العدد 5007 بتاريخ 22-05-2016م تسجيل الدخول


الرئيسيةالوسط أونلاين
شارك:


«أديان» تنقل التجربة اللبنانية إلى الدنمارك

الوسط - المحرر الدولي

عطلة نهاية أسبوع طويلة على غير العادة. أعياد دينية تلتحم وعطلة يومي السبت والأحد وتتضامن مع طقس ربيعي رائع في كوبنهاغن فيخرج الجميع إلى الشوارع. لكن الشوارع في هذه الأيام لم تكن شمساً وأصدقاء وسمراً وراحة فقط، بل تحولت نقاشات ثقافية واجتماعية وفلسفية لا تخلو من دين وسياسة وتحولات ديموغرافية وإضافات عرقية وسبل تعايش سلمية.

ووفق ما نقلت صحيفة "الحياة" اليوم الإثنين (23 مايو/ أيار 2016)، فقد حفلت شوارع المدينة الدنماركية بمئات الفعاليات الثقافية والحوارية والفنية والنقاشية التي استقطبت أعداداً كبيرة من الشباب والشابات الذين يواجهون إشكاليات حياتية عدة في هذا البلد الإسكندينافي الذي وجد نفسه بين عقد وضحاه ينفض عن نفسه رداء المجتمع الواحد ذي الثقافة الواحدة والتاريخ الواحد والانتماء التاريخي والاجتماعي الواحد ويرتدي رداء التعددية والتنوع. هذا الرداء، على رغم ثرائه، تسبب في تزايد القلق والتوجس في المجتمع، حيث تساؤلات وتشككات في نسيج المجتمع المعرض للتمزق، وقدرة الوافدين الجدد والأجيال الثانية والثالثة من المهاجرين، لا سيما المسلمين، على الاندماج في المجتمع. وقد تضاعف القلق وتضخم التوجس مع استيقاظ الجميع ذات صباح على مشهد للاجئين، غالبيتهم من سورية يسيرون على إحدى الطرق السريعة في طريقهم إلى الملاذ الأخير.

آخر ما يطرأ على البال أو الخاطر أن تقوم مؤسسة عربية بدور الميسر والمدرب للدنمارك، تنقل إليها الخبرة اللبنانية في علاقة المواطنة بالخطاب الديني، وكيفية التعاون بين المكونات الدينية لتحقيق التعايش المطلوب، وعلاقة المواطنة بالخطاب الديني.

«مؤسسة أديان للدراسات الدينية والتضامن الروحي» التي تأسست في عام 2006 نجحت خلال العقد الماضي في أن تنفتح على مختلف الجماعات الدينية في لبنان وخارجه. وعبر عملها في المجالات الثقافية والتربوية والاجتماعية والروحية تمكنت من أن تصبح مؤسسة تستعين بها المجتمعات العربية وغير العربية لتساعدها في تحويل حديث التعايش واندماج المكونات الدينية المختلفة في مجتمع واحد إلى واقع. هذا الواقع أصبح حتمياً وعاجلاً في العام الماضي حيث ظاهرة اللجوء المتزايد إلى أوروبا والتحديات المستجدة والمتعلقة بإدارة التنوع الديني وتعزيز الترابط الاجتماعي في هذه المجتمعات.

رئيس مؤسسة «أديان» الأب فادي ضو قال متحدثاً أمام جمهور دنماركي عريض من خلفيات دينية وعرقية مختلفة إن هناك قناعة بوجود ارتباط بين التنوع الديني في المجتمع من جهة والمواطنة من جهة أخرى، لكن يسود أحياناً خطاب ديني يجعل التنوع الديني يبدو كأنه خطر داهم، وهـــو ما يتوجـــب مواجهته والتعامل معه. «موجة النازحين الجديدة صعّدت المخاوف من نشــوء موجة تطرف، واقتصرت المقاربات على السياسة، بينما ظلت المؤسسات الدينية غير ظاهرة، ربما لأنها لم تعتد مثل تلك التحديات».

الأب ضو تحدث انطلاقاً من التجربة اللبنانية مشيراً إلى أن السياسة وحدها غير قادرة على مواجهة هذه التحديات الاجتماعية والاقتصادية والحياتية اليومية. «من الناحية الوطنية علينا تعزيز مفهوم الوطن. علينا أن نساعد المؤسسات الدينية على تطوير خطابها الديني، لا سيما أن الدين يعمل على تعزيز المواطنة».

تجربة مؤسسة «أديان» في لبنان حيث تم تدشين مشروع «التربية على المواطنة الحاضنة للتنوع الديني» رائدة في جعل المواطنة والدين على منصة واحدة، وليس على طرفي نقيض. شهور طويلة من النقاش والعمل والخلافات والتوافقات أدت إلى تعريف مشترك بين أتباع الأديان بطوائفها المختلفة عن المواطنة، «وهذا ليس بالعمل السهل» كما يؤكد ضو.

الوصول إلى مفهوم عام في لبنان في داخل العملية التربوية عن المواطنة كان بالغ الأهمية لمواجهة أخطاراً عدة بين الشباب، أبرزها التطرف والطائفية اللتان تضعفان وعي الشباب وقدرتهم على التكفير النقدي والتعامل مع الآخر بطريقة صحية تصب في مصلحة المجتمع. هذا التطرف يضرب علاقة المواطن بوطنه من جهة، وببقية المواطنين المنتمين إلى طوائف وأديان مختلفة من جهة أخرى.

تجربة «أديان» في طرح منهج تربية يتيح العيش المشترك ضمن إطار من المواطنة أهّلتها لنقل هذه التجربة إلى الدنمارك حيث حاجة متصاعدة إلى قواعد تربوية للعيش المشترك.

ومن داخل مسجد «الإمام علي» في كوبنهاغن حيث خطبة الجمعة يلقيها الإمام الشاب الدنماركي دانيال يتحدث عن النقد وأصوله، وتعزيز البعد الروحاني في الحياة، والعيش في داخل المجتمع الواحد، واللجوء إلى العنف باسم الدين، والأخوة في الخلق. يقول لـ «الحياة» إن المجتمع في الدنمارك متعدد الأديان، والإسلام فيه يعتبر حديثاً نسبياً. «وهذا يعني أن المسجد في دولة غير مسلمة يتحمل مسؤولية كبرى. وكونه إماماً شاباً يجعله مرجعاً للكثيرين من الشباب والمراهقين الدنماركيين الباحثين عن إجابات لأسئلة دينية واجتماعية ومعيشية. «المسلم الدنماركي الممارس دينه يحتاج إلى الكثير من العلم الديني والمعلومات الحياتية، وهو ما نحاول أن نقدمه في المسجد».

لكن العلم والمعلومات الدينية التي يبحث عنها الشباب المسلم باختلاف طوائفه في الدنمارك لا تقابله مشاركة سياسية فعالة. يقول دانيال إن المسلمين في الدنمارك لم يشاركوا بعد بالقدر الكافي في الحياة السياسية، وإن كانت الساحة تسمح بقدر كبير من المشاركة والتأثير من دون صدام أو راديكالية.

«هل يمكن أن يكون إيجاد قواعد مشتركة بديلاً للراديكالية؟» سؤال انطلقت منه مناظرة شهدتها جامعة كوبنهاغن تحت عنوان «علم الإلهيات في التعددية الدينية» وحضرها عدد كبير من الدنماركيين من مختلف الأعمار. التعددية السياسية التي تسمح بشيء اسمه ديموقراطية تم استدعاؤها في المناظرة حين تساءل الأستاذ في كلية الثقافة والمجتمع في جامعة آرهوس الدنماركية الدكتور بيتر لودبرغ عن السبب الذي يمنع البشرية من تطبيق مبدأ الخلاف السياسي الذي لا يؤدي بالضرورة إلى منازعات واقتتالات على الخلاف الديني أيضاً. «الديموقراطية طريقة جيدة لإدارة الخلافات. حرية الدين والمعتقد في الأساس حرية سياسية».

ومن الحرية السياسية إلى نداء القلب حيث «الدين شأن من شؤون القلب» كما تقول أستاذة علوم الأديان المقارنة والدراسات الإسلامية ومديرة معهد «أديان» الدكتورة نايلة طبارة، مؤكدة أن «الدين يمنح حرية ولا يأخذها». تتحدث طبارة عن «حديث ونقاش مشترك» وليس عن حوار إسلامي مسيحي. «نفكر معاً في أسس المواطنة الحاضنة للتنوع، الحرية الدينية سواء حرية ممارسة الشعائر أم حرية المعتقد، والتطرف.

وتشير إلى التجربة اللبنانية حيث عمدت «أديان» بالتعاون مع الوزارات والمؤسسات الدينية المختلفة إلى اتخاذ نقطة انطلاق مختلفة لا تقوم على حوار الأديان الذي بني على فكرة انصهار الأديان في داخل المجتمع والتسامح معها، «فالانصهار لا يسمح بالتنوع الثري القيم. والتــسامح ليس شــراكة حيث الجميع شركاء في الأوطان. نقطة الانطلاق هي المواطنة الحاضنة للتنوع».

وتعبيراً عن التنوع من داخل المجتمع يقول مستشار الأمور الروحانية في أحد المستشفيات في كوبنهاغن الإمام نافيد بايغ إن الإسلام والتطرف أصبحا وجهين لعملة واحدة في الإعلام. «الإعلام دائماً يركز على الحرب والإرهاب». وأشار إلى محاولات كثيرين للوصول إلى مبدأ التوحد لكنه التوحد القائم على تقليص الآخر وليس احتضانه. «صنعنا العديد من الحروب المقدسة باسم الله في محاولة لتحقيق هذا التوحد الساعي إلى تقليص الآخرين، منها على سبيل المثال لا الحصر إسرائيل وداعش. الله يرفض هذا الأسلوب لتحقيق التوحد. هو يدعونا إلى أن نحب بعضنا بعضاً لا أن يقلص أحدنا الآخر».

وآخر ما كان يتخيله الدنماركيون أن يسعوا يوماً إلى التعلم من التجربة اللبنانية في التعددية. هذا ما أكدته نائبة البرلمان الدنماركي عن الحزب الليبرالي الاجتماعي الدنماركي زينيا ستامب. تقول إن الدنمارك كانت حتى عهد قريب مجتمعاً متجانساً. في ستينات وسبعينات القرن الماضي جاء بعض المهاجرين بغرض العمل. وبعد انتهاء الأعمال التي جاؤا من أجلها لم يعودوا إلى بلدانهم، وبدأت تتولد مشكلات مثل العثور على فرص عمل لهم، ونظم الضمان الاجتماعي وغيرها. ثم بدأت موجات هجرة ولجوء غالبيتها من مسلمين، وأدى ذلك إلى تصاعد قلق الدنماركيين من الشكل الذي سيؤول إليه بلدهم.

وتعترف ستامب بأن الحوار الدائر حالياً بين مواطنين يرون في موجات هجرة ولجوء مسلمين إلى بلدهم تهديداً لهم، وآخرين يرونها إنسانية ومدعاة للثراء الثقافي والفكري بفعل التنوع يسيطر عليه الاستقطاب الشديد. «نحاول التأقلم مع فكرة أن آخرين يشاركوننا العيش هنا ولديهم معتقدات وطريقة حياة تختلف عنا. كثيرون يجاهرون بشعورهم بأنهم لا يريدون أن يغيروا حياتهم من أجل التكيف مع آخرين قدموا للعيش معهم. ويؤجج من ذلك طريقة تناول الإعلام حوادث تدور حول الإسلام والمسلمين حيث مبالغة شديدة في التناول. لكن الحقيقة أنه حين يتقابل الناس المختلفون وجهاً لوجه تختلف الأمور». وتضيف: «كوني مسيحية ممارسة لديني يقربني من المسلمين، فكلانا في الدنمارك أقلية. وكثيرون هنا يخشون فكرة التدين».

زميلها عضو البرلمان عن الحزب نفسه دانيال تافت جاكوبسون يقول إن الدنماركيين يحتاجون إلى قدر أقل من الخوف من الدين، وقدر أكبر من حرية الدين، مشيراً إلى أن الطريقة الوحيدة لمواجهة التطرف هي إتاحة حرية الدين. «ليس هناك خطأ في أن شخصاً يصبح متديناً جداً، فهذا حقه. لكن الخطأ كل الخطأ هو أن يؤدي هذا الحق إلى تقليص حريات الآخرين في معتقداتهم كيفما كانت».

ومن واقع التجربة في لبنان التي يصفها الأب نيقولا ســمير بإنها «دكتوراه في حل الأزمات»، فإن المشكلة الحقيقية ليست في الدين، بل في تفسير ما من قبل رجل دين ما. ومن لبنان إلى الدنمارك، تمضي عملية نقل التجربة قدماً. رجال دين مسيحــيون ومسلمون، تعديل وتنقيح المناهج التربوية، نقاش وحوار حول الآخر الذي يعيش معنا وهل نجبره على الانصهار بأن نعمل معه من أجل الاندماج والمشاركة. هل نتسامح معه أم نحتضنه؟ هل موجة الهجرة واللجوء الأخيرة وغالبيتها من المسلمين تهدّد المجتمعات الغربية؟ هي تنوع ثري يدعو إلى الفخر أم هجـــمة ثقـافية ودينية متطرفة تستوجب الاستنفار؟ وهل المواطنة لها علاقة بالخطاب الديني، كل ذلك للوصول إلى أسس لإدارة التنوع الديني؟.

«أديان» اللبنانية تساعد الدنمارك على الوصول إلى سر الخلطة، وذلك ضمن برنامج «دور المسيـــحية والإسلام في تعزيز قيم المواطنة والعيش معاً». البرنامج تعمل عليه أديان منذ عام 2014 مع المؤسسات الدينية الرسمية في لبنان.



أضف تعليق