العدد 5223 بتاريخ 24-12-2016م تسجيل الدخول


الرئيسيةثقافة
شارك:


قصة قصيرة... آذآنُ القِطَة

تقوى محمد جواد - قاصة بحرينية

تَقَّلبتُ مرتين، مُحاولاً النوم، لكن رائحةَ الأذنين المتعفنتين لتلك القطةِ - التي قتلتها روبي ذلك اليوم كي تغذي أطفالها ورفضت أن تُطعمني إلا أذنيْها - لاتزالُ عالقةً في حلقي، تدفعني للتقيؤ إذا ما تنفست.

الصوتُ قادمٌ من الأعلى، أغمضت أجفاني كنوعٍ من الدفاع حين فتحَ أحدهم باب حاويةِ القمامة، ألقى نظرةً عابرةً للداخل، شتمني وهو يلقي كيسَ قمامةٍ صغيراً على بطني، وخزتني عظام السمك الموجودةِ في قعرِ الكيس فدفعتهُ بسرعة، ونثرتُ ما فيه على بقيةِ الأكياس، نصفُ برتقالةٍ عفنة تعثرت بمحارمَ تملؤها الدماء "يا للحظ"، أغمضتُ عيني بعنف، مسحتُ المُنتَصِفةَ بمعطفي الخشن، أصابعي حطت على أنفي تُغَلِفُه، غنيتُ بصخب ووضعتها في فمي لتذوب.

خرجتُ من الحاوية، جَوَّفَ البردُ أمعائي، روبي كانت تحتضنُ أحدَ أطفالها الخمسة والبقية يحتضنون بعضهم بداخلِ علبةِ كارتونٍ قديمة، جريتُ على عجل محاولاً اكسابَ جسدي بعض الدفء، وفي جيبي بضعةَ قروش، قفزتُ سورَ منزلِ المرأةَ العجوز كالقطةِ حينما قفزت من بينِ يدي روبي قبلَ أن تُقتَل "واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة" أربعُ زهراتٍ حمراوات أجهلُ اسمهن صرْن في يدي، القيتُ نظرة سريعة على النافذةِ العليا لكن حجراً صغيراً باغتني وأصاب رأسي من النافذةِ السُفلى، صَرَخَت العجوزُ بأسنانها المتدلية "الويلُ لك" جريتُ ضاحكاً كما في كل مرة.

حَلَّ الليل، البدرُ كقرصِ خبز تخيلتهُ يذوب في فمي عوضاً عن نصف البرتقالة العفنة، جيوبي لازالت فارغة والزهور ذبلت والتصقت رائحتها في كفي، لم أفهم لِمَ لمْ يشتري زهوري الغير المسماةِ أحد؟ أَفُقِدَ الحُب؟ المال؟ الإنسانية، أم جميعها؟ حذائي الواسع يحفرُ شوارعَ لا وجودَ لها في هذا الثلج، تناولتُ الزهرةَ الأخيرةَ، لم يتسن لي الوقت لمضغها حينما رأيتُ روبي وأطفالها احتلوا مخدعي، حاويتي "أوووف" قفزتُ في علبة الكارتون، بدأت أغني بكاءً وأنا أرتجف. لم ينتبني الجوع هذا الصباح بل البرد فقط، لا أعلم هل تلبسني الثلج حتى صرتُ كتلة بيضاء لا تُرى؟ أو حرباء تستخدمُ التمويه، هل يدُ العجوز تؤلمها اليوم حتى لم تستطع قذفي بشيء مع أنني عددتُ حتى العشرة بينما كانت تقفُ عند الباب وتنظرُ كَشبح؟ أغضبتني فاشتعلت "الويلُ لَكِ" قلتُ لها وأنا خارج، لم تُحرك ساكناً.

كدتُ آكلُ يدي حينما نسيت أنهُ لم تبقَ لدي أية زهرة فيها اليوم، صار جيبي عامراً، ضحكت بازدراء "هل عادَ الحبُ يا تُرى والمالُ والإنسانية"؟ عندما عُدتُ ليلاً، رأيتُ أحدَ أطفالِ روبي منقضاً على معطفي الخشن، يُفَتِشُ جيوبه، نَظرتُ لجسدي بِفزع، أفتشُ عن معطفي وكأنه اختبأ تحتَ جلدي، داهمتني رائحةُ أذنيْ القطةِ مجدداً، الصَقْتُ كفي قرب فمي مُزَّفِراً لأشمني، لم تكن تلكَ الرائحةُ هناك، نظرتُ مجدداً للطفل يجري للطرف الآخر وبيدهِ شيء صغير كأنها أذن قطة، عانقَ رقبةَ أمه وهوَ يأكلُ ما بيده وهي كانت مشغولة مع أطفالها، يأكلونَ جسدي.



أضف تعليق



التعليقات 5
زائر 2 | 1:32 ص استمري رد على تعليق
زائر 3 | 11:37 ص مبددددعةة رد على تعليق
زائر 4 | 4:34 ص قلم راقي و متقن، سلمتِ رد على تعليق
زائر 5 | 4:35 ص عميقة رد على تعليق
زائر 6 | 7:00 ص مبدعيه… .استمري رد على تعليق