العدد 5303 بتاريخ 14-03-2017م تسجيل الدخول


الرئيسيةثقافة
شارك:


قصة قصيرة... الخيبة الأولى بعد الأخيرة

محمد خلف - قاص فلسطيني

العمل للفنان إنريكي ليموس

الموسيقى الصاخبة تملأ المكان... يقلب أوراق اللعب بين كفيه ويسترق النظر إلى صديقه لينذره بأن دوره في اللعب قد حان، يحرك شفتيه مردداً نفس الأغنية التي يسمعها، يحاول أن يجاري المطرب في الأداء ولكنه لا يستطيع، غير أن المطرب لا يستطيع أن يجاريه بإحساسه بها، يردد كلمات الأغنية ويتذكر ويتذكر وتهرب منه ابتسامة ترافق ذكرى من الزمن الغابر، يلاحظ صديقه ابتسامته فيبتسم هو الآخر "إنني أعرف هذه الابتسامة جيداً"، فهم على الفور ما يقصده صديقه، فقال له: "لو أن الذكريات بلا مشاعر يا صديقي! لو أن ذكرياتنا محظ صور تعبر مخيلتنا وتغادر للأبد"، ثم عاد ليغرق في خياله يردد الاغنيات وينفعل معها بكافة جوارحه، فهناك الجزء الذي يستمتع فيه بالموسيقى وهناك الجزء الذي يستمتع فيه بالكلمات والصوت، وهناك الجزء الذي تنصهر فيه كل تلك الأشياء لتكوّن ذاك الشعور الذي يحضره، يردد الأغنيات ويتذكر مع من كانت كل منها، في بداية أي خيبة أو في نهايتها أو في خضمّها، ولكن النهاية تكون حاضرةً دائماً، فكل شيء ينسى سوى نهاية مخيبة، فشعور النهايات دائماً ما يطغى على البدايات وعلى المسافة الفاصلة بينهما، يكف عن ترديد الأغاني لبرهة ثم ينفجر ضاحكاً، يعلو صوت ضحكه فوق صوت الموسيقى، يطلق كلمات بين الضحكات المتتالية: "تخيل يا صديقي أن تلك كانت هي النهاية، فقط بهذه البساطة، كم أشعر أنني كنت مغفلاً"، لطالما اعتقد أن تلك الحكاية ستكون مختلفة، لطالما اعتقد أن ثمة أشياء تميز هذه عمّا قبلها، ففي الخيبة التي قبلها والتي اعتبرها الأخيرة كان يمتلك جداراً صلباً من القناعات تمنعه من الخوض في أي علاقة مشابهة، إلا أن ذلك لم يكن يوماً قراره أو قرارها، إنها تجليات القدر، تلك الأشياء التي تشعرنا بأن ثمة شيء ما يدور حول شخص ما في حياتنا، تلك التي نعتبرها إشارات من القدر بما سيحدث لنا، تلك هي الإشارات التي تسيّرنا في اتجاه ما حتى لو كنا لا نريده، إنها الخدعة الكبرى، بقعة السراب التي نلهث حولها لتشبع ظمأنا لتزيدنا ظمأً حين نعلم بعدم وجودها، تلك الأشياء التي تعطينا أملاً وتغلف المستحيل بغلاف الممكن الهش، لقد كانت صدمته أن تلك الإشارات لم تكن سوى حماقات من صنع الشعور الإنساني ولا علاقة لها بالقدر؛ شاركه صديقه في هيستيريا الضحك التي اجتاحتهما، تجاهلا اللعبة وكروت اللعب وأخذا يرددان كلمات غير مفهومة بين الضحكات، كلمات ساخرة في معظمها، فلا شيء يعطي الإنسان قوة بقدر سخريته من خيبة ما، نعم لهذه الدرجة يبدو الشعور الإنساني سخيفاً، لدرجة ضحكات صاخبة وكروت لعب وخيبة! هدأت هستيريا الضحك وعلت أصوات الموسيقى من جديد ولكنها لم تكن لتغطي ذاك الهدوء البشع الذي تركته الضحكات الصاخبة خلفها، ذاك الشعور بنهاية لحظة جميلة، امتدت يده لتوقف صوت الأغنية، فلم تعد ذات قيمة بعد هذه اللحظة، رمقه صديقه بنظرة استفهام "هل اكتفيت من الاستماع؟"، فأجابه: "نحن لا نمل من الاستماع للأغنيات أبداً يا صديقي، ولازال لدينا متسع من الوقت، ربما نستمع في الغد أو بعد شهر أو بعد سنة، ولكننا سنعود في النهاية، سنعود يوماً ما إلى النهاية"!



أضف تعليق



التعليقات 1
زائر 1 | 6:05 ص ولأن معظم الروايات تظلم القدر ويكون شماعتها في الحب.. لقد أنصفته قصتك هنا.. فلا دخل للقدر في الخيبة التي يصنعها الانسان بيديه الغير متعظة ولا عزاء لمن لديهم خيبة بعد الأخيرة! رد على تعليق