العدد 5254 بتاريخ 24-01-2017م تسجيل الدخول


الرئيسيةثقافة
شارك:


قصة قصيرة... روائي بلا امرأة

سلطان عاطف العيسي - قاص سعودي

سلطان عاطف العيسي - قاص سعودي

بعد كل موْعد معها كُنت أكتب بشراهة، أبتلعُ الورق الأبيض بقلمي، لم أعلم نوعًا من الجنون يجعلُني أكتب بهذا الهوس!
كُنت أعيش علاقة غرامية ذات طابع قياسي، لقد أحببت امرأة في منتصف الثلاثينيات، ذات قوام مُتمرد يفضحُ بعضه، يعلوه وجه يُشبه القمر، يُطلُ منه أنف ملائكي.
في بداية يونيو التقيتها مصادفة في متجر بيع الهدايا التذكارية، رأيتها تُدَحْرجَ فيلًا إفريقيًا مُمسكةً بخرطومه، مُتعجبة من أنيابه البيضاء!
مُباشرةً وضعت كلتا يدي في جيبي، زحزحتُ الخاتم من أصبعي إلى أن أنزلق، أخرجتُ يدي اليُمنى لأصافحها خارج قيود القبيلة، مُعرّفًا بنفسي كموظف لحماية الحياة البرية!
كان الصيف المثالي لكتابة رواية مُتهورة، رواية ذات سقْف مفتوح! في ذلك الصيف حملتُ الأوراق البيضاء في كل مكان (السيارة، الشقة، أماكن مواعداتنا، ...) في كل مكان كتبتُ المزيد من الجنون.
في أحد المساءات، اصْطحبتها إلى المطعم الجبلي، بعد العشاء ناولتها الجزء المُكتمل من الفصول الثلاثة الأولى، كنت أعلم جيداً أنها آخر شخص في العالم يجيد الحُكم على رواية! أردت صُنع ذكريات ملونة معها، أبديت اندهاشي من تعليقها المرتبك:
-  كثرة (الكان كان)، يا رجل (كان) أغرقت روايتك!
ظلّت تشرحُ نفس الملاحظة بطرق مختلفة، في حين انشغلت تمامًا بحفلة الرقص من شفتيها البرونزيتين، مرّ الوقت سريعًا نسيت الأوراق ليلتها على الطاولة!
هربنا كآخر شخصين في ذلك المطعم، انشغلنا بتلبيةِ النداء الليلي للبحر، في السيّارة كانت فيروز تُتلف الليل بصوتها، وضعتُ يدي خلف كتفها، قبضت هي على يديها، ثم أخذت تتلو صلوات الحب خلف فيروز..ذَهبنا كعادتنا للجزء المُنعزل من الشاطئ، في ذلك المكان خُضنا مئات المعارك الوردية، أطلقنا حكاياتنا المُنكّهة بالنجوم إلى اللاشيء الذي كان يتلحّفنا!
في تلك الليلة علّمتني كيفية "الصفير" بيد شخص آخر، وضَعت أصابعها في فمي، كرّرتُ المحاولات، قاومتُ طعم أناملها العسلي، ضحِكنا بهستيريا، لقد استطعت في النهاية الصفير في وجه الريح، في وجه السفن النائمة في الميناء، في وجهة الجبال المُحدبة خلفنا، حصلتُ ليلتها على قبله منها كزلزالي تشيِليّ.
تعاهدنا مُستقبلا على أنجاب عشرةِ أطفال، ضَحِكَت من اقتراحي كثيرًا وهي تتحسس بطنها الصغير!
في ذلك الصيف تحدّثنا كثيرًا، وسهرنا كثيرًا، وكتبت كثيرًا، على رغم ذلك ظهر للطريق نهاية واحدة واضحةٌ تمامًا، فخسارتي علاقة صيفية أمر حتمي.
في الثلاثة الأسابيع الأخيرة من شهر أغسطس لمّحت لي بالرحيل، وفي نهاية سبتمبر حزمت حقيبتها، لم أكن أجرؤ على طلب يدها؛ فأنا كرجل شرقي جبان جدًا، قراري بيد أمي! في النهاية اختفت وأنا مُنغمس في وحل ترددي.
الأسبوع الماضي وَصلني ساعي البريْد يحملُ الفصول الثلاثة من الرواية، مع توقيع صاحب المطعم الجبلي، الذي أخبرني أنهُ بروزَ نسخة من إحدى الصفحات ووضعها في المطعم، مع تمنياته لنا كثنائي بحياة رائع، على أحد الأوراق وجدت قبلة برونزية لم تزل ساخنه.



أضف تعليق



التعليقات 7
زائر 2 | 1:55 ص جميلة.موفق رد على تعليق
زائر 3 | 4:21 ص قصة رائعة جدًا
مليئة بالصور الإنسانية الراقية رد على تعليق
زائر 4 | 4:23 ص قصة قصيرة على الطراز العالمي رد على تعليق
زائر 5 | 5:24 ص رائعه جدا قلم جرئ رد على تعليق
زائر 6 | 8:12 ص اندمجت مع الأحداث لا أملك أمام هذه الملحمة سوى رفع القبعة والتصفيق بحرارة. رد على تعليق
زائر 7 | 2:54 م جميل صديقي الغالي
كما عهدتك متجدد???????? رد على تعليق
زائر 8 | 3:19 م جميلة ومعبرة رد على تعليق