العدد 5304 بتاريخ 15-03-2017م تسجيل الدخول


الرئيسيةثقافة
شارك:


قصة قصيرة... فطائر النوارس

تقوى محمد جواد (قاصة بحرينية)

 

"لن تخرجي من الغرفة إلا بعدَ ساعتين "قبّلتْني أمي، أقفلت البابَ خلفها وخرجت. أمسكتُ دميتي مُسَرِحَةً شعرها "ستعِدُ فطائرَ النوارس... هل تعلمين يا سالي، دوماً ما تصر أمي كي أتعلمَ جميعَ وصفاتها التي ورثتها عن أمها وجدتها وتجبرني على تسميعها في نهاية الأسبوع - تنفستُ الصعداء- لكنها تُقفل البابَ عليّ إذا أرادت أن تعد فطائرَ النوارس "سمعتُ صوت الباب الخارجي يُفتح، حذاءُ أمي المدببُ من الأمام يركلُ الحجارة، صوت الموج أصمَّني وكأنني أعلكهُ بداخلِ فمي، الستائرُ تهذي، النافذة تناديني وأنا استجيب ،عيناي تبحثُ عن صاحبةِ الحذاءِ المدبب، أبصرتُ شبحها وهو يتوجهُ إلى خلفِ الكوخ، تقوست شفتاي، أفلتُّ السرَ كما في كلِ مرة "أووف"، أنزلتُ ثقليَّ على الأرض، تثاءبتُ طويلاً حتى غفوت.

صوتُ شيء آخر، يركلُ الصخورَ أيضاً بجانبِ حذاء أمي، عَركتُ عيناي ونظرتُ إلى النافذة، أمي تحملُ كيساً كبيراً من القش، كم مضى من الوقت؟ قد تكون ذهبت إلى البلدة لتشتري مكونات الوصفة، من يعلمُ كم من الأسرارِ بداخلها"؟ كانت سالي تشدُّ يدي باستمرار، تقول إنها تريدني أن أقرأ عليها حكاية، أخبرتها كثيراً أنه ليس ميعاد النوم، لازالَ هنالك متسعٌ من الوقت ثم إني لا أحفظُ سوى الوصفات، أما الحكايات فأقرأها في الكتب فقط، شدّت يدي مرة أخرى لخزانةِ أمي، فتحتها متململةً وسحبت منها ثلاثة كتب بعشوائية، "حسناً فلنرَ بأي حكايةٍ سنبدأ، هل بنعجـةِ الجبل؟ أم بكتابِ الـ - قطبتُ حاجباي - هذا كتاب وصفات أمي - ابتسمتُ بخبث - هيا يا سالي، فلنعثر على سر هذه الوصفة "استخرجتُ كماً هائلاً من القصاصات الصغيرة وبدأتُ أقرأ حتى وقعت بيدي قصاصة كتبت بخطٍ طفوليٍّ رديء "كانت جدتي تقول لي، إن فطائر النوارس ستجعلني أطير، لأنهـ" حذاء أمي المدبب ركل الباب بخفة، ارتبكت، رميتُ الكتب في الخزانة، فتحت أمي الباب "هيا اخرجي" جريتُ للخارجِ بسرعة. كانت المنضدةُ وسطَ المطبخ مليئة بالعجين حينَ ترددتُ قليلاً ثم سألتها متصنعةً البلاهة: "فطائرُ النوارس"؟ قالت باقتضاب "أجل"، قلت "أمي، لما سُميت هكذا؟ هل لأنها تصنع بنوارس حقيقية"؟ أغمضت عيناها "لأن لونها كمنقار النورس، ذهبي..." قُلت "لكن جميع الفطائرِ ذهبية اللون" بدأت تغني ولم تُجبني.

المائدةُ كانت زاخرة بفطائر النوارس، تذكرتُ حديث الجدّة فتناولتُ نصف المائدة حتى بدونِ أن أشبك يديّ وأشكر الله على هذه النعمة، على أيةِ حال سأشكرهُ بعد أن أطير إليه بأجنحتي الجديدة.

المكان من حولي يضجُّ بشخيرِ أمي وهديرِ الموج، النعاسُ هارب وأنا لا أشعرُ بأجنحتي بل بألمٍ في معدتي، هل يُعقل أن تنبت الأجنحةُ من المعدةِ أولاً؟ خرجتُ للمطبخ، تناولتُ فطيرة ونصفاً على أملِ أن يحدثَ الآن، فتحتُ الباب الخارجي وذهبت إلى خلفِ الكوخ، أضأتُ الأرضَ بمصباحيِ، كان هنالك الكثير من فتات خبزٍ ذي لونٍ غريب "بالتأكيد هذا ما تطعمه أمي للنوارس، تعطي أجنحتهم القوة ثم أنهم يطيرون بسرعة فلا أراهم في اليوم التالي" انكببتُ على الفتات أحشرهُ في فمي حتى امتلأت، صعدتُ فوقَ صخرة، أخرجتُ من جيبي نصف الفطيرة وأكملتها، لكن شيئاً علق في حلقي، هل بدأ الزغبُ ينبت على لساني؟ سحبتهُ باشمئزاز، ريشة نورس بطول إصبعي الصغير، ابتسمت، أفردتُ ذراعي... حركت أصابعي كعازف بيانو، كبدي تتمزق، فقدتُ توازني، وحينَ خمد صوت شخير أمي، ألقيتُ نفسي... في الفراغ، وسط ريش النوارسِ وفتات الخبز ذي اللون الغريب وسالي.

 



أضف تعليق



التعليقات 2
زائر 1 | 6:00 ص عشت أجواء القصة..جميلة التعابير هنا رد على تعليق
زائر 2 | 4:18 م فظيعة رد على تعليق