العدد 4789 بتاريخ 17-10-2015م تسجيل الدخول


الرئيسيةمنوعات
شارك:


عاشوراء بين الموائمة الثقافية والذاكرة الجمعية الشعبية

المنامة – حسين محمد حسين

في أي منطقة حضرية، عادة ما يكون هناك امتداد ثقافي له جذور ضاربة في التاريخ، والوحدات الثقافية المتوارثة تبدأ بالتداخل والامتزاج عبر الزمن. فتخضع للعديد من التغيرات، منها ما يكون لأسباب الموائمة بين الوحدات الثقافية الجديدة والوحدات الثقافية القديمة. وقياساً على ذلك، فإن الطقوس التي لها جذور ضاربة في التاريخ يبقى منها ترسبات في الذاكرة الشعبية الجمعية. ومن أوضح الأمثلة، طقوس موسم الربيع أو طقوس بداية دورة الحياة، وهي طقوس مليئة بالفرح، ويتخللها حرق نباتات، كدلالة رمزية على التجديد. هذه الطقوس، توجد عند العديد من الجماعات الشعبية ولها نموذج متشابه بين تلك الجماعات المتباعدة، وعلى مرور الزمن بدأت هذه الطقوس تأخذ زمناً محدداَ وطابعاً خاصاً، ذات خصوصية بكل جماعة. ففي البحرين، تمارس هذه الطقوس بعد شهر صفر، أي في بداية شهر ربيع الأول.

أما في المغرب العربي، فتمارس طقوس شبيهة بذلك، ولكن في يوم العاشر من محرم، وهي طقوس يراها الباحثون أنها امتداد لطقوس بداية دورة الحياة القديمة (Roy 2005, p. 20). وفي بعض المناطق يسمى رأس السنة الهجرية أيضا بابا عيشور، ويعتبر بابا عيشور هو راعي احتفال عيد عاشوراء، وهي مراسيم احتفالية تحولت في العديد من المناطق في المغرب العربي لنوع من الكرنفال والعيد الذي يفرح به الأطفال، وفي بعض المناطق يحيون ما يسمى "نار عاشوراء" وهي أشبه باحتفال الربيع عندنا حيث يصاحب ذلك لبس الأقنعة والتمثيل، ويصف عبدالكريم بركة هذه الطقوس في دراسته "طقوس الاحتفال بالمناسبات والأعياد بشمال أفريقيا" كالتالي:

"وفي أرياف شمال إفريقيا خصوصاً في المغرب وشمال الجزائر ولدى الطوارق أيضاً جنوب الصحراء، يخرج الشبان إلى الغابة في الصباح الباكر يجمعون ما تيسر من الحطب وخصوصا منه نبات السدرة الذي يتوفر بكثرة في هذا الموسم، يضعونه على شكل كومة كبيرة وسط القرية، وعند اقتراب وقت غروب الشمس، توقد النيران في الحطب ويبدأ الجميع خصوصا القادرون على القفز في القفز على النيران المشتعلة، وذلك بعد القيام ببعض الطقوس خصوصاً منها وضع ماء العنب الغير الناضج بشكل جيد بعد عصره أو عصره مباشرة في العينين لكل قافز أو مشترك في القفز، وهذا ما يسمى لدى سكان شمال إفريقيا بـالعنصرة أو أرعنصاث، ويعتبر ماء العنب الحامض نوعا ما حاميا للعين من شدة النيران ولإبعاد العين خصوصا عن المشترك وعائلته، فيما تقام نيران صغيرة لتعليم الأطفال وتدريبهم على قفز النيران، ويعتبر هذا الطقس موروثا عن حقبة قديمة جدا وذلك قبل قدوم الديانات السماوية إلى شمال إفريقيا، حيث تقديس النيران خصوصا بعد قفزها يكون قد أحرق العين والأرواح الشريرة التي كانت تترصد به وبعائلته، ومازالت مجموعة من المناطق تمارس هذا الطقس الاحتفالي خصوصا في الريف المغربي وشمال الجزائر والأطلس، في حين انقرض هذا الطقس في بعض الأماكن من شمال إفريقيا خصوصا داخل المدن" (بركة 2012).

إلا أن الذاكرة الجمعية الشعبية في المغرب العربي لا تخلو من ترسبات ثقافية مرتبطة بإحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام، فقد كانت بعض الفرق الصوفية المغربية تحيها، وكانوا يقومون بتسويد الوجوه ويبدؤون بالنواح تعبيراً عن الحزن على الإمام الحسين عليه السلام، وحتى النساء، ينحن دون وعي منهن عن ماذا ينحن لأنهن يعتبرنه تقليداً موروثاً عن الأجيال السابقة فقط، وليس اعتباراً منهن أنه نواح عن الإمام الحسين عليه السلام، وتخرج النساء في المغرب على وجه التحديد إلى الشوارع لابسات عباءات، ويشعلن مجاميرهن الصغيرة يحرقن فيها مختلف أنواع الجاوي والبخور المستقدمة من مختلف أنحاء العالم (بركة 2012).

هذه المراسيم عند النساء تتشابه لحد ما مع مواكب عزاء النساء التي ظهرت في العهد البويهي في بغداد في القرن العاشر الميلادي، بحسب كتاب تاريخ النياحة للشهرستاني، حيث تخرج النسوة ليلاً في موكب، وتنشر شعورها وتندب وتنوح.

الخلاصة، فإن يوم عاشوراء في بلاد المغرب العربي، يختلف تماماً عما هو متعارف عليه في البلدان العربية الأخرى؛ حيث تمتزج فيه طقوس الحزن وطقوس الفرح، إلا أنه في بعض المناطق في المغرب العربي تظهر التأثيرات الشيعية بوضوح. ويؤكد الكاتب المغربي عبدالكريم بركة في دراسته سالفة الذكر أن عاشوراء المغرب هي ترسبات شيعية بالأساس، إلا أنها تتداخل مع ترسبات ثقافية قديمة، وخصوصاً طقوس الاحتفال ببداية الموسم الزراعي أو بداية دورة الحياة. 



أضف تعليق