العدد 5384 بتاريخ 03-06-2017م تسجيل الدخول


الرئيسيةالأعمدة
شارك:


دروس أميركا اللاتينية في مساعي العدالة

بعد عقود من النزاع المسلح الداخلي في كولومبيا الذي أجبر الملايين على الخروج من منازلهم، وقتل أكثر من 220,000 شخص، ينبغي أن تكون محادثات السلام بين الحكومة والمتمردين سبباً للشعور بالأمل. إلا أن ثقافة العنف والإفلات من العقاب مازالت متجذرة بسبب حوادث القتل والاختفاء وصولاً إلى الانتهاكات السابقة البعيدة عن العدالة.

وبحسب ما جاء في تقارير دولية وتحديداً ما كتبت عنه منظمة ايفيكس في معركة جينيث بيدويا من أجل العدالة في كولومبيا، فإن محادثات السلام المتقطعة مع القوات المسلحة الثورية الكولومبية توِّجَت بتوقيع اتفاق السلام بتاريخ 26 سبتمبر/ أيلول العام 2016، وهي الخطوة التي تؤدي إلى قيام القوات المسلحة الثورية الكولومبية بتسليم الأسلحة إلى مراقبي الأمم المتحدة وإعادة إدماجهم في الحياة المدنية تحت إشراف مجموعة المراقبة الثلاثية المكونة من الحكومة والقوات المسلحة الثورية الكولومبية والأمم المتحدة.

لقد تم الترحيب باتفاق السلام دولياً ومحلياً بشكل واسع النطاق، مع المقارنة بينه وبين «اتفاق الجمعة العظيمة» الذي تم توقيعه في العام 1998 وأنهى أربعين عاماً من «الاضطرابات» في أيرلندا الشمالية. وتم نشر الاتفاق لتصويت الجمهور عليه من خلال استفتاء بتاريخ 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2016 وسط توقعات كبيرة بالموافقة عليه. ولكن لم يحصل ذلك، فقد صدمت النتيجة مناصري الاتفاق مع عدم الموافقة عليه بأغلبية 50.2 في المئة.

وجاءت معارضة اتفاق السلام بسبب القلق الدائم حول ما إذا يستطيع المتمردون السابقون الاندماج في الحياة المدنية بعد عقود من حكم العنف.

هذا في كولومبيا اليوم بعد عقود من العنف وملفات تنتظر الحل بينما هناك تجارب أخرى مميزة لبلدان أميركا اللاتينية التي تحظى بتجربة ثرية من التحول الديمقراطي وتطبيق مفهوم «العدالة الانتقالية»، مثل الأرجنتين، التي تقدم تجربة رائدة في هذا المجال، وخاصة بالنسبة لدول العالم الثالث بوجه عام، وبالنسبة لأميركا اللاتينية، بوجه خاص. وعلى هذا فإن دراسة النموذج الأرجنتيني هو حقاً أمر مهم لأي دولة تمر بظروف مشابهة بعد فترة طويلة من سيطرة نظام سلطوي قمعي.

ولو قارنَّا هذه الأمثلة مع بلدان المنطقة العربية فإن جميع المحاولات من بعد العام 2011 عززت من قبضة القمع والتحول إلى بلدان سلطوية بدلاً من تحول ديمقراطي باستثناء تونس. ولذا فإن المبادئ التي خرجت إليها شعوب المنطقة انتهت اليوم إما حروباً طائفية أو احتجاجات تقمع عبر أساليب الإفلات من العقاب، بينما أصبح موضوع الحل السلمي والحوار رهيناً لمصالح لا يمكن المساس بها بين دول المنطقة والقوى الغربية العظمى.

ولهذا فإن المشهد العربي يعيش حالة لا تقبل التغيير، كما لا تقبل بوجود المعارضة، بل وتتعامل مع هذه المعارضة بوصفها شراً، يجب القضاء عليه وليس التعامل والحوار معه، فهؤلاء المعارضون وعلى رغم أنهم مواطنون فإنه يتم التعامل معهم وكأنهم أعداء أجانب يهددون أمن الدولة. وهو ما كان أحد مبررات العسكر في الأرجنتين لانتهاك حقوق اليساريين مثلاً، لأن هذه الانتهاكات كانت ضرورية لحفظ أمن الدولة وحمايتها.

ولهذا لا يمكن تجاوز أحداث الماضي والاتجاه نحو بناء المستقبل والتحول الديمقراطي، من دون إعادة الحقوق لأصحابها، ولنا في تجارب دول أميركا اللاتينية الكثيرة التي يمكن لدول مثل دولنا ان تتعلمه فتجربة الأرجنتين وحدها أثبتت أن الحقوق لا تسقط هكذا أو يتم التجاهل عنها عبر غلق الملفات من دون إظهار الحقيقة وتعويض المتضررين معنوياً ومادياً. الأرجنتين وجدت في فتح هذه الملفات طريقاً للحل، لأن الغلق والتجاهل يزيد من التوتر وليس العكس، إضافة إلى أن المصالحة الوطنية جزء هام، ولا يمكن فتح صفحة جديدة من دون الاعتراف بالأخطاء التي ارتكبت بحق الضحايا ثم اعتذار المرتكبين، ومنها إعطاء العفو على قدر الحاجة.



أضف تعليق