العدد 5255 بتاريخ 25-01-2017م تسجيل الدخول


الرئيسيةثقافة
شارك:


قصة قصيرة... فراشة طار من رأسها الفرخ

خديجة المسعودي - قاصة مغربية

فتحتُ عيني هذا الصباح على فراشة تحوم حول مصباح مطفأ. استغربُ ما تفعلهُ الفراشة المجنونة. لابد أن فرخَ رأسها قد طار. هل تتخيلون كيف سيطير الفرخُ من رأس فراشة؟ هل تلاحظون حقاً رأسها؟

فردتُ أطرافي بعيداً عني، بزئير قوي لأطردَ الكسل المترسب عليها. أثناء التمطط تعطلت جميع حواسي بالتدريج ثم عادت. اكتشفتُ ذلك لأنني لم أسمع ذروة زئيري. رميتُ عني الغطاء متجهة نحو المغسل لأزيح عن أطراف عينيّ بقايا الأحلام اليابسة. وجدتُ مجددا تلكَ الصابونة الصفراء المضادة للجراثيم، امتعضتُ فور رؤيتها لأن رائحتها تشعرني أنني داخل مستشفى. بدون مناسبة اقتحمت ذاكرتي تلك الفراشة التي استيقظتُ على خفقان جناحَيها وشردتُ لبرهة. ثم ساقتني قدماي نحو مغسل المطبخ.

أفرغتُ القليل من مسحوق غسل الأواني على كفي، ثم دعكته على وجهي ليتحول إلى رغوة ناعمة ملأت الجو برائحة زكية. شطفتُ الرغوة جيداً ثم اتجهتُ نحو مرآة المغسل، وضعتُ رأسي تحت الصنبور لأبلل شعري فيتجدد تموجه. دعكتهُ جيداً ثم نفضته لتتخذ كل شعرة شكلها الطبيعي. تناولتُ المنشفة لأجفف شعري، وملامحي ترشح على سطح المرآة. عدتُ إلى غرفتي أتقافز وتنبعثُ من جسدي طاقة غريبة.

أخرجتُ السيشوار من خزانتي ورحتُ أجفف شعري وأسرحه، لأرى كيف سأقضي نهاري دون أن أحمل بين أكتافي جزيرة من الشعر المجعد. لا أدري كيف أتوقع أن تكون حياتي منتظمة وفوق رأسي كل تلك الفوضى؟ لم يقنعني تماما تسريح السيشوار البطيء. أخرجتُ مكواة ملابسي التي لا أستعملها كثيراً، فرَدْتُ شعري على الوسادة وأخذتُ أسرحهُ خُصلة خُصلة إلى أن صار منسدلاً وناعماً. نظرتُ إلى المرآة كأنني أرى شخصاً آخر. ثم تذكرتُ أنني أتيت إلى هذا العالم في مثل هذا الشهر. فلم لا أولد اليوم شخصاً آخر؟ سأتنزه، سأذهب إلى الشاطئ، ثم إلى الحديقة. سأفعل شيئا لم يسبق أن فعلته؟ على عجل ارتديتُ قميصي الأزرق وسروال الجينز، لم أتزين، اكتفيتُ ببقايا كحل الليلة الماضية وعض شفاهي وتبليلها. سقطت الفراشة في ذهني مجدداً وهي تحوم حول المصباح مطفأ. دورانُ الفراشة دوَّرَ عيني داخل محجرهما وولَّد إحساساً غريباً بداخلي، جعلني أخلعُ قميصي الأزرق المعتاد وأرتدي بدله كنزة خضراء.

نزلتُ سلالم البيت نحو الشاطئ القريب وقد قررتُ أن أعانق كل من سأصادفهُ في طريقي. دون أن أقول شيئا أو أشرح السبب. اندفعتُ خارجَ البيت وأنا أتخيل من سيكون أول شخص سأعانقه؟ كان الزقاق هادئاً تماماً، داكنا كأنها ستمطر. واصلتُ المشي دون تفكير مطول في احتمال المطر، علني أصادفُ أحدا في طريقي آخذه بين ذراعي بقوة، أفلته وأمضي باتجاه حضن آخر، لكن دون جدوى. لا وجود لأحد. مشيتُ كثيراً في شوارع فارغة وأرصفة حزينة تحمل محلات مغلقة. كان الأمر غريباً ومخيفا جداً. كأن الحياة انعدمتْ فجأة. كنت وحدي أدور في أزقة ميتة. لا وسائل نقل، لا قطط ولا كلاب ولا عصافير ولا ذباب...
تساءلتُ أين اختفى الجميع؟
فجأة سمعتُ صوتا يصيح من خلف نافذة شبه موصدة:
هل أنت مجنونة؟ ادخلي بيتك وأغلقي بابك ونوافذك، هناك كسوف أو خسوف أو لست أدري ما اسمه.
انفجرتُ ضاحكة وأنا أنظر إلى نفسي، وأبدو فراشة تحومُ حول مصباح مطفأ، فراشة طار من رأسها الفرخ.



أضف تعليق



التعليقات 1
زائر 1 | 12:47 ص انسيابية النص رائعة رد على تعليق