-
القائمة الرئيسية
-
ملاحق البحرين تنتخب 2014
-
منيرة فخرو: الدور المستقبلي لمؤسسات المجتمع المدني في البحرين
ندوة نادي العروبة بتاريخ: السبت، 3 مارس 2001م
للدكتورة منيرة فخروأيها السيدات والسادة أسعدتم مساء.. تحية من الأعماق لأبطالنا العائدين من المنافي، وتحية شكر وامتنان لصاحب السمو الأمير حمد بن عيسى آل خليفة لحركته الإصلاحية الكبرى التي وضعتنا مرة أخرى على طريق الحداثة والديمقراطية والحرية.
أيها الحضور.. كلمتنا هذا المساء تدور حول المجتمع المدني ولقد قيل الكثير حول هذا الموضوع ولكن لا بد من إعادة لبعض المصطلحات التي تحض المجتمع المدني فهو كما يصفه بعض المفكرين مرادف لمعنى التقدم الإنساني وهو أيضا ينطوي على تعبيرات للحرية والمشاركة واحترام حقوق الآخرين، والالتزام بإدارة الخلاف إدارة سلمية، والتعاون من أجل المصالح المتبادلة.
وتشمل تنظيمات المجتمع المدني كلا من الجمعيات والروابط والنقابات والأحزاب والأندية والتعاونيات أي كل ما هو غير حكومي وكل ما هو غير عائلي أو إرثي ويستثنى من ذلك حلول تلك التنظيمات الإرثية محل التنظيمات المدنية الحديثة في حالات استثنائية محددة مثل وقوع المجتمع المدني بكامله تحت ضغوط بوليسية مشابهة للضغوط التي أفرزها قانون أمن الدولة السيء الذكر عندما قلص مساحة الحرية في مجتمعنا إلى ما دون الصفر خلال السنين الماضية التي امتدت إلى أكثر من ربع قرن، عندها نرى التنظيمات الإرثية كالمآتم الحسينية تلعب دورا شبيها بدور مؤسسات المجتمع المدني الحديثة وتكون منبرا حرا يعبر عن معاناة الأهالي وتطلعاتهم. وبمعنى آخر عندما تضيق مساحة الحرية في مؤسسات المجتمع المدني الحديثة ينكفئ الناس عادة على المؤسسات الإرثية.
كما يشمل مفهوم المجتمع المدني ثلاث أسس هي: الفعل الإرادي الحر والتنظيم الجماعي، وقبول الاختلاف والتنوع بين الفرد والآخرين، ولذلك فإن العلاقة وثيقة بين المجتمع المدني والديمقراطية. وقد ظهر المجتمع المدني أو "القطاع الثالث" في مقابل سلطة الحكومة وقواعدها العمومية، والسعي نحو الربح والكسب الشخصي الذي تفرضه قوى السوق. هذا القطاع لا يستهدف الربح وهو غير حكومي وهو يتعايش في معظم المجتمعات، ففي جميع أنحاء العالم يتداخل المجتمع المدني مع الأسواق والحكومات ويمارس تأثيرا موازيا لها.
كما في بقية أنحاء العالم الثالث، جرت مناقشات مستفيضة حول مفهوم المجتمع المدني في العالم العربي منذ الثمانينات خاصة بعد الأزمة البولندية، وظواهر حركة "تضامن" النقابية التي أدت إلى انهيار النظام الشمولي واستبداله بنظام تعددي ديمقراطي. ويذكر عزمي بشارة أن عدد تلك المنظمات في الوطن العربي يبلغ حوالي 70 ألف منظمة غير حكومية معظمها تلك التي تقدم خدمات اجتماعية ومساعدات مادية وتربية دينية، وبعض المؤسسات المهنية تسيطر عليها قوى دينية (إسلام سياسي، قوى سلفية، قوى دينية تقليدية محافظة) ويسيطر نشطاء العمل الوطني القومي واليساري سابقا وخريجو العمل النقابي القديم على أشكال أخرى من التنظيم، خاصة مؤسسات حقوق الإنسان ومراكز الأبحاث والمؤسسات التي تقع تحت مسمى المجتمع المدني. ويبحث أولئك عن استراتيجيات مختلفة للتغير مدفوعين بفشل العمل الحزبي القومي واليساري لأسباب مختلفة. إن الصلة بين المجتمع المدني والتحول الديمقراطي تبدو واضحة، فالديمقراطية هي مجموعة من قواعد الحكم ومؤسساته للإدارة السلمية للعلاقات بين الجماعات المتنافسة أو المصالح المتضاربة. ومؤسسات المجتمع المدني تقوم على نفس الأسس المعيارية للديمقراطية، فتلك التنظيمات تنطوي على صورة مصغرة للأشكال الديمقراطية وتتأصل في الممارسات اليومية وتتعرض للتغير بفضل هذه الممارسات. وقد ازدادت أهمية تلك التنظيمات بعد حرب الخليج وتداعياتها حيث تكشفت حقائق كانت في السابق مطمورة إما بفعل الثروة النفطية أو بجبروت المخابرات ومباحث أمن الدولة التي تلحم كل من يحاول أن يطل برأسه ليقول كلمة حق، وأول تلك الحقائق هو أن الحماية الحقيقية لأبناء الوطن تتشكل من الداخل عبر مؤسسات تنطق باسمهم وتعبر عن إرادتهم.
الآن وقد بلغت البحرين بر الأمان بفضل أميرها الشاب الذي أصر على أن يبدأ عهده الزاهر بأذن الله بعودة الديمقراطية وإعادة أبنائنا من المنافي وإطلاق سراح سجناء السياسيين وإلغاء قانون أمن الدولة إلى آخر تلك الإصلاحات التي تتوالى علينا يوميا بصورة مدهشة ورائعة في الوقت نفسه.
وأول الجمعيات التي سوف تنبثق في عهده الميمون جمعية حقوق الإنسان البحرينية بعضوية أشخاص ذاقوا مرارة السجن وعرفوا معنى القهر ولكنهم ظلوا صامدين، تنطلق تلك الجمعية لتصد ظلما محتملا يتعرض له أي فرد في المجتمع. أما الجمعية الأخرى التي سوف تبصر النور قريبا بعد طول معاناة فهي جمعية الأكاديميين البحرينية كي تحتل مكانها المناسب مع بقية الجمعيات الطليعية.
والآن ماذا عن مستقبل المجتمع المدني ومؤسساته؟ سؤال يطرح كثيرا هذه الأيام سواء في المنتديات أو في الصحف اليومية وسنحاول إزاحة بعض الغموض عن هذا السؤال الهام ولكن بسبب اتساع الموضوع وتشعبه سوف أحصر حديثي هنا في خمس نقاط رئيسية:
أولها قانون الجمعيات: هل يلغى قانون الجمعيات أم يعدل حسب ظروف المرحلة الحاضرة. علما بأن هذا القانون قد تم إصداره في مرحلة سابقة بغرض السيطرة المطلقة على أعضاء الجمعيات وقطع الطريق أمامهم بهدف حماية الأمن وإشاعة الاستقرار. إن القانون الحالي كما يعرفه الكثيرون والذي صدر عام 1989، كي يحل محل القانون القديم الذي صدر عام 1959، قد أصبح لا يتناسب مع الواقع الحالي. وقد أبدت كافة الجمعيات -خاصة ممثلات الجمعيات النسائية أذكر منهن الدكتورة سبيكة النجار والأستاذة عائشة مطر- تخوفها من هذا القانون الذي يكبل حرية الجمعيات والذي تنص إحدى مواده (المادة18) على عدم جواز العمل بالسياسة، والمادة 46، تنص على إرسال صورة من قرارات اجتماعات مجلس الإدارة خلال 15 يوما. وتجيز المادة 24 للوزير المختص دمج الجمعيات دون حاجة لقرارات الجمعية العمومية. هذه بعض النماذج للمواد التي احتواها القانون والتي لا يسع المجال هنا لإيرادها بالتفصيل. وقد اتفقت كافة الآراء التي ناقشت هذا الموضوع مؤخرا على ضرورة إلغائه واستبداله بقانون آخر يطلق العنان لكافة القوى ويفسح المجال أمامها بالمشاركة والعطاء في هدمة المجتمع. ولا يفوتنا أن نذكر بأن عدم الإقبال على الانخراط في تلك الجمعيات خاصة من جانب الشباب مرده إلى الوصاية التي يفرضها هذا القانون على تحركات الأعضاء.
النقطة الثانية هي موضوع تشكيل الاتحادات وقد برزت مطالبات بتشكيل الاتحادات وأذكر بالتحديد مطالبة رئيس نادي العروبة الأستاذ جاسم فخرو في جريدة أخبار الخليج بتاريخ 24 فبراير بتشكل الاتحادات الخمسة التالية
: 1) الاتحاد العام للجمعيات المهنية الذي سيضم في عضويته كافة النوادي في البحرين واليت يربو عددها على الخمسين ناديا
. 2) الاتحاد العام للجمعيات المهنية مثل جمعية المحامين وجمعية المهندسين وجمعية الأطباء وجمعية المحاسبين وغيرها من الجمعيات
. 3) الاتحاد العام لنساء البحرين والذي سيضم في عضويته كل الجمعيات النسائية في البحرين
. 4) الاتحاد العام لعمال البحرين والذي سيضم في عضويته الاتحادات الفرعية التي سوف تشكل في المستقبل. 5) الاتحاد العام لطلبة البحرين على مستوى المدارس والجامعات.إن فكرة تشكل الاتحادات تتناسب تماما مع الجو الديمقراطي العام الذي تمر به البحرين ولكن لا بد من دراسة هذه الفكرة وبحثها وتمحيصها في ندوات عامة كي تتبلور في صورتها النهائية. وأنا أهيب بالجمعيات النسائية بالمبادرة لطرح فكرة الاتحاد العام لنساء البحرين في ندوة عامة ومناقشتها بالتفصيل لترى مالها وما عليها. فمن خلال الحوار وحده تنضج المقترحات وتتبلور في شكل برنامج واضح الملامح يحدد مسار المرأة في المستقبل. وأود هنا أن أنوه بدور حرم صاحب السمو أمير البلاد، فهي تولي قضايا المرأة كافة الاهتمام وتبدي حماسا رائعا تجاه كل ما يخص شؤون المرأة أو الأسرة.
النقطة الثالثة التي أود طرحها بشدة هي قضية مؤسسات المجتمع المدني الثقافية والتعليمية والتي تحتاج إلى رقابة شعبية مشددة نظرا لتأثيرها على مستقبل شبابنا. وتأتى على رأسها الجامعة الوطنية الوحيدة، وأقصد هنا جامعة البحرين. تلك الجامعة التي أصابها في السنوات القليلة الماضية الكثير من الإحباط سببه الرأي المتسلط وتجاوز دور اللجان والدوائر واختيار بعض أعضاء مجلس إدارتها من غير ذوي الاختصاص، ولكن الدور المرتقب لجمعية الأكاديميين البحرينية سيكون أول بادرة إصلاح لمسار الجامعة في هذا العهد الميمون وهو حتما سيعزز دور الجامعة.
والنقطة الرابعة تتعلق بالهيئة البلدية وهي من صميم منظمات المجتمع المدني والانتخابات التي سوف تجري لها قريبا. هذا الموضوع يكتنفه الغموض ولا ندري لماذا لا توليه الصحافة ووسائل الإعلام اهتماما يليق بهذا الحدث الكبير. نحن لا نعلم حتى أسماء أعضاء اللجنة التي تضع قوانين الانتخابات البلدية وموعد طرحها على المواطنين وعدد أعضاء المجلس البلدي المنتخب إلى آخر ما هنالك من تبعات. المرحلة القادمة هي للانتخابات البلدية وعلى ضوء نتائجها ستقرر أمور كثيرة لها علاقة بالانتخابات البرلمانية
أما النقطة الخامسة والأخيرة وهي على درجة كبرى من الأهمية فتتناول موضوع المؤسسات السياسية ومدى إمكانية إشهارها، وأعني هنا الأحزاب السياسية. من المعروف أن معظم الأحزاب في البحرين والمنطقة الخليجية كان في الماضي مرتبطا بالخارج عن طريق التنظيمات الحزبية الواحدة التي تعمل في المنطقة العربية، وهي غير مصرح لها بالعمل العلني لذا فهي تعمل بسرية تامة وبسبب تلك السرية فإن معرفتنا بعدد الفصائل والأشخاص تبقى محدودة. ولكن نستطيع القول أن هناك تيارات سياسية تنقسم حاليا بصورة مبدئية إلى قسمين: الأولى علمانية ليبرالية والأخرى دينية (سنية وشيعية)، وسوف تخوض تلك التيارات الانتخابات النيابية القادمة على شكل كتل سياسية. هذا الموضوع أتركه للنقاش بسبب عدم وضوح الرؤية.
إن مستوى العلاقة بين مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص لا تزال في بداياتها، فالقطاع الخاص لم يستوعب بعد أهداف وحقيقة عمل مؤسسات المجتمع المدني لذلك فهو لا يسندها ماديا إلى باليسير، ومن جانب آخر، نرى أن العلاقة بين مؤسسات المجتمع المدني والدولة ممثلة بوزارة العمل لا تال شائكة، وأملنا أن تحل تلك الإشكالية ما بين مؤسسات المجتمع المدني من جهة، وبين القطاع الخاص والدولة من جهة أخرى، وذلك بالمزيد من الحوار والنقاش البناء مستقبلا.