غير ترتيب ليتنادى الناس إلى الخروج في ذلك اليوم معبّرين عن استيائهم من جملة ما يجري، وتنفيسا عن الغضب الذي اعتراهم على الساحة الفلسطينية.
شاهد عيان يروي أن أول شرارة للصدام أتت من زجاجة مولوتوف ألقيت من قبل المسيرة إلى داخل السفارة الأميركية، توالت بعدها الحوادث بشكل سريع، إذ تسوّر البعض السفارة، وثبّت البعض العلم الفلسطيني على سورها وجرى إطلاق الرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع والطلقات الخشبية على المتظاهرين.
لسوء الحظ، كان محمد جمعة الشاخوري قريبا جدا من فوهة إحدى البنادق التي أصابته في رأسه إصابة جعلته طريح الفراش ليومين، ليعلن عن استشهاده يوم الأحد في السابع من أبريل، فخرج عشرات الآلاف في مسيرة مهيبة في ذلك اليوم حملت النعش من السلمانية إلى السنابس حيث جرى غسل وتجهيز الجثمان، وواصلت المسير إلى الشاخورة حيث مسقط رأسه.
تنادى الحقوقيون لمحاسبة الفاعل، إذ إن توجيه الرصاص المطاطي في مستوى الرأس، ومن مسافة قريبة لا يمكن إلا أن يتسبب في الإصابة المباشرة التي قد تودي بحياة الإنسان.
قام صاحب الجلالة الملك باستقبال أفراد أسرة محمد جمعة، وأمر بتشكيل لجنة للتحقيق فيما جرى، ووجههم إلى اللجوء إلى القضاء لتجري الأمور إلى ما يجب أن تجري عليه، وليأخذ كل إنسان حقه. في المقابل شكلت جمعية المحامين البحرينية فريقا لمتابعة ملف القضية، وتم استبدال الفريق لعدم تمكنه من أخذ الأمر على محمل الأولوية ـ كما وردت الإشارات ـ وحل فريق آخر، ولا تزال القضية تُنظر أمام القضاء.
في البحرين سقط محمد جمعة إلى الأعلى هاتفا باسم القدس، وفي مصر سقط محمد السقا بالأسلوب ذاته، وبدا جليا أن دماء حرة تسيل خيوطها لتتصل بقلب القضية المصيرية لهذه الأمة... وإن بعدت المسافة.
الانتخابات البلدية واختبار النوايا والقوىعد المراقبون الانتخابات البلدية في البحرين ـ والتي أجريت على دفعتين ـ الاختبار الحقيقي الأول للديمقراطية الإجرائية، إذ أنها أول انتخابات عامة يشارك فيها الشعب منذ أكثر من 27 عاما من حل المجلس الوطني.
في هذه الانتخابات، بدت النوايا الحسنة والابتسامات المتبادلة بين الجمعيات السياسية تتراجع بعد أكثر من سنة من إعلان جلالة الملك العفو العام، لصالح التنافس بين هذه الجمعيات وغياب التنسيق بينها، وربما أسهمت القوانين والأنظمة في عدم إمكان التنسيق هذا.
دخلت كافة التيارات الدينية والليبرالية في السابق في الانتخابات البلدية التي أجريت جولتها الأولى في التاسع من مايو/أيار من العام 2002، واستكملت جولتها الثانية في الأسبوع الذي تلاه، وتم فتح المجال لأكثر من 200 ألف ناخب، ليصوتوا لـ 306 مترشحين، بينهم 31 امرأة، وذلك لأول مرة تخوض فيها المرأة الانتخابات، على رغم أن دستور البحرين للعام 1972 لم يكن يمنع المرأة من خوض الانتخابات، ولكنه لم ينص عليه صراحة كما في دستور 2002، غير أن نصيبها ـ كما نصيب القوى الليبرالية التقليدية في هذه الانتخابات ـ كان الرضا من الانتخابات بشرف خوض التجربة.
وعلى رغم المشاركة الواسعة التي حظيت بها هذه الانتخابات من قبل القوى السياسية كافة، فإن نسبة المشاركة في الانتخابات البلدية لم تتعد 51 في المئة.
المراقبون أرجعوا تدني نسبة المشاركة ـ قياسا للمرة الأولى التي تجرى فيها انتخابات حرة عامة، وبعد عقود من المطالبة برجوع الحياة النيابية ـ إلى عدة أسباب من أهمها أن الحشد الأكبر سيكون للانتخابات النيابية التي تشكل السلطة التشريعية، كما أن هناك نوعا من الإحساس بعدم جدوى المشاركة في انتخابات تنتج ممثلين محدودي الصلاحيات، وكذلك عدم السماح للمنتسبين للقوات الأمنية (الجيش والشرطة والحرس الوطني) من المشاركة في الانتخابات على رغم مشاركتهم في التصويت لميثاق العمل الوطني، مما حدا بهذه الفئة ـ إما علانية أو تضامنا ـ إلى عدم ذهاباهليها إلى التصويت أيضا، وهي قوة تقدر بثلاثين ألف فرد، بالإضافة إلى أسرهم، إضافة إلى تقسيم الدوائر الانتخابية الذي وصف بالطائفية، وقوانين الانتخابات البلدية التي لم تكن مريحة لشريحة من الناس.
كان أكبر عدد من المترشحين في المحافظات الخمس، تركز في محافظتي المحرق والوسطى (81 و80 مترشحا على التوالي)، وجاءت الشمالية ثالثة (64 مترشحا)، فيما كانت الدائرة الثالثة في محافظة المحرق أكثر الدوائر اكتظاظا بالمترشحين (17 مترشحا منهم 3 مترشحات) فيما فاز مترشحان من المحافظة الجنوبية بالتزكية.
كشفت الانتخابات البرلمانية عدة أمور رئيسية تمثلت في انحسار شعبية القوى الليبرالية، وتراجع أطروحاتها لصالح الأطروحات الدينية، والمذهبية بشكل أساسي، واتهم الليبراليون رجال الدين بالترويج لحملاتهم عبر الفتاوى الداعية إلى التصويت لفلان ضد فلان، والوقوف في وجه المرأة وهذا ما حاولت أن تنفيه هذه التيارات.
انحسمت نتائج الانتخابات البلدية في جولتها الأولى في الكثير من المناطق التي يوجد فيها أنصار جمعية الوفاق الوطني الإسلامية وذلك لوضوح انتماءات الناخبين، فمن ضمن عشر دوائر في المحرق لم يفز في الجولة الأولى سوى مترشح واحد في منطقة تعد ـ تقليديا ـ تابعة للوفاق، فيما انتقلت الدوائر التسع الأخرى للتنافس في الجولة الثانية إذ تقسمت بين الجمعيات السياسية والمستقلين.
خرج عن هذه الانتخابات 50 مترشحا، وعقدوا بعد حوالي ثلاثة أشهر اجتماعاتهم بانتظام، غير أن دور ممثلي الدوائر لا يزال مشوبا بالغموض بالنسبة إلى كثير من المواطنين جراء الصلاحيات المعطاة قانونا لهم، وتداخلها مع الكثير من الصلاحيات الأخرى للدوائر الرسمية المشابهة وبالأخص منها البلديات والمحافظات.
انتخابات البرلمان... المقاطعة بعد المطالبةقد يبدو الأمر ـ لمن يراقب الوضع من الخارج ـ في غاية الغرابة حينما يعلم أن من سُجن وهُجِّر وعُذِّب وهو يطالب بعودة الحياة النيابية، هو من يقاطع ويجفل منها عندما تأتيه.
فقد كان لإعلان أربع جمعيات سياسية في النصف الثاني من شهر أغسطس/آب مقاطعتها للانتخابات، وتفسيرها ذلك بأنها بنت موقفها على أن الدستور والقوانين المفسرة لهذه الانتخابات تجعل من المجلس المقبل مجلسا كسيحا لا قوة ولا حياة فيه، وكذلك للتوزيع المناطقي للدوائر الذي جرى تغييره بعد الانتخابات البلدية، كان هذا الإعلان بمثابة المفاجأة الكبرى لمن رأى أن الأوان قد آن من أجل استثمار ما حدث في الانتخابات البلدية، سواء لمن أثبت قوته في تلك الانتخابات أو لمن لم يفز، وبالتالي سيعيد ترتيب صفوفه في النيابية منها.
غير أن «العمل»، «الوفاق»، «التجمع القومي»، و«العمل الإسلامي» ظلوا واقفين عند مبدئهم من دون ما تغيير، غير أن ترشيح المسجلين ظل ساريا على رغم البطء الذي أحاط بالترشيح في المناطق التي للوفاق شعبية كبيرة فيها حتى الأيام الأخيرة من فترة التسجيل، وما قيل أن جهات رسمية وشبه رسمية «دفعت» البعض للترشح ولو بشكل صوري حتى لا تقع العملية في حرج، وهذا ما فسر تنفس الحكومة الصعداء لحظة الإعلان عن بلوغ نسبة الناخبين 53,48 في المئة، وهي أعلى مما تحقق في الانتخابات البلدية على رغم مشاركة الجميع في تلك الانتخابات، وهذه النسبة محل تشكيك قوى المعارضة، والمقاطعة منها على وجه التحديد، إلا أن هذه المرة تم الإفساح لأفراد الأمن بجهاتها الثلاث (الجيش والشرطة والحرس الوطني) بالمشاركة، وسط آراء وأخبار تفيد بدفعهم إلى المشاركة لتعويض النقص الذي خلفته الجمعيات المقاطعة.
كان تاريخ 24 أكتوبر/تشرين الأول 2002، مناسبة مواتية لاختبارات أخرى بين القوى السياسية، التي أفلح فيها الدينيون ـ على مختلف توجهاتهم ـ مجددا من حصد المقاعد النيابية، في حين لم تستطع أي من النساء المترشحات الثماني ـ هذه المرة ـ من الحصول على حظ أوفر من زميلاتهن في الانتخابات البلدية، على رغم صعود اثنتين منهن إلى الجولة الثانية من الانتخابات بما يعني ازدياد قبول المرأة مجتمعيا لتولي هذه المناصب، أو ربما لتغيير تكتيكها الذي اتبعته في الانتخابات السالفة.
190 مترشحا، تنافسوا على 40 مقعدا على دفعتين، وخلت الوجوه من المحنكين سياسيا، وتغيرت كليا تركيبة مجلس 1973 عنها في 2002، ولا يبدو النواب الجدد راضين تمام الرضا عن اللوائح الداخلية للمجلس، فوصفها أحدهم بأنها «قانون أمن الدولة الجديد»، فيما جاء النصف الآخر من المجلس شبيها بنصفه الأول، فوجوه كثيرة ممن تم تعيينها في مجلس الشورى مثار تساؤل حول إمكاناتها في العطاء، فيما علق مراقبون: «هكذا نواب في حاجة إلى هكذا شوريين».
الجمعيات الأربع نست أنها اتفقت فقط على مقاطعة الانتخابات، ومدت تعاونها وتضامنها إلى ما بعد ذلك، وهي في سبيلها لتكوين جبهة عبر برامج مشتركة... ويبقى السؤال: هل هناك ـ فعلا ـ قواسم مشتركة فيما بينها؟
ست وزارات وستة وجوهفي الحادي عشر من نوفمبر/تشرين الثاني 2002، انتهت التكهنات الكثيفة التي كانت تتصاعد بقرب التغيير الوزاري في البحرين، فأتت الحكومة السادسة منذ الاستقلال إلى اليوم، والتي ضمت 24 وزيرا، منهم ستة وزراء جدد كلية على التشكيل الوزاري.
فقد دخل مستشار الملك للشئون الاقتصادية حسن فخرو وزيرا للصناعة، ومجيد العلوي، الذي كان يتوقع له أن يصبح وزيرا للعمل منذ أكثر من سنة خصوصا بعد توليه ملف البطالة في لجنة تفعيل الميثاق، فأصبح وزيرا للعمل والشئون الاجتماعية، وكذلك تم ضم وزارة الإسكان إلى الأشغال في حقيبة فهمي علي الجودر، والذي تولى عمليا بعض المشروعات الإسكانية المهمة، كمدينة زايد من ديوان سمو ولي العهد، واستبدل فيصل الموسوي بوزير صحة آخر هو خليل حسن، وحل ماجد النعيمي محل محمد الغتم في وزارة التربية والتعليم، والتي قد تؤسس إلى نمط جديد من الاختيار، وهو الجيش، ثم رئاسة الجامعة، ثم وزارة التربية والتعليم، وتولى منصور الستري وزارة شئون البلديات، فيما كان الوجه الجديد السادس هو عبدالحسين ميرزا الذي تولى منصب وزير دولة.
في الوقت الذي بقيت فيه وزارات السيادة على حالها الذي لم يتغير بعضها منذ الوزارة الأولى، وكان الغتم هو الخارج الوحيد من التشكيل الوزاري إذ تم تكليفه بالأمانة العامة لمركز البحرين للدراسات والبحوث خلفا لعلي فخرو، كما تم تكليف الموسوي برئاسة مجلس الشورى.
منذ العام 1995 والوزارات في البحرين تشهد تغييرات متتالية، إنْ في شخوص وزرائها، وإنْ في اختصاصاتها، وذلك بعد فترة طويلة من السكون الوزاري إلا في حال الوفاة أو الاستقالة، إذ لم يجر أي تغيير على الوزارات منذ العام 1975 إلا في العام 1995، كان أبرز التغييرات في تلك الفترة خروج الرجل القوي، الراحل طارق المؤيد من وزارة الإعلام، وخروج علي فخرو من وزارة التربية، وتركيب وزارة ـ في بعض جهاتها ـ لمواجهة ما كان يحدث في البحرين من اضطرابات.
التغيير الوزاري الرابع أتى عندما تولى صاحب الجلالة الملك مقاليد الحكم في مارس/آذار 1999، فجرى تغيير طفيف في المهمات والحقائب، ثم أتت الوزارة الخامسة في مارس أيضا من العام 2001، ليدخل الغتم وزيرا للتربية والجودر وزيرا للأشغال، ونبيل يعقوب الحمر وزيرا للإعلام، ثم تأتي الوزارة السادسة بعد عشرين شهرا لمواجهة متطلبات المرحلة الجديدة المتسمة بوجود مجلسي الشورى والنواب، وتم استحداث منصب نائب رئيس الوزراء ليتولاه اثنان من أكثر الوزراء حنكة وأقدمية وهما وزير العدل الشيخ عبدالله بن خالد، ووزير الخارجية الشيخ محمد بن مبارك.
وزارة الاستقلال بدأت بـ 14 وزيرا، وانتهت الوزارة السادسة بـ 24 وزيرا، بمن فيهم من وزراء الدولة، وشئون الديوان الملكي، وشئون رئاسة مجلس الوزراء، وشئون المجلس الوطني.
شعبيا، لم يأت التشكيل الجديد بجديد، إذ أن أكثر الوجوه التي عهدها الناس لا تزال في مناصبها، وربما كانت هذه الوزارة أكثر الوزارات انتظارا من قبل المواطنين ليروا فيها انعكاس الإصلاحات التي أطلقها جلالة الملك على من سيقوم على تنفيذها من قبل السلطة التنفيذية للبلاد، إذ أنهم قابلوا تغيير العام 2001 للوزارة الخامسة بنوع من الانتظار على أنها وزارة مؤقتة لما بعد الانتخابات، ولكن التغيير الجزئي للوزارة الذي جرى، يجعل الشارع البحريني يأخذ نفسا عميقا استعدادا لجولة أخرى من التعامل مع الأجهزة ذاتها التي خبرها تماما.
العام 2002. اعتصامات لا تنقطعإذا كان العام 2001 هو عام تشكيل الجمعيات حتى باتت ـ لكثرتها ـ لا تجد أسماء جديدة تسمي نفسها بها للتعبير عن كياناتها وأفكارها، وإذا كان ذلك العام ـ أيضا ـ عام الانشقاقات والانفلاشات في تلك الجمعيات بلا منازع، وتوالد الجمعيات بعضها من رحم بعض، ومحاولة هذه الجمعيات السياسية اختلاق أذرع سياسية واجتماعية لها على شكل جمعيات رديفة في صورة جمعيات شبابية ونسائية وحقوقية وغيرها، أو السيطرة على ما هو قائم منها؛ فقد كان العام 2002 هو عام موجة و«موضة» الاعتصامات التي لا تنتهي.
فمنذ أن عهد الناس في السنتين الأخيرتين أمر الخروج في المسيرات السلمية في الشوارع للمطالبة برفع الظلم في القضية الفلسطينية، وجد البعض أن الاعتصام ربما يكون عامل ضغط بالنسبة إلى المطالبات بتحسين الأحوال أو بكسب موقع جديد على ساحة الأخذ والرد مع السلطة التنفيذية.
تختزن الذاكرة أكثر من 40 اعتصاما أقيمت، بدءا بمطالبة المعلمين العاطلين عن العمل بإيجاد وظائف لهم في وزارة التربية والتعليم، مرورا باعتصامات المطالبين بالجنسية أو عودة ذويهم من المهجرين في المنافي، وإيران على وجه الخصوص، وانتهاء باعتصامات سواق الأجرة وموظفي الألبان الدنماركية وأصحاب شاحنات المحاجر في الشهر الماضي.
وعلــــى رغم كثرة الاعتصامات والمسيرات التي جرت في العام 2002، في الأمور الدقيقة منها والعامة، البحرينية البحتة والعالمية، كالاعتصام المتكرر أمام مبنى بيت الأمم المتحدة، فإن هذه الاعتصامات والمسيرات سجلت التزاما عاليا بالسلمية في الحركة من جهة المعتصمين، والتصرف بحضارية أيضا من قبل الجهات الرسمية.
وقد انتهى أكثر من اعتصام إلى لقاء رئيس الوزراء صاحب السمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، أو مقابلة الوزير المختص، كما حدث أكثر من مرة لوزير العمل والشئون الاجتماعية السابق عبدالنبي عبدالله الشعلة.
سجل عدد من هذه الاعتصامات نجاحات في تحقيق مطالبها، إن جزئيا أو كليا، وذلك ما حدث في اعتصام المعلمين العاطلين والساعين للحصول على الجنسية، والعاطلين عن العمل، وغيرهم، وهذا ـ على ما يبدو ـ ما أغرى بالمزيد من الاعتصامات للحصول على بعض المكاسب، وعلى مختلف الأصعدة.
غير أن ما قد يفوت أصحاب الاعتصامات والمسيرات، أن كثرة هذه الأفعال الاحتجاجية أو المطلبية سيكون حالها حال القلة منها، أي أنها ستضيع في ملفات الدولة ولن تعود حدثا يمكن التأريخ له، إذ أن الزائد كالناقص.
مراسيم العام تشكل عام المراسيممر العام 2002 بمجموعة كثيفة من المراسيم التي صدرت حتى بلغت قرابة الستين مرسوما بقانون، وتكثفت في الفترة الفاصلة بين الانتخابات البرلمانية وبدء دور الانعقاد التشريعي، حتى يحار النواب ـ أساسا ـ في القوانين التي يمكنهم مناقشتها مستقبلا.
فقد كانت المراسيم تصدر بمعدل خمسة في الشهر الواحد، بعضها اعتيادي متعلق بتعيينات في بعض الجهات القضائية وديوان الرقابة المالية، ولكن عددا كبيرا منها كان متعلقا أساسا بالحياة السياسية للمملكة.
وربما يكون كل من المرسومين: (47) الخاص بتنظيم الصحافة والنشر، و(56) بتفسير المرسوم رقم (10) لسنة 2001 والخاص بالعفو العام، أكثر المراسيم استحواذا على التفات الرأي العام البحريني نظرا إلى ارتباطهما بالمشروع الإصلاحي مباشرة من جهة، وكذلك لتأثيرهما المباشر على شرائح متعددة من المواطنين.
فالمرسوم رقم (47) أفلح في تهييج الصحافة ـ حتى المستكينة منها ـ لتقف منه موقف الرافض وإلا ستكون خارج القبول الجماهيري بشكل لافت، إذ لا يمس هذا المرسوم الصحافة والصحافيين فقط، بل يطول حرية التعبير بشكل عام في المملكة، وحرية التعبير هو الوجه الأنصع للديمقراطية المنشودة.
ويمكن اعتبار ما قادته الصحافة من جهة، والجمعيات السياسية من جهة ثانية على مدى أسبوع كامل من كتابات ومناقشات وحوارات لأهمية مراجعة هذا القانون؛ العامل الحاسم في إعادة النظر فيه، وتشكيل رئيس الوزراء لجنة مكونة من وزيري شئون مجلس الوزراء، والإعلام ورؤساء تحرير الصحف العربية اليومية الثلاث، وثلاثة من لجنة مبادئ قانون المطبوعات في لجنة تفعيل الميثاق لإعادة دراسة القانون مجددا... دخلت هذه اللجنة في اجتماعات مكثفة طيلة شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي حتى توصلت إلى صيغة قدمتها إلى وزارة الإعلام، وواضح أن القانون سيدخل مجددا على قائمة المجلس الوطني، ولا أحد يعرف إلى الآن ترتيبه، ولا متى سيجري تعديله، وماهية التعديلات التي ستجرى عليه.
أما المرسوم (56)، فترى المصادر الحكومية أنه لائحة تفسيرية لازمة لقانون العفو العام عن مرتكبي المخالفات الماسة بأمن الدولة، والذي على أساسه تم إخلاء السجون في الخامس من فبراير/شباط من العام 2001، غير أن المعارضة ترى أنه جاء تفصيلا لمساواة «الجلاد بالضحية»، وتمكين العقيد عادل فليفل من العودة إلى الوطن مجددا بعد حوالي سبعة أشهر من البقاء خارجه ملاحقا بمطالبات مالية أساسا وليست مطالبات خاصة بانتهاكات حقوق الإنسان.
وإذا كانت الدولة قد استجابت لتغيير قانون المطبوعات واحتوت الأمر قبل أن يخرج من عقاله، وقبل تصعيد الموقف، فإنها لا تزال على موقفها من المرسوم (56) على رغم الكثير من الاعتراضات والندوات التي أقيمت والمسيرات التي أطلقت والتي طالبت بمحاكمة منتهكي حقوق الإنسان في السجون إبان فترة أمن الدولة، وتطبيب الجروح بهذه المحاكمات.
شخصيتان بحرينيتان في العام 2002بلا منازع، يتصدر عادل فليفل، العقيد السابق ـ الذي لقب أولا بـ «العقيد الفار» ثم «العقيد العائد» ـ شخصيات هذا العام، وكان مدار الكثير من الأحاديث والنقاشات، وكان أيضا مثيرا للفلكلوريات والقصص الغرائبية، ومادة بالغة الخصوبة للنكت والرسائل الهاتفية القصيرة ورسامي الكاريكاتير... والصحافة أيضا.
فليفل الذي تم التحقيق معه في نهايات شهر أبريل/نيسان الماضي، استطاع الفرار، وسط لغط كثير عن الكيفية التي فر بها من البحرين، متجها إلى استراليا، وصار الحديث معه والتصريح على لسانه مادة جيدة للصحافة المحلية.
غير أن أغلب ما نشر في الأيام الأولى من هرب فليفل كان متعلقا بادعاءات تقول إنه فرَّ بديون تصل إلى حوالي 24 مليون دينار بحريني، غير أن أنباء تقول إنه تمكن من سداد هذه الديون وتسويتها. بيد أن الجانب المتعلق بحقوق الإنسان يظل مفتوحا.
الجهات المهتمة بحقوق الإنسان، وتلك التي تدعي أنه مارس وأمر بممارسة التعذيب لا ترى أن المرسوم (56) يعفي العقيد السابق من العقوبة، وأن ما مارسه في السجون والمعتقلات لا يجبه المرسوم، وأن الناس لا يكفيها إلا محاكمة عادلة له ولمن يتهمونهم بممارسة الخروقات الواضحة لحقوق الإنسان.
ظل فليفل مسيطرا على أجواء الكتابات في منفاه الاختياري الذي دام حوالي سبعة أشهر، وكذلك لدى عودته إلى البحرين، وسيظل الشخصية التي تلهم الراغبين في الخروج في مسيرات غضب واحتجاج، وإن باتت تلهم ـ على الطرف الآخر ـ أناسا يقولون: «إن أردتم محاكمة فليفل... فليفتح الملف بأكمله من جديد»
الطفلة فاطمة، هكذا من غير اسم كامل، صارت معلما بحرينيا للطفولة، طفلة ككل الأطفال المنتمين إلى أسر مفككة، تخرج من بيتها ولا تعود إليه مجددا، دخلت الجوانب الأسرية في مسارب الدروب الإنسانية والمنافحين عن الطفولة، والراغبين في بروز أسمائهم أو جمعياتهم، وتفاعل المجتمع مع القضية سواء في متابعتها، أو في تحليلها... «لا أحد سيعود إذا لم تعد فاطمة» أو هكذا شعار تم لصقه على المحلات التجارية، وبلغت القضية مداها، قيل إنها اغتيلت، قيل إنه تم بيعها لثري من خارج المملكة، قيل إنه كلما ازدادت الحملة كثافة للعثور عليها، كلما زاد اختفاؤها خشية العودة إلى ما كانت عليه سلفا لدى صديقة أبيها.
آخر الأخبار التي لاحت عن هذه الطفلة كان غداة يوم الانتخابات النيابية في 24 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إذ قيل أن عظاما يشك أنها بشرية وُجدت في بيت مهجور في المحرق، البعض رجح في تلك الأثناء أنها تعود إلى الطفلة المختفية...إلا أن شيئيا لم يثبت بعد.
جلالة الملك وجه خطابا أبويا مؤثرا لعلّها تعود، وزير المواصلات أيضا استقبل أهلها، تم توفير فرص العمل لعدد من إخوتها حتى لا تتكرر المأساة في البيت ذاته، حصلوا على شقة من وزارة الإسكان، ولكن فاطمة ذاتها، ظلت لغزا لا أحد يمكنه أن يضع يده عليه، حتى هذه اللحظة على الأقل.
صحيفة "الوسط" البحرينية
بتاريخ: 1 / 1 / 2003