-
القائمة الرئيسية
-
ملاحق البحرين تنتخب 2014
-
بعد مرور سنة على الميثاق الوطني، البحرين تجاوزت نفق الاختناق وتتطلع إلى الانفراج
بعد مرور ما يقرب من عام، على التجربة البحرينية الفريدة من نوعها والتي أنهت حالة الاحتقان السياسي بين السلطة والشعب من خلال عاملي المبادرة والمفاجأة التي تقدم بهما أمير البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة منذ بدايات العام 2001 بما يعرف بمشروع الميثاق الوطني، ذلك المشروع الذي صوت عليه الشعب البحريني بغالبية مطلقة، فإنه من الأهمية بمكان مراجعة وتقييم هذه التجربة ومحاولة إبراز عناصرها الإيجابية للتقليل أو الحد من آثارها السلبية، وذلك على خلفية التحولات والانفراج السياسي الذي تم على يد الأمير الشاب والذي تخلص من تجربة المواجهة على مدى عشرين عاما بين المعارضة والسلطة والتي تخللتها صور وأشكال كثيرة من المعارضة الشعبية من مظاهرات ومسيرات واحتجاجات وتصادمات وهجرة كثير من أبناء الشعب البحريني للخارج بهدف تشكيل جبهات سياسية خارجية.
وجاءت احتفالات البحرين بعيدها الوطني هذا العام وسط ظروف وتطورات مهمة ومع تجاوب أمير البحرين مع الكثير من مطالب الشعب ولقائه بالعديد من قيادات المعارضة السياسية في الداخل أو المقبلين من الخارج، وأيضا مع العفو الشامل عن جميع الموقوفين السياسيين ولقاء الأمير ببعض قياداتهم الذين ظلوا فترة طويلة في السجون والاستماع المباشر لوجهات نظرهم، وما رافق ذلك من التجوال العفوي للأحياء الشعبية والفقيرة والالتقاء مع عموم المواطنين فيها والمواعدة بحل القضايا الشعبية العالقة، والتي جاء على رأسها: حل وإلغاء محكمة أمن الدولة الخاصة بالمعارضين السياسيين.
محاولة بحرنة الوظائف الحكومية محل الأيدي العاملة الأجنبية وتشريع قانون دعم البطالة. المباديء الأساسية وقبل الخوض في التجربة البحرينية، وما لها وما عليها، وتقييم أبعادها خلال العام المنصرم، فإن الأهمية بمكان الإشارة إلى المبادئ الأساسية (مقومات المجتمع) التي جاءت في الميثاق الوطني البحريني، وهي:
1 ـ كفالة الحريات الشخصية والمساواة كما جاءت في الإسلام، والتي يتفرع عنها مجموعة من المبادئ المرتبطة بها والتي تعد من مقتضيات (المساواة) الأساسية وهي: المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات، والحرية الشخصية مكفولة وفقا للقانون، فلا يجوز القبض على إنسان أو توقيفه أو حبسه أو تفتيشه أو تحديد إقامته أو تقييد حريته في الإقامة أو التنقل، إلا وفق القانون وتحت رقابة القضاء، كما لا يجوز بأي حال تعريض أي إنسان لأي نوع من أنواع التعذيب المادي أو المعنوي، أو لأي معاملة غير إنسانية أو مهينة أو ماسة بالكرامة، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بالقانون، ولا عقوبة إلا على الأفعال اللاحقة لنفاذ القانون المنشئ للجريمة، وللمساكن حرمة ولا يجوز تفتيشها إلا في حالة الضرورة القصوى في الأحوال التي يعينها القانون تحت رقابة السلطة القضائية.
2 ـ حرية العقيدة، حيث تكفل الدولة حرية العقيدة، وكون حرية الضمير مطلقة، وتصون الدولة حرمة دور العبادة وتضمن حرية إقامة الشعائر الدينية والعادات السائدة في البلاد.
3 ـ حرية التعبير والنشر، فلكل مواطن حرية التعبير عن رأيه بالقول أو بالكتابة أو بأي طريقة أخرى من طرق التعبير عن الرأي أو الإبداع الشخصي، وبمقتضى هذا المبدأ فإن حرية البحث العلمي وحرية النشر وحرية الصحافة والطباعة مكفولة في الحدود التي يبينها القانون.
4 ـ نشاط المجتمع المدني، تكفل الدولة حرية تكوين الجمعيات الأهلية والعلمية والثقافية والمهنية والنقابات على أسس وطنية ولأهداف مشروعة وبوسائل سلمية وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون ولا يجوز إجبار أحد على الانضمام إلى جمعية أو نقابة أو الاستمرار فيها.
5 ـ إقرار الحياة النيابية، من خلال إنشاء برلمان يتم انتخاب أعضائه بالانتخاب الحر المباشر، وبمشاركة المرأة تصويتا وترشيحا ويتولى المهام التشريعية جنبا إلى جنب مع مجلس الشورى الذي يعين اعفاءه من أصحاب الخبرة والاختصاص، مع التأكيد على أن الشعب هو مصدر السلطات.
6 ـ سيادة القانون واستقلال القضاء، وذلك باستكمال الهيئات القضائية المنصوص عليها في الدستور وتعيين الجهات القضائية التي تختص بالمنازعات المتعلقة بدستورية القوانين واللوائح والنيابة العامة، مع مراعاة الفصل بين السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية.
7 ـ الانفتاح الاقتصادي، وما يستتبعه ذلك من تأكيد دور القطاع الخاص، وتعزيز الشفافية وتحسين مستوى الخدمات، وتحديث التشريعات الاقتصادية، مع ضرورة إنشاء ديوان للرقابة المالية وآخر للرقابة الإدارية، لزيادة شفافية العمل في كافة إدارات الدولة.
التجارب الجنينية للديمقراطية
وفي الواقع فإن البحرين قد شهدت تجربة برلمانية وديمقراطية في بداية التسعينيات، فعندما استقلت عام 1971، جرت أول انتخابات لاختيار المجلس الدستوري عام 1972 وانبثق عن المجلس الدستوري «هيئة تشريعية» استشارية سميت مجلس الأمة، تتكون من 30عضوا ينتخبون لمدة أربع سنوات بالإضافة إلى جميع أعضاء مجلس الوزراء، ولكن لم تستمر التجربة طويلا وحل المجلس عام 1975 استنادا لعجزه عن التعاون مع الحكومة، ورغم أن الدستور ينص على إجراء انتخابات جديدة في غضون شهرين من قرار الحل فإن هذا لم يحدث وظل المجلس منحلا إلى أجل غير مسمى.
وقد شهدت البحرين انفراجا سياسيا، استمر حوالي العام، تمثل في إقرار الميثاق الوطني السابق الإشارة إليه في شهر فبراير 2001 وما تبعه من خطوات إصلاحية أخرى مثل الترخيص بإنشاء جمعيات أهلية سياسية واجتماعية جديدة وإعادة غربلة القوانين السابقة وإلغاء القوانين المقيدة للحريات وصور عديدة من الانفراج السياسي سوف يتم تناولها لاحقا.
صور الانفراج السياسي
على خلفية إقرار الميثاق الوطني شهدت البحرين صورا مختلفة للانفراج السياسي على خلفية الاستفتاء الشعبي على الميثاق الوطني، منها الترخيص للجمعيات السياسية لأول مرة في تاريخ البحرين، وإصدار صحف جديدة مع الوعد بصدور قانون جديد للصحافة، مرورا بعقد المؤتمرات والندوات الشعبية والمناقشات العلنية وحرية التعبير عن الرأي، والشروع في وضع قوانين جديدة بواسطة لجنة تفعيل الميثاق التي يرأسها ولي العهد البحريني الشيخ سلمان بن حمد بن عيسى آل خليفة والتي بدأت بالفعل ممارسة حركة تجديد شاملة وتنقيح لكافة القوانين المعمول بها في البحرين.
الترخيص للجمعيات السياسية لأول مرة في البحرين:
اهتم الفصل الأول من الميثاق الوطني البحريني بنشاط المجتمع المدني رغبة في الاستفادة من كل الطاقات والأنشطة المدنية لذا جاء فيه أن الدولة تكفل حرية تكوين الجمعيات الأهلية والعلمية والثقافية والمهنية والنقابات على أسس وطنية ولأهداف مشروعة وبوسائل سلمية وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون، مع الإشارة إلى أنه لا يجوز إجبار أحد على الانضمام إلى جمعية أو نقابة أو الاستمرار فيها.
وبناء على ذلك شهدت الحياة السياسية البحرينية خلال الأشهر والأسابيع القليلة الماضية تطورات بلغت ذروتها بالترخيص لإنشاء جمعيات سياسية وإعلان أمير البحرين بعدم ممانعته في قيام أحزاب سياسية، إذا ما وافق عليها البرلمان المنتخب المقبل، حيث شهدت البحرين خلال هذه الفترة سيولة لم يسبق لها مثيل حيث بلغ عدد الجمعيات التي تم إشهارها والترخيص بقيامها من قبل وزارة العمل والشئون الاجتماعية نحو 20جمعية أهلية، ليبلغ العدد الإجمالي للجمعيات القائمة 247جمعية، هذا بخلاف وجود 75ناديا رياضيا وثقافيا و55صندوقا خيريا،وثمة 70 جمعية تحت التأسيس قيد الدراسة و23 طلبا للصناديق الخيرية منها عشرة صناديق على وشك الإشهار.
ولعل أبرز الجمعيات السياسية التي تم إشهارها خلال الفترة منذ شهر فبراير الماضي وحتى الآن (أي بعد التصديق على الميثاق الوطني) هي:
1 ـ جمعية «العمل الوطني الديمقراطي»، والتي أشهرت في العاشر من شهر سبتمبر 2001، وقد انتخب مؤسسها عبد الرحمن النعيمي، الذي عاد إلى البحرين بعد 33سنة في المنفى، رئيسا لها، والذي اعتبر أن الإشهار حدثا سياسيا كبيرا في المرحلة الانتقالية التي تمر بها البحرين على طريق التحديث السياسي وتفعيل الدستور، وأكد مؤسسو هذه الجمعية الجديدة أنها مؤسسة جماهيرية سياسية تعمل من أجل الديمقراطية وترتبط بالدستور والميثاق وحقوق الإنسان. ويذكر أن هذه الجمعية تضم شخصيات من تيار اليسار والتيار القومي والمستقلين، لتكون أول جمعية سياسية يتم الترخيص لها، بعد إقرار الميثاق الوطني في فبراير 2001، ويتطلع مؤسسوها من إقامتها إلى إنشاء إطار جبهوي ومنبر عام مشترك يجمع قوى اليسار بمختلف فصائله، وكذلك القوى الديمقراطية المستقلة، وذلك في إطار الدستور والشرعية القائمة.
2 ـ جمعية «المنبر الديمقراطي التقدمي»، وقد جرى إشهار هذه الجمعية بموجب قرار وزير العمل والشئون الاجتماعية رقم 31لسنة 2001 الصادر في سبتمبر 2001، وهي من الجمعيات التي أعلنت أهدافا صريحة في مهامها وتمثل تيارا سياسيا ناشطا يعلن ولاءه للدستور والميثاق والعمل السياسي في إطارهما، وهي أيضا أول جمعية في البحرين والخليج العربي تمثل بمجموع مؤسسيها وأعضائها تيارا سياسيا محددا ألا وهو تيار ما كان يعرف باسم «جبهة التحرير الوطني البحرينية» اليسارية. وعلى الرغم من الانحسار الذي يعاني منه اليسار البحريني لأسباب تاريخية وسياسية معروفة فإن قوة هذا التيار الذي تمثله جمعية المنبر التقدمي، لا يقاس فقط بكبر أعضائه، بل بنفوذه ووزنه وثقله التاريخي في المجتمع البحريني.
3 ـ جمعية «الوفاق الوطني الإسلامية»، وهي التي مازالت تحت التأسيس ومن المنتظر إشهارها خلال أشهر، وتمثل إذا جاز التعبير قوى الإسلام السياسي الشيعي، وتشدد هذه الجمعيات التي تضم الرموز البارزة في الحركة الدستورية التي ارتبط اسمها بأحداث التسعينيات، على توجهاتها الإسلامية في إطار الدستور والميثاق ونبذ التوجهات الطائفية.
الجمعيات النسائية
وللمرأة نصيب في الجمعيات الأهلية ذات الصبغة الاجتماعية ـ السياسية، وأبرزها بعض الجمعيات النسوية الاجتماعية مثل «جمعية فتاة الريف» ومؤسساتها هن من النخبة النسائية المنحدرات من قرى الساحل الشمالي القريب من العاصمة المنامة، وهي القرى التي تكثر فيها الكوادر المتعلمة وبتداخل أشكال الحياة المدنية مع أشكال الحياة الريفية في جل مجتمعاتها، والغالبية الساحقة من مؤسسات الجمعية وأعضائها هن محسوبات على التيار السياسي اليساري، لما كانت تعرف سابقا بـ «جبهة التحرير الوطني البحرينية». كما تم إشهار جمعية نسائية أخرى محسوبة على نفس التيار، وتنحدر عضواتها من مدينة المنامة وتعرف باسم «جمعية المرأة البحرينية». وحول الترخيص لإنشاء جمعيات نسائية يشير المراقبون إلى ملاحظتين مهمتين في هذا الصدد هما:
الملاحظة الأولى: أن هذا الاتجاه يشكل قوة دفع لإنعاش الحركة النسائية في البحرين ونهوضها في إطار توجهات العهد الجديد، لقيادة الأمير الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة التي ضمنت للمرأة حق المشاركة السياسية، بموجب الميثاق الوطني الذي جاء فيه أن الدولة تعمل على دعم حقوق المرأة وسن التشريعات الخاصة بحماية الأسرة وحماية أفرادها.
الملاحظة الثانية: أن عملية الترخيص للجمعيات النسائية تأتي في إطار صدور الأمر الأميري بإنشاء «المجلس الأعلى للمرأة» برئاسة الشيخة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة حرم أمير البحرين، والذي يعتبر أبرز تعبير عن هذه التوجهات لضمان تفعيل دور المرأة في المجتمع وضمان حقوقها المدنية والسياسية طبقا للدستور والميثاق.
جمعيات واتحادات تحت التأسيس
هناك جمعيات واتحادات تحت التأسيس مثل «جمعية الشفافية» وتهدف إلى زيادة الشفافية في المؤسسات العامة، والخاصة، وكذلك رصد درجة الفساد الإداري، وجمعية «الحقيقة» وتهدف إلى تصحيح الرأي العام العالمي، عن الصراع العربي ـ الإسرائيلي في مواجهة حملات «إسرائيل والغرب المشوهة لصورة العرب والمسلمين وقضاياهم المصيرية».
صحف جديدة وقانون جديد للصحافة
تصدر في البحرين حاليا أربع صحف يومية هي «أخبار الخليج» و«الأيام» باللغة العربية، و«جالف ديلي نيوز» و«بحرين تريبيون» باللغة الإنجليزية بالإضافة إلى مجلة أسبوعية هي «صدى الأسبوع» وشهرية هي «بانوراما الخليج». كما يصدر الكثير من المجلات المتخصصة التي تصدر بشكل شهري أو دوري، ومن بين المحطات التلفزيونية التي تقدمت بطلبات لإعادة البث من البحرين مركز تليفزيون الشرق الأوسط «إم. بي. سي» ومحطة راديو وتليفزيون العرب «إيه. آر. تي»، فيما قررت محطة «أوربت» أن تتخذ من البحرين مقرا لها، وحاليا تبث إذاعيا «مونت كارلو» وهيئة الإذاعة البريطانية «القسم العربي» على موجات إذاعة البحرين.
وعلى خلفية إصدار الميثاق الوطني البحريني في فبراير الماضي، بدأت تتدفق على وزارة الإعلام البحرينية طلبات لإصدار صحف يومية وأسبوعية ومجلات بعضها سياسية وأخرى متخصصة وأخرى تقدمت بها محطات تليفزيونية عربية وإذاعات للبث من شأنها أن تنعش سوق الإعلام والصحافة في البحرين التي تشهد عملية انفتاح سياسي، وتمثلت هذه الطلبات في سبع صحف يومية وعشر صحف أسبوعية ومجلات سياسية أو متخصصة إلى جانب طلبات لإعادة إصدار صحف أو للبث تقدمت بها صحف عربية ومحطات تليفزيونية عربية وإذاعات. ويوجه المراقبون للوضع الصحافي الحالي في البحرين عدة انتقادات أهمها هي:
أن أي صحيفة جديدة أو قديمة لا يمكن لها أن تنجح أو تتطور ما لم يتغير قانون المطبوعات والنشر الحالي في البحرين، والذي يعتبره البعض «أنه مازال يمثل مشكلة أمام حرية الصحافة واستقلاليتها عن الحكومة». عدم وجود منافسة قوية بين الصحف في البحرين لقلة عددها، مما يدفعها إلى عدم الاهتمام بتطوير نفسها، وفي هذا الصدد يرى إبراهيم بشمي مدير عام مؤسسة الأيام للصحافة التي تصدر عنها صحيفتا «الأيام» و«بحرين تريبيون» أن «المنافسة ستدفع الصحف الحالية إلى تطوير أدائها».
قانون جديد للمطبوعات
وكانت لجنة تفعيل مبادئ ميثاق العمل الوطني قد أعدت تقريرا مؤخرا لقانون المطبوعات والنشر المقترح تمهيدا لرفع توصية بشأنه إلى مجلس الوزراء، حيث وافقت اللجنة في الاجتماع الذي ترأسه ولي عهد البحرين ورئيس الوزراء بالنيابة الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة على إعادة صياغة البنود الأربعة الأولى من القانون المقترح، وناقشت اللجنة بعد ذلك البنود الستة المنبثقة من القانون الجديد وهي: مسببات إلغاء الترخيص وأحكام المطابع وأصول تنظيم مهنة الصحافة والمحظورات وحق الرد والتصحيح وأخيرا الإجراءات والمحاكمات الجزائية، وقدر ركز مشروع القانون الجديد على عدة أمور مهمة، وصفها المراقبون بالإيجابية وهي: ركز مشروع القانون على إتاحة أكبر قدر من الحرية ومساحة التحرك للصحافيين، من خلال رفع جميع أشكال العقوبات المقيدة للحرية عن الصحافي كالحبس، واستبدالها بعقوبات مالية. كما أعطى المشروع مرونة أكبر في إنشاء الصحف والمطابع ودور استطلاع الرأي ودور العرض الفني السينمائي. إلغاء أي نوع من أنواع الرقابة المسبقة على المطبوعات سواء التي تطبع داخل البحرين أو الآتية من خارجها، ورفع أنواع كثيرة من القيود التي صيغت في القانون المعمول به حاليا والموضوع عام 1979 في ظل قانون أمن الدولة.
خلخلة التشريعات الجامدة
أما الصورة الثالثة من صور الانفراج السياسي في البحرين على خلفية الاستفتاء الشعبي على الميثاق الوطني البحريني الذي أعلن عنه يوم 24ديسمبر 2000، ووافق عليه الشعب البحريني بأغلبية 98.4% يومي 14و15فبراير 2001، فهي تتمثل في الشروع في تغيير القوانين والتشريعات الجامدة، وتمرير قوانين أخرى جديدة لتنظيم الحياة السياسية الجديدة التي تواكب مرحلة الانفراج الحالية، حيث تقود لجنة تفعيل الميثاق التي يرأسها ولي العهد الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، حركة تجديد شاملة في كافة القوانين المعمول بها في البلاد للتواكب مع ما جاء في ميثاق العمل الوطني، وتتمثل هذه القوانين، بالإضافة إلى قانون المطبوعات والنشر السابق الإشارة إليه في الآتي:
1 ـ قانون البلديات، حيث قسمت البحرين في مشروع قانون البلديات إلى خمس بلديات هي بلدية المنامة وبلدية المحرق وبلدية المنطقة الشمالية وبلدية المنطقة الجنوبية، بالإضافة إلى بلدية المنطقة الوسطى، ويتولى السلطة في كل بلدية المجلس البلدي ويمارس سلطة إصدار القرارات واللوائح والأوامر ومراقبة كل ذلك في حدود اختصاصات المجلس،.
2 ـ قانون الانتخابات البلدية (المجالس البلدية)، حيث جاء في مشروع قانون نظام الانتخابات البلدية الآتي: أ ـ يجوز لمن تتوفر فيه الشروط المنصوص عليها في القانون من مواطني دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية أو من غيرهم ممن يمتلكون عقارات مبنية أو أراضي في الدولة أن يشترك في انتخاب أعضاء المجالس البلدية إذا كان له محل إقامة دائم في البحرين. ب ـ أن كل محافظة تقسم إلى عشر دوائر، ويمثل كل دائرة عضو يتم اختياره بطريق الانتخاب المباشر، وأعطي مشروع القانون للمرأة حق الانتخاب والترشيح إلى جانب الرجل للمجالس البلدية المرتقبة، وكانت المرأة في البحرين قد حصلت على حق الانتخاب لأول مرة في عام 1951.
3 ـ قرارات بتجنيس شخصيات غير بحرينية، حيث قررت البحرين منح الجنسية لألفين وتسعين شخصا يعيشون فيها وذلك بعد استكمالهم للإجراءات اللازمة، وهؤلاء يمثلون الدفعة الثالثة التي سيحصل أفرادها على الجنسية، منذ أن أصدر رئيس الوزراء البحريني الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة أوامره لوزارة الداخلية في شهر فبراير 2001 بإصدار جوازات سفر للأفراد الذين ولدوا ونشأوا في البحرين، وكانت وزارة الداخلية البحرينية قد أعلنت أن 8000شخص من 24جنسية عربية وغير عربية إضافة إلى 7000 من عديمي الجنسية «البدون» قد تقدموا لنيل الجنسية البحرينية، ومعظم عديمي الجنسية إيرانيون ينحدرون من عائلات جاءت للعمل في البحرين ثم استقرت بعد ذلك في البلاد التي يبلغ عدد سكانها 666 ألف نسمة ثلثهم من الأجانب.
التحديات والمعوقات
تواجه التجربة الإصلاحية البحرينية، فبقدر ما تنطوي عليه التحولات الديمقراطية في البحرين من جوانب إيجابية عديدة، فإن التجربة تنطوي كذلك وبنفس القدر وربما أكثر على معوقات عديدة سواء سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية داخل قطاعات الدولة المختلفة، ويمكن إجمال أهم هذه التحديات، فيما يلي:
1 ـ فمن الناحية السياسية يبرز على السطح تحدي التعدد الحزبي، فهو أكثر القضايا إثارة للجدل في البحرين، فالدستور البحريني الحالي لا ينص على قيام أحزاب خوفا من قيامها على أسس طائفية أو عنصرية، وفي مواجهة هذا التحدي يشير المراقبون إلى أمرين ينبئان بإمكانية قيام تعددية سياسية وحزبية مشروعة في المستقبل القريب، أولهما: يتمثل في السماح بإنشاء جمعيات أهلية متعددة المنابع والتوجهات الفكرية والسياسية والاجتماعية، وفي هذا الصدد يقول أحد المراقبين البحرينيين أن الترخيص للجمعية «ليس خطوة ضرورية فقط بل حتمية» معتبرا أن التطور المقبل «لابد أن يقود إلى صدور قانون للأحزاب في البحرين» موضحا أن الابتعاد عن تسمية حزب أو منبر يتم بغرض الانسجام مع القوانين المعمول بها حتى الآن التي تحظر الأحزاب.
والأمر الثاني: هو ما صرح به أمير البحرين الشيخ حمد بن عيسى بأنه ليس لديه مانع في تشكيل أحزاب سياسية في بلاده إذا رأت السلطة التشريعية ذلك من خلال إجراء تعديلات دستورية، لكنه أكد في نفس الوقت «أنه لا يشجع أي أمر قد يؤدي إلى الفرقة أو يكون في غير صالح البحرين»، ويكتسب هذا التصريح أهمية خاصة لسببين هما:
1 ـ أنه جاء أثناء حركة سياسية نشطة تمر بها البحرين في هذه الفترة إذ تصب في تعزيز مكاسب المجتمع المدني، والتي تأتي على رأسها مبادرة الحكومة هناك بمنح رخص للكثير من جمعيات النفع العام كحلقة من سلسلة التغييرات التي طاولت المؤسسات الشعبية بشكل عام. أن هذه المبادرة إن تمت على أرض الواقع سوف تعزز من منظومة الحكم في البحرين وتضفي أهم المقومات للاستقرار السياسي فيها عبر إعطاء القوى السياسية الموقع الدستوري الصحيح في منظومة الحكم الديمقراطية، خصوصا وأن القوى السياسية في البحرين باتت تتمتع بشعبية واسعة وتسيطر على رأي الشارع البحريني وتمثل إرادته في الإصلاح والتغيير. كذلك فإن تأكيد أمير البحرين على قيام الأحزاب السياسية في بلاده هي رؤية وبعد نظر يتوافق والتطورات السياسية التي حدثت وتحدث في العالم وبضرورة المشاركة الشعبية الكاملة في تسيير أمور البلاد.
2 ـ ومن الناحية الاجتماعية والاقتصادية فإن التحديات متعددة وكثيرة في مواجهة فترات التحول السياسي التي تمر بها البحرين الآن، فهي بحاجة إلى تطوير أجهزة الدولة المختلفة لتتواءم مع التحولات الجديدة، ويحتاج ذلك إلى بذل جهود كبيرة في إعداد الكوادر والتعديل وربما التغيير في الأنظمة واللوائح والقوانين، وهو ما تقوم به الآن لجنة تفعيل الميثاق التي يرأسها ولي العهد الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، والأهم من ذلك القيم والتقاليد التي رسخت في مجالات العمل المختلفة خلال السنوات الماضية. هذا بالإضافة إلى تحديات العمالة الأجنبية والتوظيف ومعالجة مشكلة البطالة، وتفادي التوترات التي قد تحدث أثناء فترات التحول والمراحل الانتقالية في حياة الأمم والشعوب، وما يترتب عليه وضع الاستراتيجيات المسبقة والمحددة للتعاطي مع مثل هذه الأزمات في المستقبل، بحيث تتم المحافظة على مكتسبات التجربة وتطويرها وتجنب أي انتكاسات.
3 ـ ومن أهم التحديات التي يواجهها المجتمع البحريني في ظل العهد الجديد هو الاستمرار في العمل بالقوانين السابقة وخاصة قانون المطبوعات والنشر المعمول به حاليا والموضوع عام 1979 في ظل قانون أمن الدولة، خاصة المواد التي تؤدي إلى تقييد الحريات الصحفية وحرية التعبير، وعلى الرغم من أن منع الصحفيين من الكتابة هو أمر نادر في البحرين نظرا لأن الصحفيين عادة يطبقون رقابة ذاتية، إلا أنه حدثت أزمة بين وزارة الإعلام والصحفي «حافظ صالح الشيخ»، عندما صدر قرار من الوزارة بمنعه من الكتابة في صحيفة «أخبار الخليج» اليومية، مما جعله يقوم برفع دعوى، لأول مرة من نوعها، أمام القضاء المستعجل على وزير الإعلام البحريني معتبرا أن قرار توقيفه عن الكتابة صدر عن الوزير نفسه وليس القضاء.
والتساؤل المهم المثار بعد مرور حوالي عام من الإصلاحات السياسية في البحرين يدور حول ضمانات استمرار الانفراج السياسي البحريني مستقبلا؟ ومدى ديمومته على المدى الطويل؟ وللإجابة على هذا التساؤل فإنه يمكن إبداء بعض الملاحظات والأمور أو ما يمكن أن نطلق عليه «استراتيجية لاستمرار الانفراج السياسي في البحرين»، أهمها هي:
1ـ الالتزام بما حواه الميثاق الوطني من بنود وفقرات تنص على تفعيل الديمقراطية وإطلاق الحريات العامة وإرجاع دستور البلاد واحترام حقوق الإنسان وسيادة العدالة وتحقيق الرفاه الاقتصادي للمواطنين، كل ذلك شريطة التزام الشعب بنبذ العنف وتفعيل الحوار والاندماج مع مؤسسات المجتمع المدني واحترام القانون.
2 ـ ولكي تمر الإصلاحات السياسية بسلاسة وهدوء وفق السياق المرسوم لها، فإنه على القيادة السياسية أن تمضي ـ وكما هو ثابت حتى الآن ـ قدما في نهج الانفتاح والشفافية وتحمل آراء وانتقادات القوى السياسية بنفس طويل، وأن تحافظ هذه القوى على تحليها بقدر من المسئولية الوطنية العليا والتحضر في المواقف الانتقادية بعيدا عن الغلو والاستفزاز المفرط أو التطرف، وهذا لن يتحقق بدون تطوير لغة وآليات العمل السياسي، بحيث يتم البعد عن المزايدات وتصفية الحسابات الشخصية ونبش الماضي والتشنج في الحوار.
3 ـ وإذا أرادت البحرين أن تشهد للمرة الأولى في تاريخها وتاريخ الخليج العربي ميلادا جديدا للمجتمع المدني والحياة الحزبية والنيابية المشروعة، فإنه لابد أن يأتي مجلسها النيابي الجديد المقبل المنتخب في غالبيته يمثل قوى سياسية عقلانية تتخلص من عقد الماضي وتتعامل مع الحاضر والمستقبل بمسئولية.
المصدر: صحيفة "البيان" الاماراتية
بتاريخ: 09 يناير 2002