العدد 4973 بتاريخ 18-04-2016م تسجيل الدخول


الرئيسيةالوسط أونلاين
شارك:


سوريات في لبنان يعشنّ جحيم "العبودية الجنسية"

بيروت - أ ف ب

في غرفة مظلمة طليت نوافذها باللون الاسود، سرير علق فوقه سوط وثياب داخلية نسائية مرمية على الأرض. في هذا المكان المقزز والاشبه بزنزانة داخل أحد بيوت الدعارة في شمال بيروت، خضعت سهى ولسنوات طويلة مع العشرات غيرها "للعبودية الجنسية".

وتقول سهى (27 عاما) التي تستخدم اسما مستعاراً في مقابلة مع وكالة "فرانس برس"، "كان علينا أن نمارس الجنس مع 15 إلى 20 رجلا في اليوم، واحيانا يصل العدد إلى 40". وفي بداية أبريل/ نيسان الحالي، هزت لبنان فضيحة كشف فيها عن شبكة للاتجار بالبشر. وبحسب المنظمات الحقوقية، ازداد عدد النساء اللواتي يمارسنّ الدعارة أو هن عرضة للاتجار بالبشر منذ بداية الحرب في سورية في العام 2011، لاسيما في لبنان والأردن.

وحررت القوى الأمنية اللبنانية الشهر الماضي 75 فتاة تترواح أعمارهنّ بين 20 و28 عاما، معظمهنّ من السوريات، أجبرن على ممارسة الدعارة وتعرضنّ لأبشع انواع الضرب والتعذيب.

وزاد من وقع الصدمة توجيه سياسيين اتهامات لمسئولين في شرطة الآداب بالتواطؤ مع القيمين عن شبكة الاتجار هذه، فضلاً عن اقفال عيادة طبيب نسائي اعترف، بحسب الامن الداخلي اللبناني، بإجراء مئتي عملية اجهاض للفتيات، من دون أن يتم توقيفه.

وتقول سهى التي لجأت الى إحدى مدن جنوب لبنان، "لم نكن نخرج من المحل، كان الحراس يحضرون لنا كل شيء: الثياب والماكياج والطعام".

 

تعذيب وجلد

وتروي سهى التي تمكنت من الفرار من "سجنها" قبل اربعة اشهر من الكشف عن الشبكة، كيف كان يتوجب على الفتيات ارضاء الزبون أيا كانت رغباته. وتقول الشابة السمراء "إذا رفضت إحدى الفتيات ممارسة الجنس من الخلف أو من دون واق ذكري، او في حال عبّر الزبون عن عدم رضاه، يتم جلدها بعد ربطها على الطاولة في ساعات الصباح الاولى".

وفرّ معذب الفتيات، وهو عنصر سابق في المخابرات الجوية السورية قدمته السلطات بحرفي اسمه الاولين ع.ر. إلى سورية، وفق مصادر أمنية. وكان يدير بيتي الدعارة "شي موريس" و "سيلفر" في منطقة المعاملتين المعروفة بملاهيها الليلية شمال بيروت.

وتدخن سهى سيجارة تلو سيجارة، وتقول "بعد اغلاق المحل في الصباح كان ع.ر. يمدد الفتاة بثيابها الداخلية على طاولة ويضربها بالكرباج او بواسطة ماسورة، ويرمي عليها مياها باردة. وإذا حاولت الهرب، يلاحقها بالضرب بقدميه على رأسها وبطنها".

كان التعذيب يحصل امام جميع الفتيات ليكون "درسا" لهن في حال عدم خضوعهن. وفي احدى المرات، اضطرت شابة "للبقاء شهرا كاملا في السرير" نتيجة الضرب المبرح، بحسب سهى.

ولم يكن يسمح للفتيات بالخروج سوى في حال واحدة، وهي حين تثير اعجاب ع.ر. ويأخذها معه "ليمارس الجنس معها فتقضي الليل معه ويختبر بذلك كيف تقوم بعملها"، وكأنها مجرد سلعة يجربها ويعيدها الى المحل، وفق سهى.

وبعد الكشف عن شبكة الاتجار بالبشر هذه، اقفلت القوى الامنية "شي موريس" و "سيلفر" بالشمع الاحمر، فضلا عن عدد من بيوت الدعارة الاخرى شمال وجنوب بيروت.

وتم استدراج سهى من جنوب سورية حين كانت في الـ18 من العمر الى لبنان، مثلها مثل غالبية الفتيات من ضحايا الاتجار بالبشر. في العام 2008، وعدها أحد معارف ع.ر. بالعمل "كنادلة في مطعم".

وفور وصولها، صُدمت بما كان ينتظرها. وتقول "حين رفضت العمل، ضربني وقال لي: دفعت ثلاثة آلاف دولار لأحصل عليك، تأخذين حقك وتعطيني حقي".

 

أجنة مدفونة

 

ويقول رئيس شعبة العلاقات العامة في قوى الامن الداخلي المقدم جوزف مسلم إن التحقيقات كشفت أن "الفتيات كن يحتجزن فور وصولهنّ إلى لبنان، وتتم مصادرة أوراقهنّ الثبوتية وهواتفهنّ الخلوية". ويضيف "كان يمارس عليهم رق واستعباد حقيقي".

ويوضح أن القوادين "يختارون في سورية (الفتيات) من عائلات هشة او اللواتي فقدنّ والدهن ووالدتهن ليحولوا دون اي ملاحقة جدية في لبنان". ويشير إلى أن عدد المومسات وضحايا الاتجار بالنساء ارتفع مع بدء الحرب السورية قبل خمس سنوات.

وكان بعض القوادين يعرضون على الفتيات "العمل، وآخرون يعدونهن بالزواج، قبل احضارهن الى لبنان"، وفق ما تقول مايا عمار، منسقة التواصل في جمعية "كفى" المدافعة عن حقوق المرأة والتي مع جمعيات اخرى، اخذت على عاتقها بعضا من الضحايا بعد تحريرهنّ.

وتضيف "تم اغتصاب عدد من النساء في اليوم الاول لوصولهن، بغية اخضاعهنّ".

وبحسب سهى، كان يتم "شراء" بعض الشابات، وبالتالي تبقين سجينات الى وقت غير محدد، و "استئجار" اخريات لبضعة أشهر قبل نقلهنّ للعمل مع شبكة اخرى.

وتقول "طوال هذه السنوات، شعرت انني مجرد قمامة. لم اكن اشعر بجسدي، فهو ملك لاناس يستعبدوني، هو ملك للزبائن".

وبالإضافة الى "العبودية الجنسية" والضرب والتعذيب، كانت الفتيات يجبرن احيانا على الاجهاض القسري "ان كان لدى طبيب او عبر اخذ ادوية". وبعد الاجهاض، كان "الجنين يؤخذ ويدفن في الحديقة الخلفية لشي موريس".

ونتيجة الاجهاض القسري هذا، كانت غالبية الفتيات تصاب بالتهابات وامراض داخلية.

ويقول مسلم ان فتيات كثيرات فكرنّ بالانتحار بسبب "رعب حقيقي" كن يشعرن به، خصوصا ان القوادين "اقنعوهن انهم قادرون على القيام بما يشاؤون" وانهم يتمتعون بنفوذ قوي في لبنان.

ويقول سكان المنازل المحيطة بـ "شي موريس" لوكالة "فرانس برس" انهم كانوا يسمعون صراخ الفتيات، لكن فور ان يقوم أحدهم بإبلاغ الشرطة، يتوارى ع.ر. عن الانظار.

 

قوانين متناقضة

 

وتقول سهى ان الفتيات لم يكن يتجرأنّ على الحديث مع الزبائن. لكن وبعد معاناة طويلة، نجح عدد منهنّ بالفرار في بداية أبريل بمساعدة بعض الزبائن. وتترواح عقوبة المتورطين في الاتجار بالبشر بين خمس و15 عاما في السجن، وفق قانون جديد دخل حيز التنفيذ في العام 2012.

لكن بحسب عمار، هناك قانونان متناقضان الاول يعاقب الفتاة التي تمارس الدعارة والثاني المتعلق بالاتجار بالبشر والذي يعتبرها ضحية.

وتنتقد عمار "الازدواجية" في المجتمع اللبناني، مشيرة الى ان بيوت الدعارة المنتشرة في المعاملتين ليست سرا على احد.

وتشير الى "حالات اقل تطرفا انما يتم تجاهلها"، مثل الفتيات القادمات من روسيا واوروبا الشرقية واللواتي يحملنّ "تأشيرة فنانات" يمنحها لهنّ الامن العام اللبناني، لكنهن في الواقع يمارسنّ الدعارة.

وتوفر الجمعيات حاليا الرعاية الطبية والنفسية والمساعدة القانونية لضحايا شبكة الاتجار بالنساء، ما يتيح لهن بدء حياتهن من جديد. واختار البعض منهنّ رفع دعاوى قضائية لتحصيل حقوقهن، بينما عادت اخريات الى سورية.

ويلاحق شعور بالغضب سهى التي تقول "لقد دمروا حياتنا".




أضف تعليق