-
القائمة الرئيسية
-
ملاحق البحرين تنتخب 2014
-
كلمة الشيخ عبدالأمير الجمري في جمعية الإصلاح 23/3/2001
مرحباً بهذا اللقاء الخير. ومرحباً بلقائكم أيها الأحبة. وشكراً من الأعماق لهذه المؤسسة الكريمة التي كانت لها المساهمات الجليلة في نشر الوعي الإسلامي في هذا البلد الكريم. وشكراً لسعادة الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة على تقديره لي باتصاله شخصياً لدعوتي لهذا الحضور. ومرحباً بهذا اللقاء في هذه المدينة الطيبة التي لها المكانة المرموقة في نفوسنا بفضل تاريخها الوطني المشهود وما قدمت من رجال كان لهم طوال العقود الماضية الدور البارز في الحركة الوطنية بشتى فصائلها. وكان لأهلها جميعاً في تاريخ هذا البلد الموقف المشرف.
ويسعدني أن أفتح قلبي لكم أيها الأحبة، وأن أحدثكم في مثل هذا المنعطف التاريخي الذي تمر به بلدنا الحبيبة. إننا الآن أحوج من أي وقت مضى إلى التلاحم والحوار وردم الهوة الوهمية التي تفصل الأخ عن أخيه. إننا بحاجة إلى التعرف على الكثير من أسباب الوحدة والوئام والتي تفوق بكثير كل ما يُتصوَّر من أسباب الفرقة والخلاف.
إن ديننا الإسلامي قد ركز كثيراً على الوحدة ونبذ الخلاف كما في الآية الكريمة: "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا" (آل عمران: 103)، فما هي الوحدة المطلوبة؟
إن القرآن قد دعا إلى الوحدة بين المسلمين وجعل المحور الذي يتمسك به المسلمون ويلتفون حوله هو الاعتصام بحبل الله، وهذا ما جاء في كثير من آيات القرآن وأصرحها قوله تعالى: "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا". ففي هذه الآية بيَّن القرآن محور الوحدة الذي لا يتغير ولا يتبدل وهو حبل الله، وحبل الله هو الإسلام والقرآن، وببيان هذا المحور بيَّن القرآن أن الوحدة في حد ذاتها ليست الغاية وإنما هي وسيلة للالتفاف حول الحق فالالتفاف والتمسك بالحق هو المطلوب أما الوحدة على حساب الحق فمرفوضة والالتفاف حول الباطل تحت عنوان الوحدة يكون التمزق والفرقة أهون وأقل خطراً منه قال تعال: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" (المائدة: 2)، وقد نهى سبحانه عن التفرق عن الحق بصورة عامة وبيَّن أهم معطيات هذا التفرق في قوله تعال: "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم" (الأنفال: 46). وفي الآية إشارة إلى أن المسلمين إذا اتحدوا فلن تستطيع أي قوة أن تغلبهم والقرآن حينما دعا إلى الوحدة إنما أراد الوحدة الحقيقة وهي وحدة القلوب التي أشار إليها في قوله تعالى "هو الذي أيدك بنصره" (الأنفال: 62).
بعد الحديث عن موضوع الوحدة، أنتقل إلى موضوع الإصلاح الشامل الذي دشنه سمو الأمير الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة - حفظه الله - بمشروعه "ميثاق العمل الوطني"، والذي دعا الشعب بجميع فئاته إلى التصويت عليه إيماناً منه بضرورة المشاركة الشعبية بعد أن حرص على توفير الأرضية المناسبة لنجاحه بإعلان العفو الشامل عن جميع السجناء والمبعدين، فلبى الشعب النداء ورد التحية بأحسن منها، فعاشت البحرين ومازالت عيداً حقيقياً عرساً يتلوه عرس، وخصوصاً بعد أن أكدت المحكمة الدولية سيادة البحرين على جزيرة حوار، فانفتح باب واسع للتعاون والوحدة بين الشعبين الشقيقين القطري والبحريني، فتهانينا للجميع.
وفي هذا الإطار أتصور أن على الجميع أن يساهم في هذه العملية الإصلاحية من منطق الحرص على بناء الوطن الواحد بصورة تضمن تقدمه وازدهاره.
ومن هنا أود أن أشير إلى بعض النقاط التي أعتبرها ثوابت في عملية الإصلاح:
1 - الالتزام بالدستور والميثاق:
فليس لدينا - كتيار إسلامي - إلا أن نلتزم بالدستور والميثاق، ولم يكن من أهدافنا في يوم من الأيام تغيير نظام الحكم وإقامة دولة شيعية كما يدعي بعض المشبوهين الأجانب بقصد إخافة إخواننا السنة وخلق الفتنة والصراعات الجانبية التي تصب نتائجها دائما في مصلحة الأعداء، أعداء الوطن الواحد سنة وشيعة.
فولاؤنا لهذا الوطن الذي ولدنا فيه وضحينا من أجله نتفق لأجله وخلافاتنا نحلها بيننا ولا نسمح لأي مغرض بأن يتدخل في شئوننا، فأهل البيت أدرى بالذي فيه.
2 - البرنامج الإصلاحي:
أتصور أن جميع من تابع تحركنا وقرأ أدبياتنا منذ البداية لم يجد مطلباً طائفياً طالبنا به ولا شعاراً فئوياً نادينا به على رغم شدة المحنة وقسوة الظروف آنذاك. وسنظل ملتزمين بهذا الطرح رافضين لأي مشروع طائفي حذرين من أي صوت نشاز.
وضمن ذلك كما التزمنا سنبقى مؤمنين بأن الأسلوب السلمي هو الأسلوب الناجح للوصول للأهداف المرسومة وإن تأخرت الحلول.
3 - الوحدة الوطنية والإسلامية:
أقول في هذه النقطة إن الطائفيين سواء كانوا سنة أو شيعة مهما تحدثوا أو ذكروا من أدلة أو أحداث لدعم أطروحاتهم الطائفية المريضة فإن النتيجة والمحصلة دائماً أن نجاحهم في هذه وبالمؤمنين وألَّف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم "(الأنفال: 63) معرضا عن كل أنماط الوحدة الزائفة التي يجمعها عنوان "وحدة الأبدان والمصالح المادية"... مثل هذه الوحدة زائلة ولن تأتي بخير وهي كتلك التي أشار إليها القرآن: "أم يقولون نحن جميع منتصر. سيهزم الجمع ويولون الدبر" (القمر: 44 - 45).
أما السنة المطهرة فهناك النصوص الدافعة دفعاً إلى الوحدة والتعاون والتآزر والتساند نذكر منها قوله صلى الله عليه وآله وصحبه "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله". وكان الإمام الصادق (ع) يحث الشيعة على الارتباط والتلاحم مع سائر المسلمين فكان يقول: "أوصيكم بتقوى الله عز وجل، ولا تجعلوا الناس على رقابكم فتذلوا، إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه "وقولوا للناس حسنا" ثم قال: عودوا مرضاهم واشهدوا جنائزهم واشهدوا لهم وعليهم وصلوا معهم في مساجدهم".
إن تأريخنا الإسلامي يحمل الكثير من الاضاءات المشرقة في مجال الوحدة بين الشيعة والسنة وقد كان لبعض الشخصيات الريادة في هذا المجال ولاشك أن شخصية السيد جمال الدين الأفغاني من أفضل الأمثلة... الشخصيات التي تجاوزت الحدود المذهبية وانطلقت في عملية الإصلاح مع الشيعة والسنة فكان عالماً نشطاً إبَّان دراسته الحوزوية في سامراء في العراق ثم كان دوره الإصلاحي الكبير في مصر وغيرها من البلاد.
إن الناشطين من العاملين الإسلاميين الشيعة بل وكبار العلماء الشيعة يبدون إعجابهم وإكبارهم للمفكرين المتنورين من السنة، وهكذا وجدنا الحركات الإسلامية الشيعية قد تأثرت كثيرا بأفكار الإمام الشهيد حسن البنا وسيد قطب حيث شكلت أفكار هذين العالمين ركيزة فكرية مهمة لا يمكن الاستغناء عنها.
كما أن هناك علاقة تاريخية بين كبار العلماء من الطائفتين فالعلامة الحلي الذي هو من أكابر العلماء لدى الشيعة قد تتلمذ على مجموعة من علماء السنة كما أن البيضاوي صاحب التفسير من السنة قد تتلمذ على يدي العلامة الحلي. ولا يخفى أن الإمام أبا حنيفة قد تتلمذ على يدي الإمام الصادق وفي ذلك جاءت قولته المشهورة "لولا السنتان لهلك النعمان"، إشارة إلى السنتين التي تتلمذ فيها على يدي الإمام الصادق (ع).
الأطروحات الطائفية لا تأتي إلا على حساب الوطن والذي ينبغي أن يكون خطاً أحمر على الجميع أن يجتنبوه وإن حصلوا على بعض المكاسب الآنية هنا أو هناك.
ونحن هنا في هذا البلد سنة وشيعة عشنا جميعاً إخوة متحابين وإن حاول البعض في بعض الفترات تعكير ذلك الصفو بتخويف أو تغليب فئة على فئة من أجل أهداف لم تعد خافية على الجميع. نعم فالإنجازات التي تحققت على صعيد الوطن بصورة عامة ما كانت لتكون لولا ذلك التفاهم والتجانس بين جميع الأطراف. وعلى هذا الأساس فإن أي برنامج عمل لأي جماعة أو تيار حكومي أو شعبي سيكون مصيره الفشل إذا لم تكن الوحدة الوطنية والإسلامية ركيزة أولية من الأوليات، لأن مصلحة الوطن ينبغي أن تكون مقدمة على مصالح الأفراد والجماعات.
4 - الانفتاح واحترام الرأي الآخر:
في قناعتنا لا يوجد أحد يملك الحقيقة الكاملة فالكل يجتهد للوصول إلى ذلك. ولا أحد له الحق في احتكار الحقيقة، فللجميع الحق أن يعمل ويجتهد بطريقته شرط خدمة الوطن وتحت سقف القانون بعيداً عن الفتن والخلافات الشخصية. ولا يمكن الوصول إلى النتائج المرجوة إلا بإعلان البرامج والخطط بصورة علنية تسمح للرأي الآخر بالاعتراض والنقد بحرية تامة بلا تهميش ولا إبعاد لجميع الأطراف التي قد تتفق في نقطة وتختلف في أخرى فهذا الأسلوب في النهاية يصب في مصلحة الوطن والمواطنين.
هذه ثوابت التزمنا بها وسنلتزم بها في عملنا السياسي والاجتماعي ندين بها وندان عليها لا سمح الله إذا ابتعدنا عن تطبيقها.
ومن هذا المنبر الذي تبنى الإصلاح أدعو إلى تشكيل لجنة تتابع أمور الوحدة بين الطائفتين السنة والشيعة في جميع الأمور.
المصدر: مكتب الشيخ الجمري
بتاريخ: 23 / 3 / 2001