العدد 5341 بتاريخ 21-04-2017م تسجيل الدخول


الرئيسيةثقافة
شارك:


قصة قصيرة...وهْم مريح

أحمد شرقي (قاص مغربي)

تتدفق عتمة لجوجة دون استئذان داخل غرفتي، يعجز نور الصباح والنافذة الفاتحة ذراعيها ترحيباً بطلوع يوم آخر عن كبحها، أما أنا فأتابع المشهد كل يوم دون أن أحرّك ساكناً، أحقد على النافذة أحياناً، أمقت صراخ لعب الأطفال المنبعث عبرها، والممتزج بضحكات تُزلزل رأسي.

أتذكّر أستاذ الفلسفة التعيس فأحقد عليه أكثر من حقدي على النافذة.

أتقدّم نحو الجناحَيْن لأصالحهما وأضع حدّاً للعبث، لكني أتراجع خشية أن تغضب أميرتي، أو تظن أني غاضب منها فتحزن، لذا النافذة ستظل مفتوحة إلى الأبد.

أَغِير ممن يُلقي برأسه على الوسادة فيغرق، من دون تفكير أو أرق، في نفس المكان ينتابني اشتياق لتذوّق حلاوة التيه في أعماق الأحلام، افترستني كوابيس اليقظة المُرّة فقط، منذ أن رَحَلَت.

جميلة كانت، أجمل من زهرة الياسمين شكلاً وعبقاً، صفاؤها لوحة فنية أروع من "ليلة النجوم" التي تركها فان غوخ، (لا أعلم إن كان قد قطع أذنه بعد أم قبل رسمها).

أسبّ الأستاذ في خاطري بأنذل الشتائم.

تنجلي فجأة أصوات الفتيان المكهرِبة، أطير نحو الشرفة لأستغل وقت تلبيتهم الاستثنائية لنداء الأمّهات... سيملئون بطونهم وسيعودون لا محالة.

أجدها منتظرة في الأسفل بابتسامتها السرمدية، ألوّح لها بيدي، فتُطلق كلمات:

"لا تنس أني أحبك".

ترتعش أطرافي وتشرع شمعتاي في الذوبان اليومي كالمراهق، أقاوم لكي لا أُسمَّى قرين أولئك المزعجين الغائبين.

تُردف بسرعة غير معهودة في كلامها: "أتمنى لك السعادة حبيبي، اعتنِ بنفسك".

كانت تتوقع رجوع الصعاليك، لم أنطق واستمرّت يدي في التلويح لها ذهاباً ومجيئاً كمسّاحات زجاج سيارتي الأولى والأخيرة قبل عامين، إلا انها تُصبح أثراً بعد عين، يُعوّضها الأشرار يستهزؤون بي، تتعالى ضحكاتهم - أنكر الضحكات لضحكاتهم - يقلّدونني ويلوّحون بأيديهم مردّدين: "باي باي مع السلامة... شكراً على الزيارة...". أتيقّن أنها مجرد وهْمٍ وأنهم هُم الحقيقة، منهزماً أدفع عجلات كرسيَّ المتحرك إلى الخلف عائداً إلى مكاني، أحنّ إلى إطلالتي عليها وهي مغادرة إلى العمل في بيوت السيدات - بعدما لبّى أبي نداء المُحيي والمُميت - كانت تُوَدّعني مرسلة قبلة حنونة عبر الهواء تتبعها عبارتها: "لن أتأخر عليك يا ولدي، الأكل على الطاولة مُصان ومغطى بثوب لونه كذا... الله معك"، ثم تمشي.

يبلغ غضبي قمته بسبب شبح أستاذ الفلسفة المتربص بي في كل حين، كان متأثراً بشوبنهاور ونيتشه وأمثالهما من كارهي الورود والنساء، أدنو من الطاولة لأبتعد عن وساوسهم المدعِّمة لطغيان العتمة، أكشف الثوب عن صحن الطعام الفارغ! فأبتسم برزانة وأعيد ستْره.



أضف تعليق



التعليقات 1
زائر 1 | 7:37 م دمت متألقا كالعادة.. دائما تبهرنا بأسلوبك الغامض الدي يضفي على القصة رونقا خاص و مميز لك و لأناملك المبدعة رد على تعليق