-
القائمة الرئيسية
-
ملاحق البحرين تنتخب 2014
-
ورقة المحامية جليلة السيد في ندوة "المرأة والوعي السياسي" - جمعية المستقبل النسائية - المنامه 29 اكتوبر 2001
ندوة
المرأة والوعي السياسي
ورقة من إعداد:
المحامية جليله السيد
المنامه 29 اكتوبر 2001
الجزء الاول :
التعريف بالحقوق :
لكي نتعرف على حقوق المرأة الدستورية ينبغي لنا ان نستعرض كيف تعامل الدستور والميثاق مع مسألة حقوق المرآة .
اولاً : مبدأ المساواة بين الجنسين :
لقد اعتمد المشرع الدستوري في تقرير الحقوق والواجبات على عنصر المواطنة فبعد ان اعتبر الناس جميعا سواسية في الكرامة الإنسانية ، أرسى مبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون في حقوقهم وواجباتهم العامة لا تمييز بينهم بسبب الجنس أو الأصل او اللغة او الدين او العقيدة (م 18 من الدستور الفصل الأول/ثانيا/ من الميثاق) كما نص الدستور على ان الحرية والمساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين دعامات للمجتمع تكفلها الدولة (م4 من الدستور الفصل الأول/ أولا من الميثاق) .
وعليه فقد اعتبر كل من الدستور والميثاق مبدأ المساواة أساسا لكل الحريات والحقوق العامة دون تمييز بسبب الجنس وعليه فإن كافة ما قرره الدستور وسايره في ذلك الميثاق ، من حقوق وواجبات عامة مدنية كانت او سياسية ، قررها لكل من الرجل والمرأة على قدم المساواة ولعل أهم صور المساواة التي أوردها المشرع الدستوري هي الآتية :
1- المساواة أمام القانون .
فلا يعتد بالقوانين التي تميز بين الجنسين مع تساوي الظروف والأوضاع . والمساواة في هذا الصدد مساواة نسبية وليست مطلقة فقد تفرض الوظيفة البيولوجية للمرأة على سبيل المثال ان نسن لها أحكام خاصة تتماشى وتلك الوظيفة كإجازات الوضع والأمومة وما الى ذلك .
2- المساواة أمام القضاء :
حيث تكفل الدولة للجميع حق التقاضي أمام قضاء واحد بإجراءات موحدة بحيث يكون اختصاص المحاكم عاما يشمل جميع المواطنين دون تمييز إلا من اختصهم المشرع الدستوري بقضاء منفصل كالعسكريين .
وعليه فان إنشاء المحاكم الخاصة بفئة من المواطنين امر لا يتماشى وروح الدستور ولا يعتد في تبرير انشائها بمقولة الحفاظ على مصالح الوطن العليا او ما شابه . وفي هذا الصدد نثمن بجزيل من التقدير قرار سمو امير البلاد المفدى وحكومته الشريدة بإلغاء قانون محكمة امن الدولة وإرجاع الاختصاص بنظر الجرائم المتعلقة بأمن الدولة الداخلي والخارجي وغيرها من الجرائم التي اختصت بنظرها تلك المحكمة ، الى القضاء الجنائي العادي بما يشمله من ضمانات بما فيها حق المتهم في حضور محام معه طوال مراحل التحقيق والمحاكمة علاوة على مبدأ التقاضي على ثلاث درجات وغيرها من الضمانات القانونية .
3- المساواة في تقلد الوظائف العامة :
فقد جاء في الدستور ان الوظائف العامة خدمة وطنية تناط بالقائمين بها وان المواطنون سواء في تولي الوظائف العامة وفقا للشروط التي يقررها القانون (م 16 من الدستور) وعليه يأتي حرمان المواطنة من تقلد بعض الوظائف العامة في سلك القضاء او في السلطة التنفيذية متنافيا مع صريح النص الدستوري سالف البيان . ففيما يتعلق بقانون تنظيم القضاء لعام 1971 نجد انه قد حدد الشروط الواجب توافرها فيمن يتولى القضاء في :
1) الجنسية البحرينية مع جواز الاستثناء .
2) المؤهل العلمي أي الحصول على إجازة في الحقوق أو الشريعة .
3) حسن السيرة والسلوك .
4) توافر الخبرة أي الاشتغال بأي عمل قانوني لمدة لا تقل عن عامين .
وعليه فإن القانون لم يشترط الذكورة فيمن يتولى القضاء . ومع ذلك فان الواقع يشهد على تبني وزارة العدل سياسية عدم السماح للمرأة بتولي القضاء حيث دأبت على إناطة تلك المهمة للرجال دون النساء.
4- المساواة في التكاليف والأعباء العامة :
ويأتي على رأس تلك التكاليف أداء الخدمة العسكرية حيث نص الدستور على ان الدفاع عن الوطن واجب على كل مواطن واداء الخدمة العسكرية شرف للمواطنين (م 30/3 من الدستور الفصل الرابع من الميثاق) ومن ثم فإن حرمان المرأة من شرف أداء الخدمة العسكرية امر يصب هو الآخر في مجرى مخالفة الدستور والميثاق معاً .
وبناء على ما تقدم تكون جميع القوانين او القرارات او الأنظمة الإدارية الصادرة بالمخالفة لمبدأ المساواة بين الجنسين عرضه للطعن عليها بعدم دستوريتها ذلك ان المـادة (31) من الدستور قد نصت على انه "لا يكون تنظيم الحقوق والحريات العامة المنصوص عليها في هذا الدستور او تحديدها الا بقانون او بناء عليه ولا يجوز ان ينال التنظيم او التحديد من جوهر الحق او الحرية" .
ثانياً : الحريات الشخصية :
نص الدستور على كفالة الحرية الشخصية وعلى الحق في الأمن الشخصي حين نص على عدم جواز القبض على أي إنسان او توقيفه او حبسه او تفتيشه او تحديد إقامته او تقييد حريته في الإقامة التنقل إلا وفق أحكام القانون وبرقابة القضاء (م19/أ و ب من الدستور الفصل الأول / ثانيا من الميثاق) .
كما نص الدستور على حرمة المسكن وعلى عدم جواز دخوله او تفتيشه بغير إذن الا في الحالات التي يقررها القانون (م 25 من الدستور الفصل الأول / ثانيا/ الميثاق)
وكذلك نص الدستور على سرية المراسلات (م 16 من الدستور الفصل الأول/ ثانيا/ 7 من الميثاق) .
ثالثاً : حرية الفكر والرأي والصحافة :
قرر الدستور مبدأ حرية العقيدة والديانة (م 22 من الدستور الفصل الأول/ ثالثا من الميثاق) كما قرر حرية الرأي بأن قرر لكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول والكتابة او غيرها وفقا للقانون (م 23 من الدستور الفصل الاول/رابعا من الميثاق) كما نص على حرية الصحافة والطباعة والنشر في حدود القانون (م 24 من الدستور الفص الاول/ رابعا من الميثاق) .
رابعاً : حرية التجمع :
تأكيدا لدور المجتمع المدني الكبير في ترسيخ قواعد الممارسات الديمقراطية وتنمية المجتمع حرص الدستور على النص على صيانة حق تكوين الجمعيات والنقابات وحق الاجتماع (م 27 و م28 من الدستور الفصل الاول/ خامسا من الميثاق)
خامساً : الحقوق السياسية :
ان الحقوق السياسية هي تلك التي يهدف المشرع من وراء تقريرها الى اشراك المواطن في حكم بلاده عن طريق منحه حق ان يكون ناخبا او مرشحا . وغني عن البيان انه بدون الحقوق السياسية تكون باقي الحقوق والحريات العامة سالفة البيان مجرد منحة يمكن للسلطة ان تمنحها متى شاءت وان تمنعها متى شاءت لذا يعتبر نظام الحكم الديمقراطي بحق الضمان الاول لجميع تلك الحقوق والحريات على ان الحقوق السياسية لا تقوم بذاتها ولا تتأتى ممارستها دون ان يكون متاحا للمواطن ممارسة الحقوق والحريات العامة سالفة الذكر كحرية الرأي والصحافة والاجتماع .
وقد نص الدستور على ان للمواطنين حق المشاركة في الشؤون العامة والتمتع بالحقوق السياسية ، بدءا بحق الانتخاب ، وذلك وفقا للدستور والشروط والأوضاع التي يبينها القانون (م1/هـ من الدستور) وقد توج الميثاق نضال المواطن والمواطنة في سبيل نيل حقوقهم السياسية بان نص على ان يتمتع المواطنون رجالا و نساءا- بحق المشاركة في الشؤون العامة والتمتع بالحقوق السياسية بدءا بحق الانتخاب والتشريح طبقا لاحكام القانون (الفصل الثاني/ سابعا من الميثاق) .
وحيث أحال الدستور في بيان شروط وأوضاع ممارسة المواطنين لحقوقهم السياسية الى القانون فانه لا بد من استعراض قوانين الانتخاب المطبقة ونوردها حسب تسلسلها التاريخي كالآتي :
- في يونيه 1972 صدر المرسوم بقانون رقم 12/72 في شان إنشاء مجلس تأسيسي لاعداد الدستور ولم يتضمن ذلك القانون أي إشارة بشأن تحديد جنس الناخب او المرشح .
- بعد شهر من القانون سالف الذكر صدر في يوليه 1972 المرسوم بقانون رقم 13/72 في شأن أحكام القانون الانتخاب للمجلس التأسيسي حيث حصر حق الانتخاب على كل بحريني من الذكور بلغ عشرين عاما .
- بعد ذلك بعام في يوليه 1973 صدر المرسوم بقانون رقم 10/1973 في شأن أحكام الانتخاب للمجلس الوطني وحصر حق الانتخاب على البحرينيين من الذكور ممن اتم عشرين عاما من عمره .
- وفي ديسمبر 1973 صدر الدستور وقرر في المادة 1/هـ ان للمواطنين حق المشاركة في الشؤون العامة والتمتع بالحقوق السياسية بدءا بحق الانتخاب وفقا للدستور وللشروط والأوضاع التي يبينها القانون .
أي ان الدستور أرسى مبدأ المساواة بين المواطنين في تمتعهم بحقوقهم السياسية دون تمييز بسبب الجنس او لاي سبب آخر.
ولما كان الدستور قد فرض ان يكون تمتع المواطنين بالحقوق السياسية وفقا لاحكامه فإننا باستعراض احكامه نجدها قد قررت الآتي :
1- اشترط الدستور في المادة (31) منه ان يكون تنظيم الحقوق والحريات العامة المنصوص عليها فيه كالحقوق السياسية- بقانون ومع ذلك فقد حظر الدستور ان ينال تنظيم الحق او تحديده بواسطة القوانين من جوهر الحق او الحرية .
2- ان احكام القوانين والمراسيم الصادرة قبل صدور الدستور تظل سارية المفعول الا اذا تعارضت مع نص من نصوص الدستور (م 105/ب من الدستور)
وبناءا عليه وحيث ان اشتراط الذكورة في الناخب قد تقرر بموجب قوانين صدرت قبل صدور الدستور وتعارضت مع احكامه حيث أخلت بمبدأ المساواة بين المواطنين في ممارستهم لحقوقهم السياسية فإن تلك القوانين لا تكون سارية ولا تطبيق فيما تعارضت فيه أحكامها مع نصوص الدستور . وعليه لا يكون شرط الذكورة ساريا منذ صدر الدستور في ديسمبر عام 1973 .
وعليه فقد أصبحت المرأة البحرينية منذ صدر الدستور عام 1973 متمتعة بكافة حقوقها السياسية من الناحية القانونية الا ان الواقع كان غير ذلك فاستمر تطبيق قانون الانتخاب لعام 1973 على انتخابات المجلس الوطني عام 1974 التي منعت فيها المواطنة البحرينية من ممارسة حقوقها السياسية .
الا ان الميثاق جاء ليضع الأمور في نصابها فقرر حق المرأة في ممارسة حقوقها السياسية بشكل صريح حيث قرر في الفصل الثاني / سابعا منه على الآتي :
يتمتع المواطنون رجالا ونساءا- بحق المشاركة في الشؤون العامة والتمتع بالحقوق السياسية في البلاد بدءا بحق الانتخاب والترشيح طبقا لاحكام القانون .
فقد نالت المرأة المواطنة بموجب هذا النص الذي اقره 4ر98% من المواطنين اعترافا بحقها في ممارسة حقوقها السياسية كاملة شأنها شأن إخوانها الرجال .
وفي هذا الصدد فانه من منطلق سد الذرائع يحسن بالمشرع الدستوري تعديل نص المادة 1/هـ من الدستور بتضمينه عبارة نساءا ورجالا- كما فعل الميثاق حتى لا يترك لأهواء الساسة الانتقاص من حقوق المواطنات بدعوى تفسير النص او تأويله وان كان يكفي تعديل قانون الانتخاب بحذف شرط الذكورة .
لا شك في ان ما تضمنه ميثاق العمل الوطني من تأكيد على دعم حقوق المرأة ما هو الا انعكاس لما توليه القيادة الرشيدة من تقدير للدور الذي لعبته المرأة البحرينية في عملية التنمية المجتمعية وعرفانا بإسهاماتها في سبيل الارتقاء بمواطن هذا البلد العزيز في كافة المواقع .
فالمرأة البحرينية العاملة داخل البيت او خارجه كانت ولا تزال دعامة رئيسة في بناء مجتمعنا الناهض ويلزمها حتى تمكن من أداء دورها كاملا ان تتمتع بحقوقها كاملة ولن يتسنى لها التمتع بتلك الحقوق دون استكمال المنظومة التشريعية المتعلقة بالمرأة وبالأسرة على رأسها قانون الأحوال الشخصية و تعديل التشريعات القائمة المخلة بمبدأ المساواة مثل قانون الانتخاب .
الجزء الثاني :
المرأة البحرينية ومتطلبات المرحلتين الراهنة و القادمة : مسألة الوعي السياسي :
على مدى العقود الماضية برهنت المرأة البحرينية بجدارة على إستحقاقها كافة حقوق المواطن الدستورية و أثبتت أنها أهلاً للثقة ، على الرغم من أن بعض الأوضاع الاجتماعية ، من موروث أو عادات ، مقرونة ببعض الأوضاع القانونية ، سواء بوجود التشريع أو بغيابه ، قد حالت دون تمكين المرأة البحرينية من لعب دورها كمواطن "كامل الأهلية" في تنمية المجتمع والنهوض به على قدم المساواة مع إخوانها من المواطنين الرجال.
إن المرأة البحرينية الآن امام مفترق طرق ، لذا يلزمها بالضرورة أن تحدد ماذا تريد وأي طريق تسلك ؟ إما طريق المشاركة الإيجابية الفعالة في بناء هذا الوطن أو طريق الاكتفاء بدور المشاهدة القابعة في ذات الخندق القديم ، أسيرة لذات القوالب التقليدية المعهودة كمواطن من الدرجة الثانية .
فإن اختارت المواطنة البحرينية الطريق الأول ، ولا اجدها تختار غيره ، فإنني أرى أنه يلزمها ما يلي:
أولاً : معرفة الحقوق وكيفية ممارستها :
إذ لا بد للمواطنة البحرينية من أن تعي متطلبات المرحلة الراهنة و المرحلة القادمة من حيث لزوم تنمية و تعميق الوعي السياسي لديها عن طريق معرفتها بحقوقها السياسية من جهة إضافة الى تعلمها اصول تعاطي العمل السياسي على اساس علمي سليم ليتسنى لها إكتساب المهارات الازمة للإنخراط في العمل السياسي المنظم .
ويستلزم حسن استيعاب متطلبات المرحلة الراهنة أن يبنى وينطلق من أسس وثوابت لا يمكن تجاوزها أو التفريط فيها إذا ما أردنا بناء مجتمع ديمقراطي . ويأتي على رأس تلك الثوابت مسألة حاكمية الدستور أي وجوب الالتزام بالعمل من خلال وضمن حدود الشرعية الدستورية كما رسمها دستور الدولة . ويتفرع من هذا الأصل الكثير من المسلمات من اهمها الهوية الإسلامية العربية للمجتمع البحريني ، ديمقراطية النظام السياسي للبلاد ، إحترام الحقوق المدنية و السياسية لكل مواطن ، المساواة وحق المشاركة في الشؤون العامة .
ثانياً : الانطلاق الى فضاء العمل الوطني الرحب بجميع انواعه :
إذ لا بد للمواطنة البحرينية من الانفتاح على كافة قطاعات المجتمع بمختلف اهتماماتها وتوجهاتها وذلك بالإنعتاق من القيد التقليدي الذي حبسها في مجالات عمل محدودة إلى فضاء المجتمع الواسع بكافة فعالياته السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها الذي مازال الوجود النسائي فيها محدوداً .
ثالثاً : العمل المؤسسي المنظم :
إذ لا بد للمواطنة البحرينية من أن تتخذ العمل المؤسسي نهجاً لإحداث التغيير الذي لن يتسنى إحداثه بالمجهودات الفردية مهما عظم العطاء وعمق الفكر وعلت الكفاءة . وإن المتابع لمجريات الاحداث على الساحة البحرينية يلاحظ انه على الرغم من عدم تعديل أي من التشريعات المنظمة لمؤسسات المجتمع المدني حتى تاريخه إلا ان سقف الحريات المتاحة لهذه المؤسسات قد ارتفع بشكل دراماتيكي خلال العام المنصرم . وقد تجلى ذلك في نوعية الأنشطة التي بات مسموحاً لهذه المؤسسات القيام بها والتي كانت حتى ألامس القريب من المحظورات كما تجلى ذلك ايضاً في التصريح بإنشاء العديد منها حتى تلك التي أنشأت لأغراض سياسية صرفه .
ولعل التحدي الآن أكبر من أي وقت مضى أمام كوادر تلك المؤسسات في ابتداع أساليب عمل جديدة تتناسب واحتياجات الفئات المستهدفة بأنشطتها في المرحلة الراهنة وكذا إعادة النظر بالنسبة للمؤسسات القديمة في إستراتيجية عملها واهدافها لكي تتماشى وما طرأ على الساحة المحلية من متغيرات سياسية وتوجه نحو الإصلاح والديمقراطية .
رابعاً : تعاطي العمل السياسي من منطلق في الرغبة في خدمة الوطن ككل :
إذ يجب ألا تنحصر أهداف عمل المواطنة البحرينية في السياسة في خدمة جنس أو فئة او طائفة وإنما يلزم ان تكون مصلحة الوطن كله هدفها الأول ومرجعها الأعلى . ومن هنا تأتي اهمية تناول مسألة الطائفية .
إذ قد يلجأ البعض لاستخدام الشعار الطائفي من أجل تعبئة جزء من الجمهور السياسي ورائه وتلك حقيقة لا نملك إنكارها ، إلا انه كثيراً أيضا ما يستمرأ الخصوم السياسيين استخدام تهمة الطائفية لتشويه سمعة الطرف الآخر أو الإساءة إلى قضيته مهما كانت عادلة . وفي الحالة الأخيرة عادة ما يتم تناول الطائفية كبديل للوطنية ونقيض لها ، بل ذهب البعض في خياله إلى ربط الطائفية بالتآمر الأجنبي على الدولة .
و في مجتمعنا ، يتم الربط عادة بين الطائفية و التدين . بل ويحلو لبعض الفئات السياسية خلق مواجهة مقصودة بين "المتدينين الطائفيين" من جهة و بين "القوميين او العلمانيين او الديمقراطيين" من جهة اخرى على إعتبار ان الطائفية الدينية صورة من صور التخلف و الرجعية في حين ان القومية والعلمانية حركات تنويرية تقدمية . بل يذهب آخرون إلى ربط الطائفية بالإسلام بالذات معتبرين أن الدين الإسلامي دين تعصب يرفض الآخر ولا يقبله .
والحال إن اللجوء إلى الطائفية دينية او غيرها ، ليس سوى نتيجة طبيعية ومنطقية لضعف الانتماء أو الولاء العام المشترك بين كافة طوائف الشعب مما يدفع أفراده إلى البحث عن الانتماء إلى بني عرقهم أو طائفتهم الدينية بدلا من الانتماء إلى الوطن ككل.
وقد يضطر الفرد إلى البحث عن الانتماء لطائفته إذا فقد الثقة في كفاية النظام الحاكم وقدرته على حماية حقوقه أو مصالحه أو إذا وجد أن النظام الحاكم ذاته ، يتعامل معه و يصنفه على أساس طائفي.
فالطائفية إذاً خلل اجتماعي سياسي يولده غياب دولة القانون الديمقراطية .
إننا لا ننكر حق أي فرد في الاختلاف عن الآخرين بانتمائه الطائفي الديني أو المذهبي أو الفكري كما أننا نقر بأن الطائفية واقع قائم و ملموس أفرزته ممارسات الماضي وطبيعة تكوين المجتمع البحريني ، ومع ذلك فقد آن الاوان للوقوف وقفة واضحة صريحة تجاه هذا الموضوع .
إن الطائفية إن نظرنا إليها بمنظار الحق في الاختلاف فهي بلا شك حق لكل فرد وإن نظرنا إليها من منظار أثرها في شق الصف و تعريض التوجه الاصلاحي في البلاد لخطر التراجع فهي بلا شك خطر حقيقي .
إن مرحلة البناء التي نعيشها حالياً تتطلب منا الاجتماع على ما يوحدنا ويقرب أهدافنا والبعد عما من شأنه أن يزيد من عوامل الشقاق بين كافة طوائف الشعب . ومن هذا المنطلق فلا بد من التركيز على انتقاء خطابنا السياسي والدخول في عملية مكاشفة مع النفس نسبر فيها أغوار توجهاتنا ونحاول التعرف على أصولها و منطلقاتها لكي نتمكن من ان نجتث منها ما من شأنه المساس بمصلحة الوطن .
خامساً : وعي المواطنة باهمية دورها كشرط لازم للنهوض بالوطن :
لا بد أن تعي المواطنة البحرينية أهمية دورها في بناء مستقبل هذا الوطن وإنها قادرة على إحداث فرق نوعي في عملية الاصلاح و التنمية الشاملة التي تشهدها البلاد فالمواطنات لسن رقماً يضاف لقوائم الناخبين او المرشحين بل انهن عنصر أساسي وشرط لازم لتحقيق الاصلاح و التنمية الحقيقيين .
و بطبيعة الحال فان عبء النهوض بالمرأة في المرحلة الحالية أو المرحلة القادمة من حياة هذا الوطن لا يقع على المرأة وحدها إذ أن لمؤسسات الدولة والمجتمع المدني وعلماء الدين الافاضل و المثقفين و أصحاب الرأي والفكر دور كبير في تكوين عقيدة المجتمع الجديدة حيال قضايا المرأة وحقوقها باعتبارها جزء من حقوق الإنسان التي هو موضع اهتمام واحترام المجتمعات المتحضرة عبر العالم .
إن الذين ينكرون على المرأة مطالبتها بحقوقها (التي طالما أهدرت على مر السنين) ويحولون دون حصولها عليها بدعوى الغيرة على الدين أو الحرص على التقاليد إنما يقدمون دون وعي منهم صورة سلبية قاتمة ومنفرة لتعاليم عقيدتنا الإسلامية السمحاء. تلك التعاليم المبنية على أسس العدل والإنصاف وتكريم الإنسان وبالتالي احترام المرأة ولنا في تاريخا الإسلامي الكثير من الأمثلة المشرفة من نساء بيت النبوة وغيرهم .
الجزء الثالث :
بعض المفاهيم الاساسية لتكوين الوعي السياسي المنشود :
اولاً : دولة القانون :
هي تلك الدولة التي تستند في تحديد نظامها السياسي والقانوني وعلاقات الافراد والمؤسسات فيها الى قواعد مقررة وثابتة نسبياً . ولكي تتحقق دولة القانون لابد من توافر بعض العناصر وتقرير بعض الضمانات و على رأسها :
1- وجود الدستور :
بمعني توافر نظام مقرر في الدولة يبين قواعد ممارسة السلطة فيها ووسائل وأوضاع استعمال تلك السلطة بحيث أنه اذا عين الدستور لسلطة أو مؤسسة ما اختصاصات معينة ، حرم على غيرها من السلطات أو المؤسسات التعدي على تلك الاختصاصات . وبذلك فان الدستور يعد بحق الضمانة الاولى لخضوع الدولة للقانون . لأن الدستور يحدد السلطات في الدولة بل ويمنحها شرعيتها ويحدد الاطر القانونية لممارستها صلاحياتها المقررة فيه .
فالدستور يعلو على جميع السلطات والمؤسسات لأنه هو من أنشاءها واسبغ عليها شرعيتها وهو ما نتج عنه ظهور مبدأ سمو القاعدة الدستورية على ما سواها من القواعد القانونية .
وعليه فاذا نص الدستور على إحالة تنظيم ممارسة الحقوق أو الحريات الى القوانين التي تصدر من السلطة التشريعية بالدولة ، فان ذلك يترتب عليه حتماً تقييد سلطات الدولة في هذا الخصوص لأنها لن تستطيع تنظيم ممارسة تلك الحقوق أو الحريات عن طريق السلطة التنفيذية مثلاً وإلا وصمت القوانين الصادرة من السلطة التنفيذية باللادستورية .
2- الفصل بين السلطات :
اذا كان الدستور معني بتحديد السلطات في الدولة وبيان اختصاصات كل منها ، فانه لابد من احترام نصوص الدستور المنظمة لعمل السلطات وضمان عدم خروج كل سلطة عن حدود اختصاصاتها . ومن هنا يكون مبدأ الفصل بين السلطات هو الضمانة الرئيسة لتحقيق التزام كل سلطة باختصاصاتها المقررة . ويكون تفعيل مبدأ الفصل بين السلطات بفصل كل سلطة منها فصلاً عضوياً عن الأخرى بمعنى تخصيص مؤسسة دستورية مستقلة لتمارس منفردة كل نوع من أنواع السلطة . فيتولى البرلمان مهمة أو سلطة التشريع و اصدار القوانين وتتولى الحكومة مهمة تنفيذها ويتولى القضاء مراقبة تطبيق القوانين والفصل في المنازعات الناشئة بشأنها . والفصل بين السلطات لا يتطلب أن يكون مطلقاً بل قد يحسن أن تتعاون تلك السلطات فيما بينها وتتولى مراقبة متبادلة على بعضها البعض لضمان عدم التعدي على الاختصاصات .
وتتجلى فائدة الفصل العضوي بين السلطات في ضمان توزيع السلطات بين مؤسسات عدة بما يحول دون انفراد أي منها بالسلطة بشكل مطلق فلا تعود السلطات قابلة لأن تتركز في يد واحدة لما في ذلك من خطر الاستبداد والتسلط .
3- خضوع الادارة للقانون :
ونعني بها بالذات خضوع الجهاز التنفيذي بكافة دوائره بكل مستوياتها لمبدأ سيادة القانون . فلا يجوز للادارة أن تتخذ إجراءاً او قراراً إلا بمقتضى القانون وتنفيذاً له . وتكمن الفائدة المرتجاة من تقرير هذا المبدأ في أمرين :
الاول : هو أنه حتى يتحقق مبدأ خضوع الدولة للقانون فان يستلزم أن تكون الاجراءات الفردية التي تتخذها السلطات العامة منفذة لقواعد عامة مجرد موضوعة سلفاً ، وبذلك تسود العدالة والمساواة .
الثاني : هو أن القانون في الدولة الديمقراطية يصدر عن هيئة منتخبة تمثل الشعب وتمارس السيادة باسمه . ومن ثم فان خضوع الادارة للقانون يحقق للهيئة المنتخبة الهيمنة على تصرفات الادارة .
إن خضوع الادارة للهيئة التشريعية ليس خضوعاً عضوياً فهي منفصلة عنها وانما الخضوع هو خضوع وظيفي ضمن اطار المراقبة المتبادلة بين السلطات باعتبارها نوع من أنواع التعاون والتنسيق فيما بينها كما سلف بيانه .
4- تدرج القواعد القانونية :
بمعنى أن ترتبط القواعد القانونية فيما بينها ارتباطاً تسلسلياً أو هرمياً من حيث القوة والقيمة القانونية فيأتي على رأسها الدستور فالقوانين فاللوائح فالقرارات الادارية العامة ثم الفردية .
ويترتب على مبدأ تدرج القواعد القانونية وجوب خضوع القاعدة الادنى للقاعدة الاسمى من حيث الشكل أو الموضوع . ونقصد بالشكل صدور كل قاعدة من السلطة المختصة باصدارها وباتباع الاجراءات المقررة . ونقصد بالموضوع خضوع القاعدة الادنى في مضمونها للقاعدة الاسمى وعدم مخالفتها لها موضوعياً.
5- الاعتراف بالحقوق الفردية :
يهدف نظام دولة القانون بالاساس الى حماية الفرد من عسف السلطة بمعنى أن النظام برمته قائم على فرضية وجود حقوق للافراد في مواجهة الدولة . وتندرج تحت قائمة الحقوق الفردية ما تعارف على تسميته بالحقوق المدنية وتأتي على رأسها الحقوق السياسية والحقوق الشخصية كحرية التنقل وحق الامن وحق السكن وسرية المراسلات وحرمة الجسد والحق في سلامته كما تقع ضمن تلك الحريات أيضاً حريات الفكر والعقيدة والتعليم والصحافة والرأي وتشمل أيضاً حريات التجمع كحق تكوين الجمعيات والنقابات علاوةً على الحريات الاقتصادية كحق الملكية والحقوق الاجتماعية كحق العمل .
6- تنظيم رقابة القضاء :
حتى تسود دولة القانون فلابد من تنظيم حماية مناسبة للقاعدة القانونية ذاتها التي هي مصدر تقييد السلطات العامة وعليه فإنه لابد من تقرير جهة رقابة مستقلة لضمان الحماية المنشودة للقاعدة القانونية. ومن هنا تأتي أهمية الرقابة القضائية باعتبارها ضمانة حقيقية لحقوق الافراد في مواجهة الدولة . اذ تمنح الرقابة القضائية الافراد وسيلة بمقتضاها يستطيعون الالتجاء الى جهة مستقلة تتمتع بضمانات دستورية لالغاء أو تعديل أو التعويض عما قد تتخذه السلطات العامة من اجراءات بالمخالفة للقانون تمس حقوقهم ومصالحهم . ولعل أهم الضمانات الدستورية المقررة للسلطة القضائية هو الاستقلالية و بالذات عن السلطة التنفيذية اذ لولا هذه الاستقلالية لأصبحت دولة القانون وهماً لا وجود له.
ثانياً : النظام الديمقراطي وحق الإنتخاب :
النظام الديمقراطي هو ذلك النظام الذي يكون فيه الشعب هو صاحب السلطة ومصدر السيادة . وبطبيعة الحال فإن الحكم يكون للأغلبية يمارسونه عن طريق نوابهم في المجالس النيابية وتشكل الحكومة من تلك الأغلبية إلا ما قد تقتضيه دواعي الإئتلاف السياسي . ونواب الشعب لهم نيابة عامة عن كافة أفراد الشعب فهم لا يمثلون أفراد دائرتهم الإنتخابية فقط وإنما يمثلون عموم أفراد الشعب بدلالة أن الدائرة تملك ألا تعيد إنتخاب النائب الذي اوصلته للبرلمان و لكنها لا تستطيع إقالته .
و تعتبر الديمقراطية بحق وليدة هذا الحق الذي لا يتصور قيام ديمقراطية دونه. وعادة ما يكون تقرير هذا الحق لأفراد الشعب بموجب نص دستوري وبالمساواة بينهم أي بغض النظر عن اصل الفرد أو لونه أو جنسه أو عقيدته . وقد يعتبر البعض حق الإنتخاب حق شخصي مطلق للفرد له أن يستعمله وان لا يستعمله حسبما يشاء وفق رأيه المطلق ، إلا ان الحقيقة أن حق الإنتخاب علاوة على كونه حق شخصي فهو ذو وظيفة سياسية غاية في الأهمية تعتبر من أهم وظائف الشعب في النظام الديمقراطي وهي وظيفة إختيار الحكام ومن ثم فإنه لابد للشعب من ممارسة هذا الحق وإلا إستحال تحقيق الديمقراطية المنشودة .
و لكي تكون الديمقراطية حقيقة فلا بد أن يكون الإنتخاب عاماً يشمل جميع أفراد الشعب من كلا الجنسين فلا تمييز بينهم بسبب الأصل أو اللون ما داموا متمتعين بالجنسية ، بالغي السن القانونية و متمتعين بالأهلية اللازمة . ولكي يمارس الأفراد حقوقهم السياسية ترشيحاً وإنتخاباً فإنه لابد من نشر الوعي القانوني فيما يتعلق بآلية الإنتخاب وشروطه فلا بد للمواطن من الوقوف على ماهية النظام الحاكم لإنشاء ومراقبة وتحديث القوائم الإنتخابية و لابد للمواطن من معرفة طبيعة تقسيم الدوائر الإنتخابية . وهنا تكمن أهمية ألا يترك تقسيم الدوائر في يد السلطة التنفيذية إلا بضمانات معينة . وذلك للحيلولة دون أن تستغل السلطة التنفيذية تلك الصلاحية لتغليب فرص فوز الموالين لها على غيرهم في الإنتخابات عن طريق اللجوء إلى تمزيق الدوائر الإنتخابية لتشتيت المناهضين لسياستها في الدوائر ، بحيث يصبحون أقلية وبالتالي ينعدم أثرهم . لذلك تنبع أهمية تحديد الدوائر الإنتخابية بقوانين تصدر عن نواب الشعب ذاته في البرلمان بحيث لا تكون الدوائر الإنتخابية عرضة للتغيير بتغيير الحكومات .
ثالثاً : التعددية السياسية :
وفقاً لنصوص الدستور فان المساواة دعامة من دعامات المجتمع التي تكفلها الدولة ومنها المساواة بين المواطنين لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة . ومؤدي تقرير المساواة هو افتراض اختلاف المواطنين . وليس ذلك الاختلاف المفترض سوى تقرير للواقع الملموس فالاختلاف حقيقة مسلم بها بل انه إحدى سنن الله في خلقه .
والاختلاف قد يكون في الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة أو القناعات أو الأفكار أو الانتماءات السياسية وما إلى ذلك . وعليه فانه لما كان لكل مواطن حق المشاركة في الشؤون العامة والتمتع بالحقوق السياسية (م1/هـ من الدستور) ، فانه من الطبيعي إن يؤدي تلازم المساواة والاختلاف معاً إلى تعدد وجهات النظر في المسائل العامة وبالتالي ينبع الاختلاف في ترتيب الأولويات وفي طبيعة الاهداف وفي نوعية وسائل الوصول إليها . وهو ما يؤدي في أرض الواقع الى ظهور جماعات و احزاب سياسية ، مختلفة ولكنها متساوية من حيث حقوق أفرادها في التعبير عن آرائهم السياسية وممارسة العمل السياسي على قدم المساواة مع الآخرين . ومن هذا المنطلق نجد أن التعددية السياسية حتمية منطقية في أي مجتمع حر ديمقراطي يكون للجميع فيه حق ممارسة السياسية ما دام ذلك ضمن إطار وفي حدود الشرعية الدستورية و القانونية .
وعليه يكون التسامح والاعتدال ونبذ التعصف هو السبيل الاوحد للتعايش بين الجماعات السياسية المختلفة والمتصارعة على بلوغ السلطة . فالديمقراطية وإن كانت تعني حكم الأغلبية فهي أيضا تعني حماية الاقليات وصيانة كافة حقوقهم وحرياتهم العامة الدستورية وللحديث بقية.